بازگشت

في تفضيل بين عائشة و بين خديجة و فاطمة


فقد ذهب فيها إلي القول بتفضيل عائشة علي خديجة رضي الله عنها.


واستدلّ لذلک بما روي عن أنس بن مالک، أنّه قيل: يا رسول الله، من أحبّ الناس إليک؟ قال: عائشة، قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها.

قال النعساني: وروي هذا من طريق عمرو بن العاص، والنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوي، فلولا أنّ الله أوحي بذلک إليه لم يقع ذلک منه، وهذا يدلّ علي أنّ عائشة أفضل النساء. انتهي [1] .

قلـت:

قد سلف الکلام في التفضيل بين أُمّ المؤمنين خديجـة رضي الله عنها وعائشة بنت أبي بکر، وعرفت الحقّ فيه، فإذن لا يُعبأ بقوله.

نعم، حکي شيخ الاِسلام ابن حجر عن ابن القيِّم أنّه قال: إنْ أُريد بالتفضيل کثرة الثواب عند الله فذاک أمر لا يُطَّلع عليه، فإنّ عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإنْ أُريد کثرة العلم فعائشة لا محالة.

وتعقّبه بأنّ ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإنّ لخديجـة ما يقابله، وهي أنّها أوّل من أجاب إلي الاِسلام ودعا إليه وأعان علي ثبوته بالنفس والمال والتوجّه التامّ، فلها مثل أجر من جاء بعدها، ولا يقدّر قدر ذلک إلاّ الله. انتهي [2] .

فتحصّل من جميع ما ذکرنا أنّه ليس لعائشة ما تفضل به علي خديجة رضي الله عنها إلاّ ما يدّعي من حديث الثريد، وسيأتي إن شاء الله البحث فيه بما ليس عليه من مزيد.


وأمّا ما احتجّ به من الحديث علي تفضيل عائشة علي سائر النساء، فغير صالحٍ للاحتجاج، وذلک من وجوه ثلاثة:

الاَوّل: أنّ حديث أنس لم يروه عنه إلاّ حُميد بن أبي حُميد الطويل [3] ، وکان يدلِّس عن أنس.

قال أبو بکر البرديجي: حديث حُميد لا يُحتجّ منه إلاّ بما قال: «حدّثنا أنس» [4] .

قلـت:

وقد عنعن في حديثه هذا [5] ولم يصرّح بالتحديث.

وأمّا حديث عمرو بن العاص، فقد أخرجه الشيخان والترمذي [6] ، عن خالد بن مهران الحذّاء، عن أبي عثمان النهدي، عنه؛ لکنّه منقطع.

قال عبـدالله بن أحمد بن حنبل في کتاب «العلل» عن أبيه: لم يَسمع خالد الحذّاء من أبي عثمان النهدي شيئاً.

وقال أبو حاتم: يُـکتب حديثه ولا يُحتجّ به [7] .

الثاني: أنّه معارِض لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «أحبّ أهلي إليّ فاطمة» أخرجه


الترمذي والحاکم وصحّحه، وکذا الطبراني والديلمي وغيرهم عن أُسامة بن زيد، ورمز السيوطي في «الجامع الصغير» لصحّته.

قال المناوي في «فيض القدير» [8] : حبّه إيّاها ـ يعني فاطمة عليها السلام ـ کانت أحبّـيّة مطلقة، وأمّا غيرها فعلي معني (مِنْ) [9] ، وحبّه لها کان جبّلّـيّـاً ودينيّاً، لِما لها من جموم المناقب والفضائل. انتهي.

وأخـرج الترمذي والحاکم، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: کان أحبّ النساء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فاطمـة عليها السلام، ومن الرجال عليّ عليه السلام [10] .

وروي جُميع بن عمير التيمي أنّ عائشة سُئلت: أيّ الناس کان أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجهـا [11] 4.

والاَحاديث في ذلک کثيرة، والسنن شهيرة وفيرة، فلا غرو لو ادُّعي الوضع والاختلاق في حديث أنس وعمرو بن العاص، إذ لا تکاد تجد منقبة من مناقب الآل إلاّ وافتعل النواصب في حقّ أوليائهم ما ينقاضها ويعارضها، فکيف تسنّي له أن يسند ذلک إلي إيحاء الله تعالي به لنبيّه صلي الله عليه وآله وسلم، والله المستعان علي ما يصفون.

الثالـث:

أنّ الکلام في الاَفضليّة لا في المحبّة، ولا يلزم من أکثرية المحبّة تحقّق الاَفضليّة، إذ محبّة الاَولاد وبعض الاَقارب أمر جبلّيّ مع العلم القطعي بأنّ غيرهم قد يوجد أفضل منهم [12] .

هـذا، مع تنصيص عائشة علي أفضلية فاطمـة الزهراء عليها السلام في ما أخرجه الطبراني بترجمة إبراهيم بن هاشم من «المعجم الاَوسط» عن عائشة، قالت: ما رأيت قطّ أحداً أفضل من فاطمة غير أبيها.

قال ابن حجر في «الاِصابة» [13] : صحيح علي شرط الشيخين. انتهي.

وهو کافٍ في تفضيل فاطمـة الزهراء عليها السلام علي عائشة، فبطل قول النعساني: إنّ عائشة أفضل النساء، ومع ذلک فقد ثبت تفضيلها عليها الصلاة والسلام بالکتاب العزيز ونصوص السُـنّة المطهَّرة وأقوال العلماء.

فمن آيات الکتاب الدالّة علي تفضيلها بلا ارتياب قوله عزّ اسمه في آية المباهلة: (فمن حاجّک فيه من بعد ما جاءک من العلم فقل تعالوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَکم ونساءَنا ونساءَکم وأنفسَنا وأنفسَکم ثمّ نبتهل فنجعلْ لعنة الله علي الکاذبين).

