بازگشت

تعليلات و توجيهات لا تصح


الدليل الضعيف ماذا يعني؟!:

ينظر إلي الدليل الضعيف من زاويتين:

إحداهما: من حيث منشأ الضعف، حيث يکون سبب ذلک ـ أحياناً ـ قصوراً أو تقصيراً من المستدل، إذا کان قليل البضاعة في العلم، أو يعاني من محدودية أو قصورٍ في الفهم، أو من قلة التتبع، فيما يطلب فيه التتبع والاستقصاء، وما إلي ذلک.

وقد يکون الضعف ناشئاً عن سوء نية، وخبث طوية، إذا کان يريد أن يشنع علي خصومه، وأن يظهرهم بصفة من يتشبث بالطحلب، وبما هو أوهي من خيط العنکبوت، فينحلهم أدلة واهية وزائفة کيداً منه لهم، وبغياً منه عليهم.

وقد يکون هدفه من هذا الاستدلال أو التعليل الذي ينحلهم إياه أن يُلزمَهم بما لا يلتزمون به، ولا يقبلونه، ولا ينسجم مع أصول تفکيرهم واعتقاداتهم.

الثانية: من حيث الأثر، إذا کان الاستدلال الضعيف والسخيف، سبباً


في أن يفقد الإنسان الغافل ثقته بعلمائه وبما لديه من رصيد علمي، فيترکه جانباً ليبدأ البحث عن البديل. ويقع في التيه، فيأتي المترصدون له، بصورة المنقذ والمخلص، فيدخلونه في ظلماتهم، ويغرقونه في بحور ترهاتهم وجهالاتهم، ويرهقونه بأضاليلهم وأقاويلهم. ومن أين له الخلاص والمناص؟ وکيف؟ وأني؟.

من أجل ذلک، کان اللازم التصدي لکشف الحق، وفضح الباطل، ليحق الله الحق بکلماته.

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [1] .

نماذج للاستدلالات الواهية:

ونذکر هنا نماذج لبعض الاستدلالات والتعليلات الضعيفة، التي لم يلتفت إليها، ولا اهتم بها علماؤنا الأبرار؛ لأنهم أدرکوا ما ترمي إليه، فنقول:

الأول: القرابة:

لقد علل البعض دخول علي وفاطمة والحسنين (صلوات الله عليهم) في «أهل البيت» بکونهم قرابته (صلي الله عليه وآله)، وأهل بيته في النسب. ثم


جعل الروايات المتقدمة، المصرحة بکونهم (عليهم السلام) هم «أهل البيت»، وهم سبب نزول آية التطهير، مؤيدة لذلک [2] .

ونقول:

1 ـ لو کانت القرابة النسبية هي السبب، فقد کان يجب أن يُدخل النبي (صلي الله عليه وآله) عمه العباس فيهم؛ لأن العم أقرب من ابن العم الذي هو علي (عليه السلام) کما أن عقيلاً وأبناء العباس، وجعفراً ـ هم وعلي (عليه السلام) في رتبة واحدة من حيث قرابتهم لرسول الله، فلماذا أدخله (عليه السلام) دونهم؟!

2 ـ لو کانت القرابة النسبية هي المعيار؛ فهل يمکن اعتبار الفسقة والمشرکين، ممن ينتسب إلي هاشم؟! ومن تأخر إسلامه إلي عام الفتح مثل عتبة ومعتب ابني أبي لهب لعنه الله تعالي ـ هل يمکن اعتبارهم من «أهل البيت» أيضاً؟!

الثاني: العشرة:

قد علل البعض دخول علي (عليه السلام) في أهل الکساء بمعاشرته لفاطمة بنت النبي (صلي الله عليه وآله)، ثم ملازمته ومعاشرته له (صلي الله عليه وآله) [3] .


