بازگشت

تظلم الزهراء


ان الحديث عن تظلم فاطمة سلام الله عليها حديث ذو شجون، لا ينتهي الکلام فيه، ولا يمکن اتيان جديد فيه. فالمصادر التاريخية قديمها وحديثها تؤکد علي ظلامة الزهراء، هذه المرأة العظيمة، وما لقيته بعد وفاة والدها النبي الاکرم محمد «صلي الله عليه وآله وسلم» من احن ومحن، وتعرضت لکثير من الويلات والمصائب التي يشيب لهولها الزمان، ابتداءً من ترک وصية والدها، ومروراً بغصب الخلافة من زوجها، وانتهاءً بقضية فدک، مما ادي الي تراکم الهموم والهواجس عليها.

لقد ذکر ابن قتيبة في کتابه (الامامة والسياسة) ما هذا نصه: (ان ابا بکر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي کرم الله وجهه، فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطيب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن او لأحرقنها علي ما فيها فقيل له يا ابا حفص ان فيها فاطمة فقال: وان. فخرجوا فبايعوا الا علياً فانه زعم انه قال: حلفت ان لا اخرج ولا اضع ثوبي علي عاتقي حتي اجمع القرآن،


فوقفت فاطمة رضي الله عنها علي بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا وأسوأ محضر منکم، ترکتم رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» جنازة بين ايدينا وقطعتم امرکم بينکم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً...) الي ان يصل قوله: (... ثم قام عمر ومشي معه جماعة اتوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلما سمعت اصواتهم، نادت بأعلي صوتها: يا ابت يا رسول الله ماذا لقينا بعدک من ابن الخطاب وابن ابي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبکاءها انصرفوا باکين [1] .

الذي يهمني ان اؤکده هنا هو ان الزهراء سلام الله عليها هي التي خرجت لمنع القوم عن اخراج علي «عليه السلام» وذلک لعظم منزلتها وعلو شأنها، لانها بنت رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»، وان ما يدل علي ذلک قول عمر بن الخطاب عندما اراد ان يأتي الي باب دار فاطمة، قال: اريد ان احرق الدار ومن فيها، قالوا ان في الدار فاطمة قال: وان. ويحسن ان انّبه الي ان هذا الموقف قد قام علي اساس التحدي ومواجهة اهل البيت الذين قال عنهم رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: (الا واني مخلف فيکم الثـقلين کتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا)، مما يدل علي ان الرجل خالف کتاب الله وسنة نبيه في هذا التحدي السافر والاعتداء علي بيت الزهراء سلام الله عليها. وبناءً علي ذلک اشار الي هذا المضمون شاعر النيل حافظ ابراهيم بقوله: وقـولـة لعـلـي قالها عمرُ اکـرم بسـامـعها اعظم بملقيها حرقت دارک لا ابقي عليک بها ان لم تبايع وبنت المصطفي فيها




ما کان غير ابي حفص يفوه بها

امام فـارس عدنـان وحاميهـا


وفي کتاب (عوالم سيدة النساء فاطمة الزهراء) توضيح لهذا المشهد، قال: فلما رأي علي «عليه السلام» غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته، وکان علي بن ابي طالب «عليه السلام» لما راي خذلان الناس له وترکهم نصرته واجتماع کلمة الناس مع ابي بکر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته. فقال عمر لابي بکر: ما يمنعک ان تبعث اليه فيبايع فانه لم يبق احد الا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الاربعة معه، وکان ابو بکر ارق الرجلين وارفقهما وادهاهما وابعدهما غوراً، والاخر افظهما واغلظهما واخشنهما واجناهما، فقال: من نرسل اليه؟ فقال عمر: ارسل اليه قنفذاً، وکان رجلاً فظاً غليظاً جافياً من الطلقاء احد بني تيم، فأرسله وارسل معه اعواناً فانطلق فأستأذن فأبي علي «عليه السلام» ان يأذن له، فرجع اصحاب قنفذ الي ابي بکر وهما في المسجد والناس حولهما، فقالوا: لم يأذن لنا، فقال عمر: هو ان اذن لکم والا فادخلوا عليه بغير اذنه، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة «عليها السلام»: احرّج عليکم ان تدخلوا بيتي بغير اذن. فرجعوا فثبت قنفذ، فقالوا: ان فاطمة قالت کذا وکذا فحرجتنا ان ندخل عليها البيت بغير اذن منها،فغضب عمر؛ مالنا وللنساء، ثم امر اناساً حوله فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما، ثم نادي عمر حتي اسمع علياً والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله او لأضرمن عليک بيتک ناراً ثم رجع فقعد الي ابي بکر وهو يخاف ان يخرج علي بسيفه لما قد عرف عن بأسه وشدته. ثم قال: قنفذ ان خرج والا فاقتحم عليه فان امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً. فانطلق قنفذ فاقتحم هو واصحابه بغير اذن وبادر علي الي سيفه ليأخذه فسبقوه اليه فتناول بعض