وقد أجمع أهل القِبلة علي أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لم يدع للمباهلة من النساء سوي البضعة الزهراء، وأُمّهات المؤمنين رضي الله عنهنّ کنّ حينئذٍ في حجراته صلي الله عليه وآله وسلم، فلم يدع واحدة منهنّ ـ ولا عائشة ـ وهنّ بمرأيً منه ومسـمع.

وأنت تعلم أنّ مباهلته صلي الله عليه وآله وسلم بعليٍ وفاطمة والحسنين عليهم السلام،


والتماسه منهم التأمين علي دعائه، بمجرّده فضل عظيم، وانتخابه إيّاهم لهذه المهمّة العظيمة، واختصاصهم بهذا الشأن الکبير وإيثارهم فيه علي من سواهم من أهل السوابق، فضل علي فضل، لم يسبقهم إليه سابق، ولن يلحقهم فيه لاحق، ونزول القرآن العزيز آمراً بالمباهلة بهم بالخصوص فضل ثالث، يزيد فضل المباهلة ظهوراً، ويضيف إلي شرف اختصاصهم بها شرفاً، وإلي نوره نوراً ـ کما قال الاِمام شرف الدين العاملي رحمه الله [14] .

وقال؛: إنّ اختصاص الزهراء من النساء والمرتضي من الاَنفس ـ مع عدم الاکتفاء بأحد السبطين من الاَبناء ـ دليل علي ما ذکرناه من تفضيلهم عليهم السلام، لاَنّ عليّـاً وفاطمة لمّا لم يکن لهما نظير في الاَنفس والنساء کان وجودهما مغنياً عن وجود مَن سواهما، بخلاف کلٍّ من السبطين، فإنّ وجود أحدهما لا يغني عن وجود الآخر لتکافُئهما، ولذا دعاهما صلي الله عليه وآله وسلم جميعاً، ولو دعا أحدهما دون صنوه کان ترجيحاً بلا مرجّح، وهذا ينافي الحکمة والعدل.

نعم، لو کان ثمّة من الاَبناء من يساويهما لدعاه معهما، کما أنّه لو کان لعليٍ نظير من الاَنفس أو لفاطمة من النساء لَما حاباهما، عملاً بقاعدة الحکمة والعدل والمساواة. انتهي [15] .

ومنها: قوله جلّ وعلا في آية التطهير: (إنّما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهّرکم تطهيراً) وقد علم کلّ منصف أنّ هذه الآية البيّنة إنّما نزلت في الخمسة أصحاب الکساء، ومنهم فاطمة سيّدة النساء، وکفاک هذا برهاناً علي أنّهم أفضل من أقلّته الاَرض يومئذٍ ومن


أظلّته السماء.

ومنها: قوله تبارک وتعالي في آية المودّة: (قل لا أسألکم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي) وقد روي الجمهور أنّه لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من قرابتک هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: عليٌّ وفاطمـة وابناهمـا [16] .

ومنها: قوله عزّ من قائل في آيات الاَبرار: (إنّ الاَبرار يشربون من کأسٍ کان مزاجها کافوراً عيناً يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيراً) إلي آخر السورة، وقد أجمعنا علي نزولها في عليٍ وفاطمة والحسن والحسـين عليهم السلام، ورواه الواحدي في «البسـيط» والثعلبي في تفسيره وأبو المؤيَّد موفّق بن أحمد في کتاب «الفضائل» وغير واحد من الحفظة وأهل الضبط عن ابن عبّاس رضي الله عنه، وفيها من الدلالة علي فضل هؤلاء عليهم السلام ما لا يخفي، وقد أبان سيّدنا الاِمام شرف الدين العاملي رضي الله عنه طرفاً من ذلک في «الکلمة الغرّاء» فمن شاء فليرجع إليها وليقف علي کلمة الفصل فيها، والله الموفّـق.

وأمّا السُـنّة الثابتة في تفضيلها عليها السلام فهي کثيرة لا تحصي، ووفيرة لا تستقصي، فلنورد منها هنا طرفاً ممّا ظفرنا به، والله المستعان.

أخـرج الشيخان في صحيحيهما [17] عن عائشة، أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال:


يا فاطمة، ألا ترضين أن تکوني سيّدة نساء المؤمنين ـ أو: سيّدة نساء هذه الاَُمّة ـ؟!

وأخـرج الحاکم في «المستدرک» [18] وصحّحه، عنها، أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال ـ وهو في مرضه الذي توفّي فيه ـ: يا فاطمة، ألا ترضين أن تکوني سيّدة نساء العالمين، وسيّدة نساء هذه الاَُمّة، وسيّدة نساء المؤمنين؟!

وأخـرج الترمذي في (سننه) [19] عن حذيفة، أنّه صلي الله عليه وآله وسلم قال: إنّ هذا مَلَک لم ينزل الاَرض قطّ قبل هذه الليلة، استأذن ربّه أن يسلّم علَيَّ ويبشّرني بأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.

وعن عمران بن حصين، أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام: يا بُنيّة،


أما ترضين أنّکِ سيّدة نساء العالمين؟! قالت: يا أبتِ فأين مريم ابنة عمران؟ قال: تلک سيّدة نساء عالَمها، وأنتِ سيّدة نساء عالَمک، أما والله زوَّجتکِ سيّداً في الدنيا والآخرة [20] .

وعن جابر بن سمرة، أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: أما إنّها ـ يعني فاطمة عليها السلام ـ سيّدة النساء يوم القيامة [21] .

