بازگشت

لماذا هذا الكتاب


ذهبت في يوم من الأيام إلي أحد أصدقائي لزيارته فأخذنا الحديث إلي حيث الشيعة والتشيع، فتجاذبنا أطراف الحديث حول هذا الموضوع...

وفي أثناء تداولنا للموضوع دخل علينا شاب في مقتبل العمر... ألقي علينا تحية الإسلام ثم جلس وبدأ يستمع ونحن نواصل الحوار، انتبهت إليه وقد بدت عليه علامات الحيرة، ثم تدخل في النقاش بقوله: - يبدو أن بعض الفرق الضالة أثرت عليک يا أخي! وأخذ يتفنن في المهنة التي يجيدها وأمثاله من توزيع أصناف الکفر والضلال والزندقة علي کل الطوائف الإسلامية عدا الوهابية، کنت منذ دخوله قد علمت أنه وهابي وذلک من ثوبه الذي کاد أن يصل إلي رکبتيه من القصر... قبل أن يتم کلامه ارتفع أذان المغرب توقفنا عن النقاش حتي نصلي ثم نعود بعد الصلاة.

بعد الصلاة بادرني قائلا: - من أي الفرق أنت؟! يبدو أنک من جماعة الشيعة!.

قلت: تهمة لا أنکرها وشرف لا أدعيه.

فما کان منه إلا أن أرعد وأزبد وثارت ثائرته.

قلت له - وقد تجمع بعض أقارب صديقي حولنا - إذا کان لديک إشکال تفضل بطرحه بأدب ولنجعله مناظرة مصغرة أو حوارا - وهو سلاحهم الذي يهددون به الآخرين اغترارا منهم بقوة مقدرتهم علي الاحتجاج -.

وافق المغرور، فقلت له: - من أين نبدأ؟ ما رأيک أن نبدأ بالتوحيد الذي تتمشدقون به وبسبب فهمکم الخاطئ له تضعون کل الناس في جبهة المشرکين؟

فوافق أيضا وبدأ الحوار والجميع يستمع.

قلت: - ما تقولون في الله خالق الکون وصفاته.

قال: - نحن نقول لا إله إلا الله وحده لا شريک له، ولا تجوز عبادة غيره.

قلت: - وهل يختلف اثنان من المسلمين في ذلک؟.

قال: - الجميع يقول بذلک ولکن تطبيقهم خلاف قولهم إذ أنهم في الواقع


مشرکون لأنهم يتوسلون بالأموات ويخضعون لغير الله ويشرکون به في طلب الحاجات، والخضوع لغير الله وغيرها من الأشياء التي ذکرتها تعني عبادة غيره تعالي.

قلت: حسنا طالما الجميع يقول بأن الله واحد أحد فرد صمد ولا يجوز عبادة غيره بأي حال من الأحوال فهذا جيد ويخرج الجميع من دائرة الشرک، إلا إذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أنهم يعبدون غير الله أو يشرکون بعبادته أحدا حينها يکونون مشرکين.

أما ما يفعلونه من أفعال مثل التوسل وتعظيم الأولياء واحترامهم فهذا ليس من الشرک في شئ، لأن العبادة تعني الخضوع والتذلل لمن نعتقد أنه إله مستقل في فعله لا يحتاج إلي غيره، أما مجرد الخضوع والتذلل والاحترام فلا يعتبر عبادة وقد أمرنا به القرآن کالتذلل للوالدين والمؤمنين، بل إن الله أمر الملائکة بالسجود لآدم، بناء علي ذلک لا يکون احترام الأولياء وزيارة قبورهم والتوسل بهم وتعظيمهم شرکا بالله لأنهم لا يرون أن هؤلاء آلهة مستقلون عن الله، بل هم عباد أکرمهم الله بفضله، فعطاؤهم من الله وليس لهم قدرة ذاتية مستقلة.

قال: - ولماذا يسألون الله مباشرة؟ هل هناک مانع وهو القائل (أدعوني أستجب لکم)؟ (سورة غافر آية / 60).

قلت: - أيضا قال تعالي (وابتغوا إليه الوسيلة) [1] ثم إنک عندما تمرض لماذا تذهب إلي الدکتور؟ ألم يقل الله تعالي في کتابه (وإذا مرضت فهو يشفين) [2] أليس من أسمائه الشافي؟.

قال: - هذه ضرورة في الحياة.