سيوفهم فکثروا عليه فضبطوه والقوا في عنقه حبلاً اسود، وحالت فاطمة «عليها السلام» بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط علي عضدها فبقي اثره في عضدها من ذلک الدملج من ضرب قنفذ اياها فأرسل ابو بکر الي قنفذ اضربها. فالجأها الي عضادة باب بيتها فدفعها فکسر ضلعاً من جنبها والقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحية في الفراش حتي ماتت من ذلک شهيدة صلوات الله عليها [2] .

وقال في موضع آخر: فلما انتهيا الي الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها اغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشک ان لا يدخل عليها الا باذنها فضرب عمر الباب برجله فکسره وکان من سعف ثم دخلوا فاخرجوا علياً ملبياً، فخرجت فاطمة فقالت: يا ابا بکر اتريد ان ترملني من زوجي ـ والله ـ لئن لم تکف عنه لانشرن شعري ولاشقن جيبي ولآتين قبر ابي ولأصيحن الي ربي [3] .

وقال ايضاً: فلما بلغ عمر بن الخطاب خرج حتي دخل علي فاطمة فقال: وايم الله ما ذاک بمانعي ان اجتمع هؤلاء النفر عندک ان امر بهم ان يحرق عليهم البيت، قال: فلما خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون ان عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليکم البيت وايم الله ليمضين لما حلف عليه [4] .

وقد وردت في هذا الخصوص اشعار کثيرة، منها ارجوزة للسيد مهدي القزويني حيث قال:


يا عجبـا يستـأذن الامـيـن قال سليـمُ قلـت يا سـلمـان قال بـلـي وعـزة الجـبـار لکـنـهـا لاذت وراء البـاب ومذ رأوها عصروها عصـرة فأسقطـت بنت الهـدي واحزنا تصيـح يـا فضـة اسندينـي عليـهـم ويهجـم الـخـؤون هل دخلـوا ولم يـک استئـذان ليـس علي الزهـراء من خمار رعـايـة للستـر والحجـاب کادت بنفسي ان تموت حسـرة جنينهـا ذاک المسمي محسنـا فقد وربـي اسقطـوا جنينـي

وقول المتغمد بالرحمة السيد باقر الهندي: کل عـذر وقول افـک وزور فتبصّرْ تبصر هداک الي الحق ليس تعمي العيون لکنما تعمي هو فرع عن جحد نص الغدير فليـس الاعمـي به کالبصيـر القلوب التي انطوت في الصدور

الي ان يصل قوله: او تدري لم احرقوا البـاب بالنـار او تدري ما صدر فاطمة ما المسمار ما سقوط الجنيـن ما حمرة العيـن دخلوا الدار وهي حسري لمرأي من ارادوا اطفاء ذاک النور؟ ما بال ضلعها المکسور؟ وما بال قرطها المنثور؟ علي ذاک الابي الغيور.

وقول الشاعر الحاج جواد بدقت الاسدي: وبکسر ذاک الضلع رضت اضلع وکما (علـي) قـوده بنجـاده وکما (لفاطـم) رنة من خلفـه وبزجرها بسياط قنفذ وشحـت في طيها سرُّ الاله مصونُ فله (علي) بالوثاق قريـن لبناتها خلف العليـل رنين بالطف في زجر لهن متون


وقول الشاعر الشيخ محسن ابو الحب الکعبي المتوفي سنة 1305 هـ: هزي لنخلتهـا ألتجت فتساقطـت ولدي الجدار وعتبة الباب ألتجت رطباً جنياً فهـي منه تـأکـل بنت النبي واسقطت ما تحمـل

هذا غيض من فيض ما قاله الادباء بخصوص ظلامة الزهراء سلام الله عليها. وهذا هو شأن المخلصين لله تعالي في حفظ رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» في عترته من بعده، يعظمون شعائر الله تعالي، ولا سيما فاطمة الزهراء «عليها السلام» ذلک النموذج الامثل للاسرة المسلمة.



پاورقي

[1] الامامة والسياسة / ابن قتيبة / ص 12 و 13.

[2] عوالم سيدة النساء فاطمة الزهراء / الشيخ عبد الله البحراني الاصفهاني / ص 557 و 558.

[3] المصدر السابق / ص 560.

[4] المصدر السابق / ص 562 و 563.