وأخـرج الحاکم في «المستدرک» [22] عن عائشة، قالت لفاطمـة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ألا أُبشِّرک أنّي سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: سيّدات نساء أهل الجنّة أربع: مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وخديجـة بنت خويلد، وآسـية.

وأخـرج الحاکم والطبراني والخطيب [23] أنّه صلي الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام: أما ترضين أنّي زوّجتک أوّل المسلمين إسلاماً، وأعلمهم علماً، فإنّکِ سيّدة نساء أُمّتي کما سادت مريم قومها.. الحديث.

وأخـرج أحمد في مسنده والحاکم في «المستدرک» [24] وصحّحه، عن ابن عبّاس رضي الله عنه، قال: خطّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أربعة خطوط، ثمّ قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنّ أفضل نساء أهل الجنّة


خديجـة بنت خويلد، وفاطمـة بنت محمّـد، ومريم بنت عمران، وآسـية بنت مزاحم.. الحديث.

وأخـرج أحمد والترمذي والحاکم [25] عن أنس، أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: حسبک من نساء العالمين مريم ابنة عمران، وخديجـة بنت خويلد، وفاطمـة بنت محمّـد، وآسـية بنت مزاحم.

وعن أبي موسي الاَشعري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: کمل من الرجال کثير، ولم يکمل من النساء إلاّ مريم، وآسـية امرأة فرعون، وخديجـة بنت خويلد، وفاطمـة بنت محمّـد صلي الله عليه وآله وسلم [26] .

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إنّ الله اصطفي علي نساء العالمين أربعة: آسـية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجـة بنت خويلـد، وفاطمـة بنت محمّـد صلي الله عليه وآله وسلم [27] .

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجـة بنت خويلـد، وفاطمـة بنت محمّـد صلي الله عليه وآله وسلم [28] .


وروي الحارث بن أبي أُسامة في مسنده، عن عروة بن الزبير، مرسلاً [29] : خديجـة خير نساء عالَمها، ومريم خير نساء عالَمها، وفاطمـة خير نسـاء عالَمها.

وأخـرج البخاري [30] عن المسور بن مخرمة، أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها أغضبني.

قال المناوي: استدلّ به السهيلي علي أنّ من سبّها عليها السلام کفر، لاَنّه يغضبه صلي الله عليه وآله وسلم، وأنّها أفضل من الشيخين [31] .

وأخـرج الحاکم [32] عن أبي سعيد الخدري، أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: فاطمـة سيّدة نساء أهل الجنّة إلاّ مريم بنت عمران.

قال في «فيض القدير» [33] : فعُلِم أنّها أفضل من عائشة لکونها بضعة منه صلي الله عليه وآله وسلم، وخالف فيه بعضهم.

قال السبکي: الذي نختاره وندين الله به أنّ فاطمـة أفضل ثمّ خديجـة ثمّ عائشة، ولم يَخْفَ عنّا الخلاف في ذلک، ولکن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.

قال المناوي [34] : قال الشيخ شهاب الدين بن حجر الهيتمي: ولوضوح


ما قاله السبکي تبعه عليه المحقّقون، وممّن تبعه عليه الحافظ أبو الفضل بن حجر، فقال في موضع: هي مقدَّمة علي غيرها مِن نساء عصرها، ومَن بعدهنّ مطلقاً. انتهي.

وأخـرج ابن جرير الطبري [35] عن فاطمة عليها السلام، قالت: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنتِ سيّدة نساء أهل الجنّة إلاّ مريم البتول.

تـنـبـيـه:

إعلم أنّ (إلاّ) في الحديثين ليست للاسـتثناء، بل هي عاطفة بمنزلة (الواو) في التشريک في اللفظ والمعني، کما في قوله تعالي: (لئلاّ يکون للناس عليکم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم) [36] وقوله تعالي: (لا يخاف لديّ المرسلون إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء) [37] .

أي: ولا الّذين ظلموا، ولا مَن ظلم، وهو مذهب الاَخفش والفرّاء وأبي عبيدة، کما حکاه ابن هشام في (المغني) [38] .

وهذه الاَحاديث صريحة في تفضيل الصدّيقة الطاهرة عليها السلام علي عائشة في الدنيا والآخرة، مع أنّک تري أنّه لم يجرِ لاَُمّ المؤمنين ذِکرٌ في شيء من هذه الاَحاديث، فضلاً عن تفضيلها.

بل الحقّ الذي ندين الله به أنّ البضعة الشريفة أفضل النساء علي


الاِطلاق، حتّي أُمّها رضي الله عنها، وعليه انعقد إجماع أهل الحقّ قاطبةً.

وقد ذکر الحافظ العسقلاني في «فتح الباري» [39] أنّ حديث ابن عبّاس رضي الله عنه: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «أفضل نساء أهل الجنّة خديجـة بنت خويلد وفاطمـة بنت محمّـد ومريم بنت عمران وآسـية امرأة فرعون» يقتضي أفضليّة خديجـة علي غيرها.

وکذا ما أخرجه البخاري عن عليٍ عليه السلام قال: سمعت النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة».

وقال الشهاب القسطلاني في «إرشاد الساري» [40] : روي النسائي من حديث داود بن أبي الفرات، عن عليّ بن أحمد السکّري، عن عکرمة، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، قال: أفضل نساء أهل الجنّة خديجـة بنت خويلـد وفاطمـة بنت محمّـد صلي الله عليه وآله وسلم.

قال: وداود بن أبي الفرات وعليّ بن أحمد ثقتان، فالحديث صحيح، وهو صريح في أنّ فاطمـة وأُمّها أفضل نساء أهل الجنّة. انتهي.