ونقول:

1 ـ لا ندري متي أصبحت المعاشرة بمجردها سبباً لاستحقاق هذا الوسام العظيم، الذي هو أسمي الأماني، وغاية الطموحات؟ وما هو الدليل الذي دل علي ذلک؟

2 ـ لقد نصت الروايات التي ذکرناها في فصل سابق علي خروج زوجات النبي (صلي الله عليه وآله)، مع أن عشرتهن له (صلي الله عليه وآله)، وکونهن دائمات الحضور في بيته مما لا يرتاب فيه أحد.

أضف إلي ما تقدم: أن هناک من کان يخدم في بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وله حضور فيه، فلماذا لا يدخلونهم أيضاً؟

کما أن طول المعاشرة لم يفد ابن نوح (عليه السلام) فقد جاء في القرآن: (وَنَادَي نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْکَمُ الْحَاکِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) [4] .

والحقيقة هي: أن الهدف من طرح أمثال هذه الدعاوي: القرابة، والعشرة، وما إلي ذلک، هو صرف النظر عن حقيقة امتياز هؤلاء الصفوة عن کل من عداهم، في الفضائل وخصال الخير، وکل ما هو جميل ونبيل.


الثالث: إطلاقات کلمة «أهل البيت»:

قال الهيثمي: «إن له إطلاقين، إطلاقاً بالمعني الأعم، وهو ما يشمل جميع الآل تارة، والزوجات أخري. ومن صدق في محبته وولائه أخري.

وإطلاقاً بالمعني الأخص، وهم من ذکروا في خبر مسلم» [5] .

والمقصود بمن ذکروا في خبر مسلم: أصحاب الکساء (عليهم السلام).

ونقول:

إن ذلک موضع تأمل؛ وذلک لما يلي:

1 ـ إن إطلاق عبارة: «أهل البيت» علي الزوجات لم يعلم صحته إلا بضرب من التجوز والمسامحة. وقد ذکرنا في ما سبق إنکار زيد بن أرقم أيضاً لذلک.

2 ـ إن وجود إطلاقات عديدة للفظ ما، في الموارد المختلفة لا يهمنا، کما لا يهمنا صحة إطلاق کلمة «أهل البيت» علي الزوجات أو عدم صحته، وإنما المهم هو تحديد المراد من هذه العبارة في خصوص هذه الآية.

وقد قلنا: إن الرسول الأکرم (صلي الله عليه وآله) الذي هو الأعرف بمرامي القرآن ومعانيه قد حدد لنا ذلک، وذلک بتوقيف من الله سبحانه. فأوضح أن


المراد هو خصوص أهل الکساء (عليهم السلام) وصرح بخروج کل من عداهم، وخصوصاً الزوجات. وقرر (صلي الله عليه وآله) أنهن من أهله، لا من أهل بيته مع أن کونهن من أهله إنما هو نسبة مجازية أيضاً.

3 ـ إن ما تقدم، من سؤال أم سلمة وغيرها إن کانت من «أهل البيت»، يدل علي عدم صحة إطلاق هذه الکلمة علي الزوجات، وإلا فما معني سؤالها عن ذلک مع کونها من أهل اللسان؟!.

وقد روي واثلة قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: أول من يلحقني من أهل بيتي أنت يا فاطمة، وأول من يلحقني من أزواجي زينب [6] .

فهذا التفصيل يدل علي وجود فرق بين التعبيرين، وذلک ظاهر.

4 ـ إن کلام البعض يدور حول أمر اعتبروه مفروغاً عنه، وهو أن المراد بالبيت في عبارة «أهل البيت» في الآية هو: بيت السکني المبني بالحجر والطين، وتکون الألف واللام للجنس، أو بيت النسب.

مع أن الأظهر ـ حسبما أوضحناه ـ هو أن المراد بـ «البيت» بيت النبوة والرسالة.. [7] .


ومن الواضح: بناءً علي الاحتمال الأقوي والأظهر، أن صيرورة إنسان ما جزءاً من بيت النبوة منوط بحصول کمال الأهلية والاستعداد لنيل هذا المقام السامي. وإلا.. فإن أبا لهب، لا يمکن أن يکون من بيت النبوة، وکذلک الحال بالنسبة لولديه عتبة ومعتب، الذين أسلما بعد نزول آية التطهير بزمان. ـ والله تعالي هو الذي يعرف أولئک الذين حصلوا علي الکمالات التي تؤهلهم لهذا المقام؛ فيخبر عنهم نبيه الأکرم (صلي الله عليه وآله)، ويعينهم (صلي الله عليه وآله) لنا ـ من خلال حديث الکساء، وغيره من النصوص الثابتة عنه (صلي الله عليه وآله).