قلت: - أيضا تلک سنة وسبب به تبتغي الحاجات.... والتفت إلي الحاضرين وقلت: - هل تجدون في کلامي هذا خطأ، فأقروا بما قلت وزاد أحدهم وکان


صوفيا: - هذه الأشياء موجودة من زمن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وسار عليها الصحابة والتابعون وکل المسلمين إلي أن جاء ابن تيمية وتلميذه محمد بن عبد الوهاب ببدعهم الجديدة هذه.

قال الوهابي: - إنکم تتحدثون بلا علم، والوقت ضيق الآن فلنأخذ من الموضوع شيئا نتناقش حوله وفي وقت آخر أکون مستعدا لنتحاور أکثر من ذلک.

قلت: - عندي سؤال أخير حول التوحيد ماذا تقولون في صفات الله؟

قال: - نحن لا نقول إنما نصفه بما وصف به نفسه في القرآن.

قلت: - وبماذا وصف نفسه؟ هل قال بأنه جسم يتحرک أو أن له يدا وساقا وعينان؟.

قال: - نحن نقول بما جاء في القرآن لقد قال تعالي: (يد الله فوق أيديهم) وکثير من الآيات الأخري التي تصف الله لنا فنقول إن لله يدا بلا کيف.

قلت: - إن قولک هذا يستلزم التجسيم والله ليس بجسم وهو ليس کمخلوقاته، ثم ما هو الفرق بينکم وبين مشرکي مکة أولئک نحتوا أصنامهم بأيديهم وعبدوها وأنتم نحتم أصناما بعقولکم وظلت في أذهانکم تعبدونا لقد جعلتم لله يدا وساقا وعينين ومساحة يتحرک فيها (ما لکم لا ترجون لله وقارا) [3] وبکلمة إن الآيات التي ذکرتها مجازية وترمز لمعان أخري.

قال: - نحن لا نؤمن بالمجازات والتأويلات في القرآن.

قلت: - ما رأيک في من يکون في الدنيا أعمي هل يبعث کذلک أعمي؟

قال: - لا!.

قلت: - کيف وقد قال تعالي (ومن کان في هذه أعمي فهو في الآخرة


أعمي) [4] وأنتم تقولون لا مجاز في القرآن. ثم إنه بناء علي کلامک إن يد الله ستهلک وساقه وکل شئ مما زعمتموه - والعياذ بالله - عدا وجهه ألم يقل البارئ جل وعلا (کل شئ هالک إلا وجهه) [5] و (کل من عليها فان ويبقي وجه ربک ذو الجلال والإکرام) [6] .

قال: - هذه الأشياء لا ربط بينها وبين ما نقوله.

قلت: - کلام الله وحدة واحدة لا تتجزأ، وإذا استدللتم به علي صحة قولکم، يحق لي أن أنطلق منه لتفنيد هذا القول، وأنتم تستدلون علي مجئ الله مع الملائکة صفا يوم القيامة کما فهمتم من القرآن.

قال: - ذلک ما قاله الله تعالي في القرآن.

قلت: - المشکلة تکمن في فهمک للقرآن، إن في القرآن آيات محکمات وأخر متشابهات فلا تتبع المتشابهات فتزيغ، وإلا أين کان الله حتي يأتي؟

قال: - هذه أمور لا يجب أن تسأل عنها.

قلت: - دعک من هذا ألا تقولون أن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل ليستجيب الدعاء.

قال: - نعم ذلک ما جاءنا عبر الصحابة والتابعين من أحاديث.

قلت: - إذا أين هو الله الآن؟!!

قال: فوق السماوات.

قلت: وکيف يعلم بنا ونحن في الأرض.

قال: بعلمه.


قلت: - إذا الذات الإلهية شئ وعلمه شئ آخر.

قال: - لا أفهم ماذا تقصد!

قلت إنک قلت إن الله في السماء وبعلمه يعلم بنا ونحن في الأرض، إذا الله شئ وعلمه شئ آخر.

سکت متحيرا..

واصلت حديثي: - أو تدري ماذا يعني ذلک إنه يعني الشرک الذي تصفون به الآخرين، لأن الفصل بين الذات الإلهية والعلم واحد من اثنين إما أن العلم صفة حادثة فأصبح الله عالما بعد أن کان جاهلا وإما أنها صفة قديمة وهي ليست الذات کما تدعون فيعني الشرک لأنکم جعلتم مع الله قديما، أو يأخذنا قولکم هذا إلي أن الله مرکب، والترکيب علامة النقص والله غني کامل سبحانه وتعالي عما يصفه الجاهلون.