قلـت:

وقد مرّ في الاَحاديث مايدلّ علي تفضيل فاطمة عليها السلام علي أُمّها، وکذا ما رواه البخاري في صحيحه [41] : «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة»، فانحصرت الاَفضلية المطلقة علي النساء بفاطمة الزهراء عليها آلاف التحيّة والثناء.


وأمّا ما روي عن ابن عبّاس مرفوعاً: سيّدة نساء العالمين ـ وفي رواية: سيّدة نساء أهل الجنّة ـ مريم ثمّ فاطمة ثمّ خديجة ثمّ آسية [42] ، فقد قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) [43] : إنّ هذا الحديث ليس بثابت، وأصله عند أبي داود والحاکم بغير صيغة ترتيب. انتهي.

وکذا ما روي عنه مرفوعاً: سيّدة نساء أهل الجنّة بعد مريم بنت عمران؛ فاطمة بنت محمّـد وخديجـة وآسية امرأة فرعون [44] .

فإنّ الاَدلّة الاَُخري التي هي أکثر عدداً وأصحّ سنداً وأصرح دلالةً من هذا الحديث ونحوه توجب الاِعراض عمّا يُستشعـر منـه تـفضيـل العذراء علي الزهراء عليهما السلام کما أفاده في «الکلمة الغرّاء» [45] .

هـذا، وقد صرّح جمع من الاَئمّة الاَعلام ومشايخ الاِسلام بتفضيل بضعة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم علي عائشة ومَن سواها، فلا بأس أن نسرد هنا طرفاً ممّا وقفنا عليه من کلامهم في ذلک، لينجلي لک الحقّ وضوحاً، ويزداد أهل الباطل فضوحاً.

قال الاِمام مالک بن أنس الاَصبحي ـ إمام دار الهجرة ـ: لا أُفضّل أحداً علي بضعة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [46] .

وقال العلقمي: فاطمة وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحب، لِما فيهما من البضعة الشريفة [47] .


وذکر علم الدين العراقي: أنّ فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الاَربعة بالاتّفاق [48] .

وقال ابن قيّم الجوزيّة: إنْ أُريد بالتفضيل کثرة الثواب عند الله فذلک أمر لا يطّلع عليه إلاّ هو، فإنّ عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإنْ أُريد کثرة العلم فعائشة لا محالة، وإنْ أُريد شرف الاَصل ففاطمة لا محالة، وهي فضيلة لا يشارکها فها غير أخواتها، وإنْ أُريد شرف السيادة فقد ثبت النصّ لفاطمـة وحدها [49] .

وقال ابن حجر: قد ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضليّـة خديجـة وفاطمـة علي غيرهما [50] .

قلـت:

وقد تقدّم آنفاً کلام له في تقديم فاطمـة عليها السلام علي غيرها من نساء عصرها ومَن بعدهنّ، فراجع ثمّة إن شئت.

وقال السيوطي ـ في جواب من سأله عن عائشة وفاطمـة أيّهما أفضل؟ ـ: فيه ثلاثة مذاهب، أصحّها أنّ فاطمـة رضي الله عنها أفضل [51] .

وقال ابن داود: فاطمة بضعة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فلا نعدل بها أحداً [52] .

وقد مرّ عليک قول الاِمام تقي الدين السبکي: الذي نختاره وندين الله به أنّ فاطمـة أفضل ثمّ خديجـة ثمّ عائشة، ولم يَخْفَ عنّا الخلاف في


ذلک، ولکن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.

وقال المناوي في «إتحاف السائل» [53] : أمّا نساء هذه الاَُمّة فلا ريب في تفضيلها عليهنّ مطلقاً، بل صرّح غير واحد أنّها وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحابة حتّي الخلفاء الاَربعة.

وقال الشيخ العلاّمة أبو الثناء شهاب الدين الآلوسي البغدادي: الذي أميل إليه أنّ فاطمة البتول أفضل النساء المتقدّمات والمتأخّرات، من حيث إنّها بضعة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، بل ومن حيثيّات أُخر أيضاً، إذ البضعية من روح الوجود وسيّد کلّ موجود، لا أراها تُقابَل بشيء.

(وأين الثريّا من يد المتناول)

قال: ومن هنا يُعلم تفضيلها علي عائشة؛ ثمّ قال ـ بعد کلام له في المسألة ـ: وبعد هذا کلّه، الذي يدور في خَلَدي أنّ أفضل النساء فاطمـة ثمّ أُمّها ثمّ عائشة، بل لو قال قائل: إنّ سائر بنات النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أفضل من عائشة لا أري عليه بأساً، وعندي بين مريم وفاطمـة توقّف، نظراً للاَفضلية المطلقة، وأمّا بالنظر إلي الحيثية فقد علمتَ ما أميل إليه. انتهي [54] .

قلـت:

ينبغي التوقّف في ذلک، فقد حکي المناوي في «فيض القدير» [55] عن السيوطي أنّه قال في حديث «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة»: فيه دلالة علي فضلها علي مريم سيّما إنْ قلنا بالاَصحّ من أنّها غير نبيّة.


وقد تُقَرَّر أفضليّـة الزهـراء علي العـذراء عليهما السلام بأنّ قوله صلي الله عليه وآله وسلم لفاطمة إنّها سيّدة نساء أهل الجنّة، أي من هذه الاَُمّة المحمّـديّة، وقد ثبتت أفضلية هذه الاَُمّة علي غيرها، فتکون فاطمـة ـ علي هذا ـ أفضل من مريم وآسية [56] ، والله تعالي أعلم.

وقال الآلوسي أيضاً في موضع من «روح المعاني» [57] : لا أقول بأنّ عائشة أفضل من بضعته صلي الله عليه وآله وسلم الکريمة فاطمة الزهراء رضي الله تعالي عنها، والوجه لا يخفي.