الرابع: التوجيه غير الوجيه:

والملاحظة الأخري التي سجلها بعض الکتاب هنا هي: أن حديث أم سلمة، وأبي سعيد المتقدم في فصل النصوص يصطدم بحقيقة: کون آية التطهير ليست آية مستقلة، وإنما هي جزء من آية، فکيف يمکن أن يکون جزء الآية نازلاً في أمر ومناسبة وهو الحديث عن الزوجات، والجزء الثاني ليس ناظراً إلي ذلک الأمر، ولا يتعرض إلي تلک المناسبة؟! [8] .

ثم قال: «ومن الحق أن يقال: إن هذا الشمول «يعني لأهل الکساء»، أو الحصر، لا يکون مستقيماً إذا أريد الاستناد فيه إلي هذه الجملة القرآنية، وسياقها، وظروف نزولها.


وکل ما يسوغ قوله: أن الأحاديث المنسوبة إلي النبي (صلي الله عليه وآله) ـ إذا صحت ـ قد قصدت تعميم مدلول الجملة القرآنية لتشمل الأربعة المطهرين: علياً، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام)، بالإضافة إلي نساء النبي» [9] .

ونقول:

إن کلامه أيضاً لا يصح، وذلک لما يلي:

1 ـ إنه لاريب في وجود الجمل الاعتراضية في القرآن، ووجود الالتفات أيضاً فيه، مع کون هذا الاعتراض وهذا الالتفات إنما يهدفان لبيان شيء مرتبط بنفس الموضوع الذي تعالجه سائر فقرات الآية، أو الآيات السابقة واللاحقة. فمع هذا الوجه لا يبقي وقع لملاحظته بخصوص کون آية التطهير ليست آية برأسها، وإنما هي جزء من آية.

2 ـ قد ذکرنا: أن سياق الآيات إنما هو في أمر النبي (صلي الله عليه وآله) بأن يقول لزوجاته أن يفعلن هذا ويترکن ذاک بهدف بيان کرامة «أهل البيت» (عليهم السلام) وقد خاطب النبي (صلي الله عليه وآله) الزوجات بتلک الأوامر والزواجر امتثالاً لأمر الله تعالي.

أو أن الخطاب الإلهي کان موجهاً إلي النبي (صلي الله عليه وآله) أولاً، ثم التفت إلي الزوجات، وخاطبهن بما له مدخلية في هذا التعظيم والتکريم لمقام


النبوة الأقدس. ثم عاد ليتم الکلام فيما بدأه أولاً، الأمر الذي يعني ـ علي کلا التقديرين ـ أنه لا توجد أية مخالفة للسياق، حسبما تقدم توضيحه. ولا يلزم من حصر المقصود بـ «أهل البيت» في أصحاب الکساء أي محذور، لا من حيث مخالفة السياق، ولا من حيث ظروف نزول الآية.

3 ـ إن کلام هذا الرجل يوحي بوجود شک في صحة حديث الکساء. مع أنه قد تقدم: أنه وارد في الصحاح، وغيرها من أمهات الکتب، وهو من المتواترات، فإذا جاز أن يتطرق الشک إلي هذا الحديث، فأي حديث يمکن الاعتماد عليه بعد هذا يا تري؟.

وکيف يرضي منه أهل نحلته أن يشکک في أحاديث صحيح مسلم، والترمذي، وأحمد، وغير ذلک؟!.

