بازگشت

الشهادة والالم


بعد وفاة رسول الله کانت تعيش مع زوجها الإمام أمير المؤمنين في أعلي مراتب الجهاد من أجل الحفاظ علي الدين الإسلامي والدعوة الإلهية التي أسسها وأرسي دعائمها خاتم الرسل وسيد البشر، بعد أن أصبحت مسؤوليتهما اکبر وأخطر بعد رسول الله..

فلم تنظر إلي الموقف کحدث عابر، بل انها کانت تقف بوجه الاستبداد والديکتاتورية، وکانت تعتبر موقف القوم خطوة أو بداية للتراجع إلي الوراء، وتعدّه طمساً للحضارة الإسلامية المتنامية، فکان وقوفها هذا هو بداية الجهاد والاستشهاد، والذي استمر حتي مع أبنائها وذريتها، فکان جهاد الإمام الحسين سيد الشهداء في کربلاء واستشهاده، امتداد للوقفة الفاطمية الخالدة بوجه الانحراف عن الإسلام.

وأثرت هذه المواقف البطولية علي صحتها کثيراً، حتي اصيبت الزهراء بجروح عديدة بعد مداهمة الأعداء لبيتها وما تبع ذلک من کسر ضلعها واسقاط جنينها محسن الشهيد.. فکان ذلک سبباً في استشهادها وهي في الثامنة عشر من العمر. وقد جاء في الروايات:

«مرضت فاطمة الزهراء مرضاً شديداً ومکثت أربعين ليلة في مرضها إلي أن توفيت صلوات الله عليها، فلمّا نعيت إليها نفسها دعت أم أمين وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي وأحضرته، فقالت: يا بن عمِّ انه قد نعيت إلي نفسي، وإنني لا أري ما بي إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيک بأشياء في قلبي…» [1] .

وبعد أن سمع الإمام أمير المؤمنين وصاياها ومنها أن يتزوج بـ (امامة) من بعدها، وان يتخذ لها نعشاً، وان لا يُشهِد جنازتها من ظلمها وسلب حقها، وان تدفن ليلاً وسراً… قال لها ـ کما في رواية ـ: «من أين لک يا بنت رسول الله هذا الخبر، والوحي قد انقطع عنا؟

فقالت: يا أبا الحسن رقدت ساعة فرأيت حبيبي رسول الله في قصر من الدر الأبيض فلما رآني قال: هلمي إلي يا بنية فإني إليک مشتاق.

فقلت: والله إني لأشد شوقاً منک إلي لقائک.

فقال: أنت الليلة عندي وهو الصادق لما وعد والموفي لما عاهد» [2] .

وقد توفيت الزهراء مظلومة شهيدة ليلة الأحد لثلاث خلون من شهر جمادي الثانية من العام الحادي عشر من الهجرة، ولها من العمر ثماني عشرة سنة وسبعة اشهر، أي بعد وفاة والدها بثلاثة أشهر..

هکذا جاء في بعض الروايات.. وفي بعضها الآخر: انها توفيت في 13 جمادي الأولي وهناک روايات أخري.

وبالرغم من أنها فارقت الحياة في عمر قصير، ولکنها باقية إلي ماشاء الله مدرسة للاجيال، ومشعل نور يکشف عن الزيف والاستبداد، ويقارع الطغاة الظالمين، ويقف بوجه کل من يريد طمس معالم هذا الدين الحنيف.

فالأمة تستلهم الدروس والعبر من مواقفها وبطولاتها کما تستلهم الدروس والعبر من مواقف أبنائها المعصومين ببطولاتهم وحملهم هموم الإسلام، حيث مثلوه خير تمثيل..

وما تزال البشرية متطلعة إلي ظهور صاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) لإنقاذها من براثن المتسلطين والمستبدين ولمحو الظلم والعدوان، ولينشر العدل والإسلام في جميع أرجاء العالم، ويحقق الغاية والهدف الذي خلق من أجله النبي والإمام أمير المؤمنين بنشر العدل والأمن والهدي في ربوع المعمورة.

وبما سبق يظهر بعض دلالة قول الله عزوجل في الحديث القدسي: (يا أحمد لولاک لما خلقت الأفلاک، ولولا علي لما خلقتک، ولولا فاطمة لما خلقتکما)..

فلولا فاطمة لما وجد الحجة وسائر الحجج المعصومين (عليهم الصلاة والسلام).. ولولاهم لما کان عدل ولا أمن ولا دين، فصلي الله عليک يا سيدتي يا فاطمة الزهراء وعلي أبيک وبعلک وأولادک الغر البررة.

«السلام عليک يا سيدة نساء العالمين، السلام عليک يا والدة الحجج علي الناس أجمعين، السلام عليک أيتها المظلومة، الممنوعة حقّها.

اللهم صل علي أمتک وابنة نبيک، وزوجة وصي نبيک، صلاة تزلفها فوق زلفي عبادک المکرمين من أهل السماوات وأهل الأرضين» [3] .

وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الکتيب، نسأل الله سبحانه القبول انه سميع الدعاء.

سبحان ربک رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي


پاورقي

[1] بحار الأنوار: ج43 ص191 ب7 ح20 ط بيروت.

[2] بحار الأنوار: ج43 ص179 ب7 ح15 ط بيروت.

[3] مفاتيح الجنان: زيارة الزهراء (عليها السلام).