وقال في موضع آخر منه [58] : إنّ فاطمة من حيث البضعية لا يعدلها أحـد. انتهي.

وممّن صرّح بأفضليّتها علي نساء الدنيا حتّي مريم عليها السلام تقي الدين المقريزي وبدر الدين الزرکشي والشيخ العلاّمة أحمد بن زيني بن دحلان مفتي الشافعية بالحرمين الشريفين، وهو اختيار الحافظ السيوطي في کتابيه: «شرح النقاية» و «شرح جمع الجوامع» ـ کما في السيرة الدحلانية [59] ـ.

هذا کلّه مضافاً إلي ما حُکي من انعقاد الاِجماع علي أفضلية فاطمـة عليها الصلاة والسلام ـ کما حکاه الحافظ ابن حجر في (الفتح) [60] ـ.

وأمّا عائشة بنت أبي بکر، فلم يرد نصٌّ بتفضيلها علي بضعة الرسول فاطمة الزهراء البتول کما أشار إلي ذلک عليّ بن عثمان الاَوشي الحنفي في


«بدء الاَمالي» حيث قال:


ولـلـصـدّيـقـة الـرجـحـان فاعـلـم

علي الزهراء في بعض الخلال


قال القاري في «ضوء المعالي» [61] : اعلم أنّ المصنّف أراد أنّه لم يرد نصٌّ بتفضيل عائشة علي فاطمـة، وإنّما ورد رجحانها عليها من جهة کثرة الرواية والدراية. انتهي.

قلـت:

هـذا مع کونه اجتهاداً في مقابل النصّ الصحيح الصريح، فإنّه سيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالي.

نعـم، ذهب أبو حنيفة ـ صاحب المذهب ـ إلي القول بتفضيل عائشة حيث قال: عائشة أفضل نساء المؤمنين [62] .

لکن مرّ عن الاَکمل أنّه نقل عن أبي حنيفة أنّ أفضليّتها بعد خديجـة، وقد قرّرنا لک آنفاً أنّ فاطمـة الزهراء عليها السلام أفضل نساء العالمين علي الاِطلاق، حتّي أُمّها خديجة رضي الله تعالي عنها.

وقال محمّـد بن سليمان الحلبي في «نخبة اللآلي لشرح بدء الاَمالي»: إنّ عائشة أفضل نساء العالمين مطلقاً، وأحبّ النساء إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، وأعلمهنّ بالسُـنّة. انتهي.

واعلم أنّ عمدة ما عندهم في ذلک وجوه زائفة وحجج داحضة، ذکرها الشهاب الآلوسي الحنفي وأجاب عنها، وهي ثلاثة:

أوّلها: قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «خذوا ثلثي دينکم عن الحميراء» وفي لفظ:


«خذوا شطر دينکم عن الحميراء».

والجواب: أنّ حديث «خذوا شطر دينکم...» قال فيه الحافظ ابن حجر العسقلاني في تخريج ابن الحاجب: لا أعرف له إسناداً، ولا رأيته في شيء من کتب الحديث إلاّ في «النهاية» لابن الاَثير، ذکره في مادّة ح م ر، ولم يذکر من خرّجه.

وقال السخاوي: ورأيته أيضاً في کتاب «الفردوس» لکن بغير لفظه، وذکره من حديث أنس بغير إسناد أيضاً، ولفظه «خذوا ثلث دينکم من بيت الحميراء» وبيّض له صاحب «مسند الفردوس» فلم يخرّج له إسناداً، وذکر الحافظ عماد الدين بن کثير أنّه سأل الحافظَين المزّي والذهبي عنه فلم يعرفاه [63] انتهي.

وقال السيوطي: لم أقف عليه [64] .

وأمّا الحديث الآخر، فعلي تقدير ثبوته فإنّ قصاري ما فيه إثبات أنّها عالمة إلي حيث يؤخذ منها ثلثا الدِين، وهذا لا يدلّ علي نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته عليه الصلاة والسلام، ولعلمه صلي الله عليه وآله وسلم أنّها لا تبقي بعده زمناً معتدّاً به يمکن أخذ الدِين منها فيه، لم يقل فيها ذلک، ولو علم لربّما قال: خذو کلّ دينکم عن الزهراء، وعدم هذا القول في حقّ من دلّ العقل والنقل علي علمه لا يدلّ علي مفضوليّته، وإلاّ لکانت عائشة أفضل من أبيها، لاَنّه لم يُرْوَ عنه إلاّ قليل لقلّة لبثه وکثرة غائلته بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

علي أنّ قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «إنّي ترکت فيکم الثقلين، کتاب الله تعالي وعترتي، لا يفترقان حتّي يَرِدا علَيَّ الحوض» يقوم مقام ذلک الخبر وزيادة


ـ کما لا يخفي ـ کيف لا؟! وفاطمة رضي الله تعالي عنها سيّدة تلک العترة.

انتهي کلام الآلوسي.

وقد ظهر لک بهذا وجه النظر فيما تقدّم من کلام ابن القيّم، حيث قال: إنْ أُريد بالتفضيل کثرة العلم فعائشة لا محالة؛ مضافاً إلي تعقّب الحافظ ابن حجر له ـ کما سلف ـ فتنـبّه.

ثانيهـا: قوله صلي الله عليه وآله وسلم ـ في مـا أخرجـه الشـيخان وأحمـد، عن أنـس وأبي موسي، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، أنّه قال ـ: فضـل عائشة علي النسـاء کفضـل الثريد علي سائر الطعام.

تقريب الاستدلال: أنّ الثريد أفضل طعام العرب، وأنّه مرکّب من الخبز واللحم، فهو جامع بين الغذاء واللذّة وسهولة التناول وغير ذلک، فضرب صلي الله عليه وآله وسلم لعائشة المثل به ليُعلم أنّها أُعطيت حسن الخلق والخلق والحديث وحلاوة المنطق وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل، إلي غير ذلک.