4 ـ إن القرآن إن کان دالاً علي ما يريده (صلي الله عليه وآله) وبيّنه من عبارة: «أهل البيت» لم يکن معني لهذا التوجيه الذي جاء به هذا الرجل، وإن لم يکن دالاً، وقد أراد (صلي الله عليه وآله) أن يعمم مدلول الآية، فإن ذلک غير ممکن؛ لأن الدلالة أمر واقعي، لا يتحقق بمجرد إرادته ومحبته من قبل الناس.

إلا إن کان المراد: أنه (صلي الله عليه وآله) قد أراد توسعة الحکم القرآني، علي سبيل التنزيل والمجاز، فيعتبر أشخاصاً کعلي وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) ليسوا من «أهل البيت» حقيقة، بل إنهم منهم تنزيلاً ومجازاً.

فإن کان المراد هذا.. فقد تقدم: أن عکس ذلک هو الصحيح،


فإن کلمة «أهل البيت» لا تصدق علي الزوجات إلا بضرب من المجاز والتنزيل.

5 ـ إن الروايات المتقدمة في الفصل الثاني من القسم الأول قد ذکرت أنه (صلي الله عليه وآله) أراد نفي کون الزوجات من «أهل البيت»، فکان علي الکاتب أن يدّعي ـ نظراً إلي ذلک ـ أنه (صلي الله عليه وآله) قد أراد قلب المعاني القرآنية، وعطف دلالة الآيات عن وجهتها الأصلية. لاسيما وأن محط نظر هذا الکاتب حسب تصريحه هو خصوص أحاديث أم سلمة، وأبي سعيد الخدري، ومقتضي هذه الأحاديث هو ما ذکرناه، لا ما ذکره.

الخامس: النبي (صلي الله عليه وآله) دعا لهم بالتطهير:

قال ابن تيمية وغيره:

«إن مضمون هذا الحديث: أن النبي (صلي الله عليه [وآله] وسلم) دعا لهم بأن يذهب الله عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً» [10] .


وغاية ذلک: أن يکون دعا لهم بعد نزول الآية بأن يکونوا «من المتقين»، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم، فأحب (صلي الله عليه وآله) أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها الأزواج، فهي دعوة لهم خارج التنزيل [11] .


وعلي حد تعبير الدهلوي: «هو دليل صريح علي أن نزولها کان في حق الأزواج فقط. وقد أدخل النبي (صلي الله عليه [وآله] وسلم) هؤلاء الأربعة الکرام رضي الله عنهم بدعائه المبارک في تلک الکرامة. ولو کان نزولها في حقهم لما کانت الحاجة إلي دعائه. ولِمَ کان رسول الله (صلي الله عليه [وآله] وسلم) يفعل تحصيل الحاصل؟ ومن ثمة يجعل أم سلمة شريکة في هذا الدعاء، وعلم في حقها هذا الدعاء، تحصيل الحاصل» [12] .

وعلي حد تعبير الآلوسي: لو کانت الإرادة تکوينية فلا معني للدعاء [13] .

ونسجل هنا ما يلي:

1 ـ قوله: لو کانت الآية نازلة في أهل الکساء. لم تکن ثمة حاجة إلي دعائه (صلي الله عليه [وآله] وسلم) لهم، وکان ذلک تحصيل الحاصل.

لا يصح، فإن فائدة الدعاء هي استمرار هذا التطهير في المستقبل. وهذا کقول الأنبياء والأولياء والأصفياء: إهدنا الصراط المستقيم، فإن هدايتهم حاصلة بالفعل وهم يطلبون استمرارها وبقاءها، وزيادتها، وتأکيدها.


إذن فلا ضير في أن تکون الآية قد نزلت في أهل الکساء، الذين کانوا مطهرين عن کل رجس من أول أمرهم، وقد دعا النبي (صلي الله عليه وآله) لهم لتستمر هذه الطهارة في المستقبل أيضاً.

ويمکن أن تکون فائدة الدعاء هي زيادة مراتب ودرجات الخلوص والتطهير لهم وتعميق ذلک وترسيخه بصورة أتم وأقوي.

وقد تکون فائدة الدعاء مجموع الأمرين المتقدمين.

