بازگشت

ام السبطين


هذه السيدة الجليلة.. هذه العالمة الکاملة الفاضلة، کانت روحاً من نفحات روح النبي صلي الله عليه وآله ووهجاً من توهجاته، وشعاعاً نيّراً من اشعاعاته.

فاطمة الزهراء «عليها السلام» لا تجاري ولا توصف، ولا يقاس بها کل نساء الارض، فهي الانسية الحوراء، والبتولة العذراء، وام الأئمة النجباء الأصفياء.

فاطمة الزهراء «عليها السلام» اشراقة الهية، ومنحة ربانية، لمعت في سماء الدنيا، فتبلجت بأنوارها المشرقة مدلهماتها، واشرقت بأنوارها الساطعة اکوانها ودياجيرها.

عاشت في أحضان الرسالة، وارتضعت من لبان المجد، ثم ترعرعت في بيت طاهر مطهر، کان ولا زال کعبة القصاد، وقبلة الوفاء، ومأوي الملهوفين، ومنار التائهين الي يوم الدين. ثم کبرت مع الکبار، وبرزت معالم الأنوثة فيها، حتي حان الحين انه تکون زوجاً لخير بعل.. ذلک هو ابن عمها علي بن أبي طالب «عليه السلام»، اسد الله الغالب ومظهر العجائب،


بطل الاسلام، الفارس الضرغام، قائد البررة الکرام أمير المؤمنين «عليه السلام».

وبعد رحلة النبي صلي الله عليه وآله الاکرم الي دار الخلود، بدأت حياة جديدة تختلف ايما اختلاف عما کانت عله في کنف والدها العظيم من عز واجلال واحترام، أليس هو القائل في حقها: «فاطمة روحي التي بين جنبيّ» والقائل: «فاطمة أم أبيها» و: «فاطمة بضعة مني من أحبها فقد أحبني، ومن أبغضها فقد أبغضني». الي غير ذلک من الأقوال المأثورة التي سنقف عليها في ثنايا هذا الکتاب.

فمحمد والزهراء وعلي والحسن والحسين والتسعة المعصومون من ذرية الحسين «عليهم السلام»، هم قادة الأمة وملاذها، وهم عنوان مجدها وکرامتها. فأين نحن عن فهم حقيقة سيرة هؤلاء الأطياب بعيداً عن کل تزمت او تعصّب مشين؟

نحن أمة محمد صلي الله عليه وآله اليوم محدقون بالأخطار والأهوال من کل جوانب حياتنا، فأعداؤنا کُثّر، واحقادهم لا نهاية لحدودها، فالتآمر علي ديننا الحنيف، بل ووجودنا وکياننا کأمة لها رسالة وقيادة الهية مقدسة.

ما أحرانا نحن الأمة المستضعفة، ان ننهض من جديد من سباتنا العميق لنجدد تلک الذکريات بأقلام شعبية واضحة، بعيدة عن الاساليب البلاغية ذات المحسنات البديعية، حتي تکون بمثابة خطاب موجه الي الجماهير في کل مکان يستفيد منها المثقف والناشئ والاستاذ والطالب.

لا أقول ان نکتب السيرة نثراً فحسب، فالشعر ايضاً هو الصوت المؤير في


المشاعر والقلوب، بل هو السيف البتّار في کشف الحقائق والأسرار، حتي تعرف الأمة تاريخها، وتراثها الغابر، دونما زيف او وجل او مبالغة.

نحن وعلي مدي هذا العمر القصير، وقفنا علي کثير من الکتابات والمؤلفات التي تظهر بين آونة وأخري ـ من هنا وهناک ـ وان قسماً منها قد کتب ونشر منذ قرون غابرة، لکنها أمالت بوجهها عن اتباع طريق الهدي والحق، فأحدثت في وحدة الأمة شرخاً، واورت نار البغضاء والشحناء، فبررزت عصابات من حولها تطبّل لهذا تارة وتزمر لذلک اخري، کأن لم يکن لها شغل شاغل غير هذا النفخ المريب في ابواق التفرقة وفصم عري الاتحاد، وهذا هو بعينه، ما خطط له المستعمرون الغاشمون، قديماً وحديثاً.

نحن اليوم بأمس الحاجة الي وقفة جادة وصريحة تدعو الي الحق وتأخذ به، وتعمل من أجل الحق وتدافع عنه، ولا يکون هذا إلاّ بالتخلّي عن الشوائب التي علقت بالنفس، والادران التي التصقت في حنايا الصدور.

يا ابناء محمد الرسول الکريم صلي الله عليه وآله، ويا أبناء فاطمة، وحّدوا الصفوف واترکوا کلَّ ما يثير الشحناء والفرقة، فأنتم اليوم المستهدفون في کل بقاع الارض.. وما لم تتوحّدوا وتتآلفوا لم يرهبکم احد أينما کنتم.

اننا نوجه نداءنا الي ادبائنا ومثقفينا بالتوجه الجاد نحو الکتابة عن سيرة سلفنا الصالح وقادتنا الأئمة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ففي سيرتهم المتلألئة تستضيئ الشعوب، وعلي هدي خطواتهم تسير في الحياة وتتعامل مع کل مفصل من مفاصلها، ومن


عظمتهم يکتشف من الجوانب العلمية الخافية علي العلماء والمعنيين من المثقفين وعمالقة الفکر وروّاد الأبداع.

انها فاطمة الزهراء التي يرضي الله لرضاها ويغضب لغضبها، ونوّه رسول الله بعضمتها وجلالة قدرها، وأمير البلاغة والبيان علي «عليه السلام» ينظر اليها بنظر الاجلال والاعظام وائمة أهل البيت ينظرون اليها بنظر التقديس والاحترام.

سلام علي الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها وعلي التسعة المعصومين من ذرية ولدها الحسين «عليه السلام».