وفيـه:

أوّلاً: أنّ هذا الحديث ظاهر الوضع، بيّن الاختلاق والحزازة، إذ لا يحسن نسبة هذا التشبيه الواهي إلي من أُوتي جوامع الکلم وکان أفصح من نطق بالضاد صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله.

وکيف لا يجزم بکذبه وبطلانه من عرف طريقة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في لطف کلامه وحسن بيانه وبديع تشبيهاته؟!

وأين هو من قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «فاطمة سيّدة نساء العالمين»؟! ـ کما قال


العلاّمة ابن المظفّر رحمه الله في «دلائل الصدق» [65] .

وثانياً: أنّه علي تقدير تسـليمه لا يسـتلزم ثبوت الاَفضلية المطلقـة ـ کما صرّح به شيخ الاِسلام الحافظ ابن حجر في موضعين من «شرح البخاري [66] .

وثالثاً: أنّ أفضليّتها ـ علي تقدير تسليمها ـ مقيّدة بنساء النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم حتّي لا يدخل فيها مثل فاطمة عليها الصلاة والسلام، جمعاً بين هذا الحديث وحديث: «أفضل نساء أهل الجنّة خديجـة وفاطمـة» ـ کما أشار إليه ابن حبّان [67] ـ وقد قضينا الوَطَر فيما سلف من الکلام علي ذلک.

وقال المناوي في شرح هذا الحديث في «فيض القدير» [68] : (علي النساء) أي علي نساء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الّذين [69] في زمانها، ومن أطلق نساءَه ورد عليه خديجـة، وهي رضي الله عنها أفضل من عائشة علي الصواب، لتصريح المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم بأنّه لم يُرزق خيراً من خديجـة، ولخبر ابن أبي شيبة: «فاطمـة سيّدة نساء أهل الجنّة بعد مريم وآسية وخديجـة» فإذا فضلت فاطمـةَ فعائشة أَوْلي، ومن قَيّد بنساء زمنها ورد عليه فاطمـة، وفي شأنها قال أبوها ما سمعت.

قال: وقد قال جمع من السلف والخلف لا نعدل ببضعة المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم أحداً، قال البعض: وبه يُعلم أنّ بقيّة أولاده کفاطمـة رضي الله عنها. انتهي.


ثمّ رأيت أنّ ابن أبي الحديد المعتزلي قد ذکر في «شرح نهج البلاغة» [70] : أنّ أصحابه يحملون لفظة (النساء) في هذا الخبر علي زوجاته صلي الله عليه وآله وسلم، لاَنّ فاطمة عليها السلام عندهم أفضل منها ـ يعني عائشة ـ لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «إنّها سيّدة نساء العالمين».

ورابعاً: أنّ هذا الحديث معارَض بما يدلّ علي أفضلية غير عائشة عليها، فقد أخرج ابن جرير، عن عمّار بن سعد، أنّه قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «فضلت خديجـة علي نساء أُمّتي کما فضلت مريم علي نساء العالمين» بل هذا الحديث أظهر في الاَفضلية وأکمل في المدح عند من انجاب عن عين بصيرته عين التعصّب والتعسّف ـ کما قال الآلوسي [71] ـ.

وقال أيضاً: أشکل ما في هذا الباب حديث الثريد، ولعلّ کثرة الاَخبار الناطقة بخلافه تهوّن تأويله، وتأويل واحد لِکثير أهون من تأويل کثيرٍ لواحد، والله تعالي هو الهادي إلي سواء السبيل.

ثالثها: أنّ عائشة يوم القيامة في الجنّة مع زوجها صلي الله عليه وآله وسلم [72] وفاطمـة عليها السلام يومئذٍ مع زوجها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، وفرق عظيم بين مقام النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ومقام ابن عمّه عليه السلام، وهو قول أبي محمّـد ابن حزم، وفساده ظاهر ـ کما قال ابن حجر [73] ـ وقال الشيخ تقي الدين السبکي: هو قول ساقط مردود.

وأنت تعلم أنّ هذا الدليل يستدعي أن تکون سائر زوجات


النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أفضل من الاَنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، لاَنّ مقامهم ـ بلا ريب ـ ليس کمقام صاحب المقام المحمود صلي الله عليه وآله وسلم، فلو کانت الشرکة في المنزل مستدعية للاَفضلية لزم ذلک قطعاً، ولا قائل به ـ کما أفاده الشهاب الآلوسي [74] ـ.

علي أنّ ذلک معارَض بما أخرجه الاِمام أحمد [75] عن عبد الرحمن الاَزرق، عن عليٍ عليه السلام، قال: دخل علَيَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأنا نائم علي المنامة، فاستسقي الحسن أو الحسين، قال: فقام النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إلي شاة لنا بکيء فحلبها فدرّت، فجاءه الحسن فنحّاه النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، فقالت فاطمة: يا رسول الله، کأنّ أخاه أحبّهما إليک، قال: لا، ولکنّه استسقي قبله، ثمّ قال: إنّي وإيّاکِ وهذين وهذا الراقد في مکان واحد يوم القيامة.

هـذا، وإنّ من تصفّح أحوال عائشة وتتبّع سيرتها أذعن بأنّها لا ينبغي أن تکون طرف تفضيل، فضلاً عن الخوض في تفاضلها مع الحوراء الاِنسـيّة، التي جوهرتها من شجرة قدسيّة [76] .