2 ـ قال العلامة المجلسي (رحمه الله): «إن الآية علي ما مر في بعض الروايات إنما نزلت بعد دعوة النبي لهم [14] ، وأن يعطيه ما وعده فيهم. وقد سأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم، لا أن يريد ذلک منهم. فلو کان المراد هذا النوع من الإرادة لکان نزول الآية في الحقيقة رداً لدعوته، لا إجابة لها، وبطلانه ظاهر» [15] .

3 ـ بالنسبة لقول الآلوسي: لو کانت الإرادة تکوينية لم يکن ثمة حاجة إلي الدعاء نقول:

أولاً: إن الإرادة تشريعية للزوجات، وهي تکشف عن حصول طهارة حقيقية بصورة قطعية وجازمة بالنسبة لـ«أهل البيت» حسبما تقدم بيانه.


ثانياً: لو کانت الإرادة تشريعية أيضاً، لم يکن ثمة حاجة إلي الدعاء، إذ لا معني لأن يقول (صلي الله عليه وآله): اللهم اجعل أهل بيتي مشمولين لأوامرک، ونواهيک، وأبعدهم عن آثار المخالفة إذا امتثلوا أوامرک ونواهيک..

فإن هذا لا يصدر ممن له أدني مِسْکة، فضلاً عن أن يصدر عن عقل الکل، وإمام الکل، ومدبر الکل.

4 ـ إن ابن تيمية الذي ذکر ما تقدم هو نفسه قد صحح حديث الکساء، وذکر أن مسلماً وأحمد قد روياه.

ونلاحظ هنا:

ألف: إن الذين ذکرهم ابن تيمية نفسه علي أنهم قد رووا حديث الکساء، قد ذکروا: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد قرأ الآية حين جمع أهل الکساء، لا أنه (صلي الله عليه وآله) دعا لهم بمضمونها. ومنهم من صرح بأن الآية قد نزلت في هذه المناسبة. وهو ما صرحت به عشرات المصادر الأخري أيضاً، فراجع.

ب: إن نفس ابن تيمية قد اختار النص الذي يصرح فيه بنزول الآية في هذه المناسبة [16] ولکنه حين يريد أن يعترض ويناقش؛ فإنه يسجل اعتراضه علي نص آخر تخيل أنه يفيده فيما يرمي إليه ـ انطلاقاً من نصبه وحقده وعدائه لعلي (عليه السلام)، وأهل بيته، وشيعته الأبرار ـ من صرف


أية فضيلة لهم (عليهم السلام) إلي أعدائهم وشانئيهم.

5 ـ حتي لو کان (صلي الله عليه وآله) قد دعا لهم بذلک، ولم تنزل آية التطهير أصلاً، فإن الله سبحانه قد قال: ادعوني أستجب لکم، وقد اعترفوا بأن الله تعالي لن يخيب نبيه، ويرد دعاءه بل دعاؤه (صلي الله عليه وآله) ـ حسب اعترافهم ـ مستجاب.

فإذا کان الله سبحانه قد استجاب لنبيه، فقد صح: أن أصحاب الکساء قد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. ويکون في اختيار الرسول (صلي الله عليه وآله) لهذا التعبير إشارة إلي ذلک کما هو ظاهر.

6 ـ قد اعترف الدهلوي نفسه بما قلناه، حيث ذکر بعد عبارته الآنفة الذکر، ما يلي:

«.. ولکن ذهب محققو أهل السنة إلي أن هذه الآية ـ وإن کانت واقعة في حق الأزواج المطهرات؛ فإنه بحکم: (العبرة لعموم اللفظ، لا بخصوص السبب) داخل في بشارتها هذه جميع «أهل البيت». وکان دعاؤه (صلي الله عليه وآله) في حق هؤلاء الأربعة نظراً إلي خصوص السبب» [17] .

ولکن الدهلوي لم يوضح لنا: أنه مع عموم اللفظ الذي يدعي ما هو السبب في منع رسول الله (صلي الله عليه وآله) الزوجات من الدخول معهم وفيهم!!