عندما وصلت إلي هذا الموضع من الکلام قال أحد الحاضرين: - إذا کانوا يقولون بذلک فالله ورسوله منهم براء، ثم التفت إلي قائلا: - ما تقول أنت حول هذا الموضوع ومن أين لک بذلک.

بينت لهم أن ما أقوله هو کلام أهل البيت (ع) وهو کلام واضح تقبله الفطرة ولا يرفضه صاحب العقل السليم ويؤکد عليه القرآن، وأتيتهم ببعض خطب الأئمة حول التوحيد منها خطبة الإمام علي (ع) يقول: " أول الدين معرفته، وکمال معرفته التصديق به، وکمال التصديق به توحيده، وکمال توحيده الإخلاص له، وکما الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة کل صفة أنها غير الموصوف وشهادة کل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده ومن قال " فيم " فقد ضمنه ومن قال " علام " فقد أخلي منه... "


ثم شرحت لهم مقصود الخطبة.

قال بعض الحاضرين: والله إنه کلام بليغ سلس ومحکم. ثم اتفقت کلمتهم حول هذا الشاب المسکين أنه مخطئ في اعتقاده ويجب عليه مراجعة حساباته حتي لا يذهب إلي نار جهنم.

ثم دار النقاش حول الرسالة والرسول محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) والذي يدعون أنهم أولي الناس به وقد ثبت لي أنهم أبعد ما يکون عن نبي الرحمة (صلي الله عليه وآله وسلم) وعن معرفته فکيف يکونون أولي الناس به؟ وبالحوار انقطعت حجته وأصبح محل تهکم الآخرين، وقبل أن نختم الحوار سألني محاولا استفزازي: شيخنا ما رأيکم في الصحابة الذين نعتبرهم نحن من أولياء الله الصالحين؟ فقلت له: يا شيخ...

أول الدين معرفته، وأنت لم تعرف الله فکيف تعرف أولياءه؟! وتواعدنا لمواصلة الحوار يوما آخر، وفي ذلک اليوم جاء بوجه آخر ويبدو أنه أخذ جرعة قوية من مشايخه - وابتدأ هذه المرة بالشتم والسب أمام جمع من الحاضرين، وطالبهم بعدم الجلوس معي، ولا أبالغ إذا قلت أنه ظل ما يقارب الساعتين يسب ويشتم ويصرخ ويلوح بيده مهددا ومتوعدا بقتلي جهادا في سبيل الله، ولا أدري من أين تعلم الجهاد وهو عمليا محرم عندهم خصوصا ضد الطواغيت، ولعله لم يکن ملتفتا إلي أن دم الحسين (ع) ما زال يغلي في عروق الشيعة... مع ذلک - ويعلم الله - فإنني لم أرد عليه لأنني علي بصيرة من ديني وتعلمت من سيرة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) کيف أنه صبر علي أذي کفار قريش، وکيف أمروا صبيانهم بملاحقته وإيذائه وطلبوا من الناس ألا يستمعوا إليه وهکذا التاريخ يعيد نفسه.

لأجل ذلک عزيزي القارئ أقدم کتابي هذا إنه الحق يصرخ لنصرته، لقد رأيت في عيون الذين حضروا حواري هذا التلهف لمعرفة الحقيقة، وما زلت أراها في عيون کل الأحرار الذين يدفعون ثمن التضليل الإعلامي وتزييف الحقائق.

وعندما يشعر الإنسان قبل ذلک بلذة الانتصار علي النفس الأمارة بالسوء ويبصر نور الحق شعلة براقة أمام ناظريه... يتمني أن يشارکه الآخرون هذا النور فيبين


لهم طريق ذلک...

وهذا الکتاب ما هو إلا إثارة لدفائن العقول وتحفيز الآخرين للبحث عن الحقيقة التي کادت أن تضيع بين مطرقة اقتفاء آثار الآباء، والأجداد وسندان سياسة التجهيل التي مارسها العلماء في حق الأبرياء مثل هذا الشاب الذي أجريت معه الحوار، إن هنالک الکثير ما يزال علي فطرته يريد الحق ولکن يلتبس عليه الأمر فيتمسک بما اعتقده من باطل وأصبح جزء من کيانه يدافع عنه بتعصب مانعا الحقيقة أن تتسرب إلي عقله.

لقد من الله علي بالهداية بفضله وأدخلني برحمته إلي حيث نور الحق، وشکرا لهذه النعمة يجب علي أن أبلغ للناس ما توصلت إليه.