وهل يکون الفضل جزافاً؟! وقد خالفت أمر الله في کتابه بقرارها في بيتها، وخرجت علي إمام زمانها الذي جعل صلي الله عليه وآله وسلم حربه حربه [77] ،


وجاهرت بعداوته وقد قال فيه النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: عادي الله من عادي عليّـاً [78] واستمرّت علي بغضه، وقد جعل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بغضه أمارة النفاق، حيث قال: «لا يحبّ عليّـاً منافق، ولا يبغضه مؤمن» [79] .

وکيف تکون أفضل النساء؟! وقد ضرب الله سبحانه مثلها ومثل صاحبتها في کتابه المجيد بقوله تعالي: (ضرب الله مثلاً للّذين کفروا امرأة نوح وامرأة لوط کانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) [80] .

فتدبّروا يا أُولي الاَلباب في أحاديث السُـنّة وآيات الکتاب، واعرفوا الحقّ لاَهله، کي تکونوا من أهله إن شاء الله.

(سبحان ربّک ربّ العزة عمّا يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله ربّ العالمين).


پاورقي

[1] الدرّ النضيد من مجموعة الحفيد: 55.

[2] فتح الباري 7/136.

[3] سنن ابن ماجة 1/38 ح 101، سنن الترمذي 5/707 ح 3890.

[4] تهذيب التهذيب 2/26.

[5] سنن ابن ماجة 1/38 ح 101، سنن الترمذي 5/707 ح 3890.

[6] صحيح البخاري 5/209 ـ 210 ـ کتاب فضائل الصحابة ـ باب قول النبيّ 6: لو کنت متّخذاً خليلاً، کتاب المغازي ـ باب غزوة ذات السلاسل، صحيح مسلم 4/1856 ح 2384 ـ کتاب الفضائل ـ باب (من فضائل أبي بکر)، سنن الترمذي 5/706 ح 3885.

[7] تهذيب التهذيب 2/74.

[8] فيض القدير 1/168، إتحاف السائل: 27.

[9] أي: مِن أحبّ النساء إليَّ عائشة، وهذا لا يمنع أن تکون فاطمـة عليها السلام علي رأسهنّ محبّةً.

[10] سنن الترمذي 5/698 ح 3868، المستدرک علي الصحيحين 3/155، وقال الحاکم: هذا حديث صحيح الاِسناد، ورواه النسائي أيضاً في الخصائص: 29، وابن عبـد البرّ في الاستيعاب 4/378.

[11] أخرجه الترمذي في سننه 5/701 ح 3874، والحاکم في المستدرک 3/154 و 155 و 157، والنسائي في الخصائص: 29، وغيرهم.

وانظر: فضائل الخمسة 2/206 ـ 209.

[12] مرقاة المفاتيح 5/602.

[13] الاِصابة في تمييز الصحابة 4/378.

[14] الکلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء عليها السلام ـ المطبوع مع «الفصول المهمّة» ـ: 200.

[15] الکلمة الغرّاء: 201.

[16] أخرجه أحمد والطبراني والحاکم وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس رضي الله عنه، وأخرجه عنه أيضاً ابن المنذر وابن مردويه والمقريزي والبغوي والثعلبي في تفاسيرهم والسيوطي في «الدرّ المنثور» وأبو نعيم في «حلية الاَولياء» والحمويني في «فرائد السمطين» وغيرهم من المحدّثين والمفسّرين، وراجع «الرسالة المکّـيّة» للسيّد کاظم الرشتي، فقد بسط فيها الکلام علي الآية الشريفة.

[17] صحيح البخاري 8/79 ـ کتاب الاستئذان ـ باب من ناجي بين يدي الناس، و 4/247 ـ 248 ـ کتاب بدء الخلق ـ باب علامات النبوّة، صحيح مسلم 4/1904 ـ 1905 ح 98 ـ کتاب فضائل الصحابة ـ باب فضائل فاطمـة عليها السلام.

وراجع: مسند أحمد 6/282، وطبقات الصحابة 2/40، وأُسد الغابة ـ بترجمة فاطمـة عليها السلام، والخصائص ـ للنسائي ـ: 34، ومسند أبي داود الطيالسي ج 6 في أحاديث النساء، وحلية الاَولياء 2/29، ومشکل الآثار 1/48 و 49، وفضائل الخمسة 3/169 ـ 171.

[18] المستدرک علي الصحيحين 3/156، الاِصابة 4/378.

[19] الجامع الصحيح 5/660 ـ 661 ح 3781 باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام، وراجع: المستدرک 33/151، ومسند أحمد 5/391، وحلية الاَولياء 4/190، وکنز العمّال 6/217، وقال المتّقي: أخرجه الروياني وابن حبّان في صحيحه عن حذيفة، وفي ص 218 قال: أخرجه ابن عساکر عن حذيفة، و ج 7/102 قال: أخرجه ابن جرير عن حذيفة، وفي ص 111 قال: أخرجه ابن أبي شيبة، وروي نحوه عن عليٍ عليه السلام وقال: أخرجه البزّار، وکذا أخرج نحوه النسائي في الخصائص: ص 34 عن أبي هريرة، والمتّقي في الکنز 6/221 قال: أخرجه الطبراني وابن النجّار عن أبي هريرة.

[20] حلية الاَولياء 2/42، مشکل الآثار 1/50، ذخائر العقبي: 43 وقال المحبّ الطبري: خرّجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي، الاستيعاب 4/376.

[21] حلية الاَولياء 2/42.

[22] المستدرک علي الصحيحين 3/185 وقال: صحيح علي شرطهما، وأقرّه الذهبي، ورمز السيوطي في «الجامع الصغير» لصحّـته.

[23] کما في کنز العمّال 7/111.