کما أنه لم يوضح لنا مقصوده، بالسبب وأي سبب دعا إلي نزول الآية سوي جمعه (صلي الله عليه وآله) لهؤلاء الأربعة أو دعائه لهم؟!

7 ـ وأما أن آية التطهير صريحة في إرادة النساء، لکن النبي (صلي الله عليه وآله) قد أحب أن يدخل أصحاب الکساء في ضمنها..

فقد تقدم: أن سياق الآيات ليس فقط لا يأبي عن إرادة أصحاب الکساء دون الزوجات، بل إن ذلک هو الأکثر انسجاماً وملاءمةً للسياق مما لو کانت الآية خطاباً للنساء، وقد شرحنا ذلک في القسم الأول من هذا الکتاب.

8 ـ أضف إلي ما تقدم أنه يرد هنا سؤال: لماذا أحب (صلي الله عليه وآله) أن يدخل خصوص هؤلاء الأشخاص في أهل «البيت» فإن کان ذلک لأجل قرابتهم النسبية، فقد کان ثمة من هو أقرب من بعضهم. ومن يضارعه في القرابة ـ کما قدمنا ـ ونحن نربأ بالنبي الأکرم (صلي الله عليه وآله) أن تکون حرکاته ومواقفه من منطلق العصبية إلي الرحم والنسب.

وإن کان ذلک لخصوصية في هؤلاء الذين أدخلهم تحت الکساء، فإن کانت هذه الخصوصية موجودة في النساء أيضاً، مثل «العِشْرَة» کما ادعوا؛ فقد تقدم: أنها لا توجب لهن هذا الوسام العظيم، ولا هذا التبجيل والتکريم فإن زوجة لوط وزوجة وابن نوح کانوا أقرب إلي نوح ولوط (عليهما السلام) في العِشْرَة من کل أحد. وإن کانت الخصوصية غير موجودة في نسائه (صلي الله عليه وآله)، کالعصمة وکونهم صفوة الخلق، فإن ذلک يقتضي خروج النساء عن مفاد الآية کما هو ظاهر.


توضيحات للهيثمي:

قال الهيثمي: «ابتدأت بإنما المفيدة لحصر إرادته تعالي في أمرهم علي إذهاب الرجس، الذي هو الإثم والشک فيما يجب الإيمان به عنهم وتطهيرهم من سائر الأخلاق والأحوال المذمومة» [18] .

وقال أيضاً: «وحکمة ختم الآية بـ «تطهيراً» المبالغة في وصولهم لأعلاه، وفي رفع التجوز عنه، ثم تنوينه تنوين التعظيم والتکثير، والإعجاب المفيد إلي أنه ليس من جنس ما يتعارف ويؤلف.

ثم أکد (صلي الله عليه وآله) ذلک کله بتکرير طلب ما في الآية له بقوله: «اللهم هؤلاء أهل بيتي إلي آخر ما مر. وبإدخاله نفسه معهم في العد؛ لتعود عليهم برکة اندراجهم في سلکه، بل في رواية: أنه اندرج معهم جبريل وميکائيل، إشارة إلي عليّ قدرهم. وأکده أيضاً بطلب الصلاة عليهم» [19] .

ثم ذکر طائفة من النصوص حول ذلک.

ونحن وإن کنا نوافقه علي ما قال، إلا أن لنا علي کلامه ملاحظة هي:

إن قوله «ثم أکد النبي (صلي الله عليه [وآله] وسلم) ذلک کله


بتکرير طلب ما في الآية لهم الخ..» يشير به إلي الروايات التي تقول: إن النبي (صلي الله عليه وآله) قد دعا الله أن يذهب الرجس عن أهل الکساء، ويطهرهم تطهيراً..

والسؤال هنا هو: لماذا لم يشر أيضاً إلي أن آية التطهير قد نزلت في هذه المناسبة إجابة لدعائه (صلي الله عليه وآله)، وتلبية لطلبه. کما نصت عليه الروايات الأکثر عدداً؟!.