لذلک أسطر هذه المباحث وأکتب هذا الکتاب إنه شعلة حق أخذتها من فاطمة الزهراء (ع) وأقدمها لکل طالب حق، ولکل باحث عن الحقيقة.

ومن الأشياء التي ملأتني حماسا أکثر للکتابة ما أراه وأسمع به يوميا من هجوم شرس يشنه أعداء الإسلام علي الأمة، ومحاولاتهم المستمرة لتشويه صورة الدين الإسلامي النقية البيضاء التي أنزلت من قبل الله تعالي للبشرية وذلک بإثارة الفتن بين الطوائف الإسلامية ودعم الطفيليات الشيطانية التي غرست في جسد الأمة علي حين غفلة، فکانت وبالا عليها. وستري عزيزي القارئ ذلک واضحا إذا تعرفت علي سر الافتراءات التي يرو جونها ضد أنصار الحق (الشيعة).

وحتي تضيع هوية المسلمين کما يريد أعداؤهم کان لا بد من وجود بعض أدعياء الدين في أوساطنا، يتحدثون به وهم أبعد الناس عنه، ويحملون المعاول لهدم الأمة من الداخل ومن أبرز هؤلاء ما يسمون بالوهابية " قرن الشيطان الذي خرج من نجد کما تقول الأحاديث الشريفة " بثقافتهم التي تقوم علي تکفير الجميع إلا أذيالهم، والمتتبع لسياستهم في تعاطيها مع واقع الأمة يدرک أنها ما کانت إلا لضرب الإسلام وتجريده من روحه وخصوصياته، لقد رأيناهم في السودان وهم يحرمون العمل السياسي في فترة زمنية معينة، ويلخصون کل شريعة السماء في حدود لا تتجاوز إطالة


اللحية واللبس القصير... وما أشبه، مع وضع کل أعمال المسلمين في قائمة الشرک کان هذا هو مشروعهم الحضاري للأمة... ولکن عندما رفعت الشعارات الإسلامية کمنهج للحکم، وأصبحت هنالک جماعة إسلامية تتبني العمل السياسي کضرورة دينية ملحة التفتنا، فإذا بنا نري المنابر السياسية المعارضة تنصب في مساجد الوهابية بالسودان والعمل الذي کان حراما أصبح واجبا، بينما کنا في فترة سابقة نري حانات الخمر أکثر من أفران الخبز دون أن تحرک الوهابية ساکنا، ولکن قوي الاستکبار تعرف کيف تحرک خيوطها التي جعلتها متشابکة داخل الأمة.

ونراهم اليوم ترکوا کل شئ وصاروا يلفقون التهم والافتراءات علي شيعة أهل البيت (ع) ويسخرون کل إمکانياتهم ضد الشيعة.... يکذبون عليهم... يؤولون کلامهم يخفون حقيقتهم، ولا أدري أين هم من القرآن الحکيم الذي نراهم يلقلقون به دائما وهم أبعد الناس عنه لأنهم لم يتدبروا آياته. کما لم يسعوا إلي إنزال الفکر القرآني إلي أرض الواقع فها هو القرآن يصدح (ادع إلي سبيل ربک بالحکمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربک هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).

ويقول تعالي (قل هاتوا برهانکم إن کنتم صادقين).. فأين هم من هذا الأدب الرفيع، ولا نجد لهم هما وهم يمارسون الدعوة سوي التکفير والتشهير والکذب والافتراء، والحديث حول الوهابية يطول ولنا معهم وقفة في مجال آخر إن شاء الله.

لهذه الأسباب وغيرها ارتأيت أن أکتب هذا الکتاب لأساهم في دفع الشبهات التي علقت في أذهان البعض ضد التشيع باعتباره الإسلام الصافي الذي به فقط تکون النجاة أمام الله سبحانه وتعالي، وهو بحث للجميع لم أبحث فيه عن التکلف وترکيب المصطلحات التي يصعب علي فئة من الناس فهمها وليس القصد منه استعراض العضلات بقدر ما هو مشعل نور لمن أراد الاستبصار والوصول إلي الحقيقة وإخراج العقل من سجن الأوهام إلي حيث حلاوة الإيمان ولذته.



پاورقي

[1] سورة المائدة آية / 35.

[2] سورة الشعراء: آية / 80.

[3] سورة نوح: آية / 13.

[4] سورة الإسراء: آية / 72.

[5] سورة القصص: آية / 88.

[6] سورة الرحمن: آية / 26.