[24] مسند أحمد 1/293 و 316 و 322، المستدرک علي الصحيحين 2/497، الاستيعاب 4/285 و 376، الاِصابة 4/378، وراجع: فضائل الخمسة 3/ 174 ـ 175.

[25] المسند 3/135، سنن الترمذي 5/703 ح 3878 ـ باب فضل خديجة رضي الله عنها، المستدرک علي الصحيحين 3/57 بطريقين قال في ثانيهما: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، الاستيعاب 4/285 و 377، الاِصابة 4/378 عن جابر، فضائل الخمسة 3/176 ـ 177.

[26] جامع البيان ـ تفسير ابن جرير الطبري ـ 3/180، وقال الحافظ في الفتح: أخرجه الطبراني وأخرجه الثعلبي في تفسيره.

[27] الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2/23.

[28] الاستيعاب 4/284 و 377، ورواه في صحيفة 285 عن أنس، الاِصابة 4/378، ورواه أحمد، والطبراني في الکبير، ورمز السيوطي لصحّته في «الجامع الصغير».

[29] فيض القدير 3/432، قال المناوي: قالوا: وهو مرسَل صحيح.

[30] صحيح البخاري 5/26 ـ کتاب فضائل الصحابة ـ باب مناقب فاطمـة عليها السلام. وراجع: فضائل الخمسة 3/184 ـ 188.

[31] فيض القدير 4/421، فتح الباري 7/132.

[32] المستدرک علي الصحيحين 3/154.

[33] فيض القدير 4/421 ـ 422، وقال في إتحاف السائل: 85: فعُلِم أنّها أفضل من أُمّها خديجـة، وما وقع في الاَخبار ممّا يوهم أفضليّتها فإنّما هو من حيث الاَُمومة فقط، وعلي عائشة علي الصحيح، بل الصواب.

[34] إتحاف السائل: 85 ـ 86.

[35] جامع البيان في تفسير القرآن 3/181.

[36] سورة البقرة 2: 150.

[37] سورة النمل 27: 10 و 11.

[38] مغني اللبيب عن کتب الاَعاريب 1/101 ـ الباب الاَوّل ـ مبحث (إلاّ) بالکسر والتشـديد.

[39] فتح الباري 6/515.

[40] إرشاد الساري 6/141.

[41] صحيح البخاري 5/25 ـ کتاب فضائل الصحابة ـ باب مناقب فاطمة عليها السلام، إرشاد الساري 6/141.

[42] الاستيعاب 4/285 و 376.

[43] فتح الباري 7/168.

[44] الاستيعاب 4/286.

[45] الکلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء عليها السلام: 241.

[46] مرقاة المفاتيح 5/592.

[47] فيض القدير 2/53.

[48] فيض القدير 4/422.

[49] فتح الباري 7/136، فيض القدير 4/297.

[50] فتح الباري 6/515.

[51] الحاوي للفتاوي 2/99.

[52] مرقاة المفاتيح 5/348، شرح الفقه الاَکبر: 219.

[53] إتحاف السائل: 87.

[54] روح المعاني 3/155.

[55] فيض القدير 1/105.

[56] إرشاد الساري 6/141، السيرة النبوية ـ لابن دحلان ـ 1/222.

[57] روح المعاني 18/132.

[58] روح المعاني 28/165.

[59] السيرة النبوية 1/222.

[60] فتح الباري 7/136.

[61] ضوء المعالي ـ شرح بدء الاَمالي ـ: 26.

[62] الفقه الاَکبر ـ المطبوع مع شرح القاري ـ: 200.

[63] المقاصد الحسنة: 321 ح 432.

[64] مرقاة المفاتيح 5/616.

[65] دلائل الصدق 2/368.

[66] فتح الباري 6/515 و 7/135.

[67] فتح الباري 7/135.

[68] فيض القدير 2/461.

[69] کذا، والصواب لغةً: اللاتي أو اللائي.

[70] شرح نهج البلاغة 14/23.

[71] روح المعاني 3/156.

[72] کما أخرج ابن سعد عن مسلم البطين مرسلاً: عائشة زوجتي في الجنّة؛ ورمز السيوطي في «الجامع الصغير» لضعفه.

[73] فتح الباري 7/173.

[74] روح المعاني 3/156.

[75] مسند أحمد 1/101.

[76] راجع في ذلک: الدرّ المنثور 4/153، المستدرک علي الصحيحين 3/156، ذخائر العقبي: 36 و 44، تاريخ بغداد 5/87، فضائل الخمسة من الصحاح الستّة 3/152 و 154.

[77] عن زيد بن أرقم أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال لعليٍ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم؛ رواه الترمذي. ورواه ابن ماجة في سننه بلفظ: أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم.

[78] أُسد الغابة 2/194، الاِصابة 1/501، کنز العمّال 6/152، کنوز الحقائق ـ للمنّاوي ـ: 88، الجامع الصغير ـ للسيوطي ـ، وروي الحاکم في المستدرک 3/127 بسنده عن ابن عبّاس قال: نظر النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم إلي عليٍ عليه السلام فقال: يا عليّ، أنت سيّد في الدنيا وسيّد فيالآخرة، حبيبک حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوّک عدوّي، وعدوّي عدوّ الله، والويل لمن أبغضک بعدي. قال الحاکم: صحيح علي شرط الشيخين.

وراجع: فضائل الخمسة من الصحاح الستّة 2/223.

[79] أخرجه الترمذي عن أُمّ سلمة رضي الله تعالي عنها 5/635 ح 3717، وأخرج مسلم في صحيحه 1/86 ح 131 عن عليٍ عليه السلام، قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبيّ الاَُمّي إليَّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق.

وراجع في ذلک: فضائل الخمسة 2/230 ـ 234.

[80] دلائل الصدق 2/368 بتصرّف يسير.