ولماذا لم يشر أيضاً إلي الروايات التي تصرح بأنه (صلي الله عليه وآله) بقي أشهراً عديدة يأتي إلي باب فاطمة (عليها السلام) کل وقت صلاة، ويتلو آية التطهير. بل في بعض النصوص: أنه قد استمر علي ذلک إلي أن توفاه الله تعالي؟!.

لا ندري، ولعل الفطن الذکي يدري!!.



پاورقي

[1] سورة الأنبياء، آية18.

[2] راجع فتح القدير ج4 ص280.

[3] راجع: إسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار) ص108 عن القسطلاني علي البخاري، نقلاً عن الخطيب والرازي والتفسير الکبير ج25 ص209 وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج22 ص10.

[4] سورة هود الآيتان: 45 و46.

[5] الصواعق المحرقة ص277.

[6] مجمع البيان ج8 ص356 ومختصر التحفة الاثني عشرية ص151 عن عبد الله المشهدي.

[7] کنز العمال ج21 ص108 وج13 ص703 ط مؤسسة الرسالة عن ابن عساکر.

[8] راجع: التفسير الحديث ج8 ص263 وقد أوضحنا مراده علي النحو الذي تراه.

[9] المصدر السابق وراجع: نوادر الأصول ص266.

[10] قد وردت صيغة الدعاء في عددٍ من المصادر مثل: مختصر التحفة الاثني عشرية ص151 ومنهاج السنة ج3 ص4 والتبيان ج8 ص307 وجامع البيان ج22 ص7 و6 والدر المنثور ج5 ص198 عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والخطيب، والترمذي والحاکم، والبيهقي في سننه، وحياة الإمام الحسين (عليه السلام) لابن عساکر (بتحقيق المحمودي) ص62 ـ 68 وفتح القدير ج4 ص279 وتأويل الآيات الظاهرة ج2 ص457 ومجمع البيان ج8 ص356 و357 والبرهان (تفسير) ج3 ص320 والبحار ج35 ص320 ومسند أحمد ج6 ص304 و292 ونظم درر السمطين ص133 و238 و239 وحياة الإمام الحسن (عليه السلام) لابن عساکر (بتحقيق المحمودي) ص66 وکفاية الطالب ص372 والعمدة لابن بطريق ص33و39 وتفسير القمي ج2 ص193 والتفسير الحديث ج8 ص261 و263 والطرائف ص125 و127 و129 وشواهد التنزيل ج2 ص17 و20 و23 و62 ـ 69 و74 و75 و80 و83 و84 و90 وسليم بن قيس ص150 وترجمة الإمام علي لابن عساکر (بتحقيق المحمودي) ج1 ص184 والمناقب لابن المغازلي ص302 و303 والاستيعاب ج3 ص37 والمحاسن والمساوي ج1 ص481 وتهذيب التهذيب ج2 ص 297 والاتقان ج2 ص199 و200 وتاريخ بغداد ج10 ص278 وذکر أخبار أصبهان ج1 ص108 والمعجم الصغير ج1 ص65 وأسد الغابة ج3 ص413 وج4 ص29 والرياض النضرة ج3 ص152 وينابيع المودة ص107 و108 و230 و228 و229 ومشکل الآثار ج1 ص334 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص484 ومرقاة الوصول ص108 و105 و106 والبداية والنهاية ج8 ص35 وإحقاق الحق ج2 ص568 ومجمع البيان ج8 ص357. وغير ذلک.

[11] راجع منهاج السنة ج3 ص4 وراجع ج4 ص20 ونوادر الأصول ص266 ومرقاة الوصول ص105 والجامع لأحکام القرآن ج14 ص184.

[12] مختصر التحفة الاثني عشرية ص151.

[13] روح المعاني ج22 ص18.

[14] ويدل علي ذلک عدد من النصوص، فراجع آية التطهير في أحاديث الفريقين ج1 ص46 و48 و182 و228 و107 و112.

[15] البحار ج35 ص234.

[16] منهاج السنة ج3 ص4 وج4 ص20.

[17] منهاج السنة ج4 ص22.

[18] الصواعق المحرقة ص142 و143.

[19] الصواعق المحرقة ص143.