بازگشت

فاطمة الزهراء تحرض نساء المدينة


لم تعش فاطمة الزهراء (ع) بعد أبيها إلاّ تسعين يوماً حسب بعض التواريخ. وأما حسب البعض الآخــر

فانها عاشت أقل من ذلک بکثير وخلال الفترة کانت حزينة کئيبة منهَّدة الرکن، بل کانت مريضة طريحة الفراش، فزارتها نسوة من المهاجرين والأنصار يَعُدْنَها في علتها، فقلن: السلام عليکِ يا بنت رسول اللـه (ص)، کيف أصبحتِ؟

فقالت: أصبحت واللـه عائفة لدنياکنَّ، قالية لرجالکن لفظتهم بعد إذ عجمتهم [1] وسئمتهم بعد أن سبرتهم فَقُبحاً لأفون الرَّأي، وخطل القول، وخَوَر القناة [2] ، ولبئس ما قدَّمت لهم أنفسهم أن سخط اللـه عليهم وفي العذاب هم خالدون، لاجرم واللـه لقد قلّدتُهم ربقتها، وشننتُ عليهم غارها، فجدعاً ورغماً للقوم الظالمين [3] .

ويحهم أَنَّي زحزحوها عن أبي الحسن، ما نقموا واللـه منه إلاّ نکير سيفه [4] ونکال وقعه، وتنمّره في ذات اللـه [5] ، وتاللـه لو تکافّوا عليه من زمام نبذه إليه رسول اللـه (ص) لاعتلقه [6] ، ثمَّ لسار بهم سيرة سحجاً، بجحاً، فإنه قواعد الرسالة، ورواسي النبوَّة، ومهبط الرُّوح الأمين، والطَّبين [7] بأمر الدين والدُّنيا والآخرة، ألا ذلک هو الخسران المبين.

واللـه لايکتلم خشاشه، ولا يتعتع راکبه، ولا وردهم منهلاً رويّاً فضفاضاً [8] تطفح ضفَّته، ولا صدرهم بطاناً قد خثر بهم الرّيُّ غير متحل بطائل إلاّ تغمر الناهل وردع سورة سغب [9] ، ولفتحت عليهم. برکات من السماء والأرض، وسيأخذهم اللـه بما کانوا يکسبون.

فهلمَّ فاسمع، فما عشت أراک الدَّهر عجباً، وإن تعجب بعد الحادث فما بالهم؟ بأيِّ سند استندوا، أم بأية عروة تمسَّکوا، لبئس المولي ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا.

استبدلوا الذنابي بالقوادم، والحرون بالقاحم، والعجز بالکاهل [10] ، فتعساً لقوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً. ألا إنهم هم المفسدون ولکن لايشعرون، أفمن يهدي إلي الحقِّ أحق أن يُتبع أمَّن لا يَهِدي إلا أن يُهدي، فمالکم کيف تحکمون؟..

لقحت فنظرت ريثما تنتج، ثمَّ احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً، وذعافاً ممضّاً [11] هنالک يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبَّ ما أسکن الأولون، ثمَّ طيبوا بعد ذلک عن أنفسکم لفتنها، ثمَّ اطمئنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وهرج دائما شامل، واستبداد من الظالين، فزرع فيئکم زهيداً، وجمعکم حصيداً، فيا حسرة لهم، وقد عميت عليهم الأنباء، أنلزمکموها وأنتم لها کارهون.


پاورقي

[1] " عائفة " کارهة. و " قالية " مبغضة و " لفظت " الشيء من فمي - رميته و " عجمت " العود - إذا عضضته.

[2] " شنــــأه " أبغضه و " سبرتهم " اختبرتم و " الفلول " - التلمة والکسر و " الخور " - الضعــــف و " الخطل " الفاسد المضطرب.

[3] " لقد قلدتهم ربقتها " جعلت أتم الخطيئة في رقابهم و " شننت عليهم غارها " فرقت الفارة عليهم من کل صوب و " جدعاً " قطع الأنف والأذن أو الشفة.

[4] " نکير سيفه " انکار سوفه وخوف شجاعته.

[5] " نکال وقعه " هيبة صدمته في الحرب و " تنمّره في ذات اللـه " - سکرته من أجل اللـه کما النمر لاتکفاه إلاّ غاضباً شديداً.

[6] " لو تکافوا عليه من زمام " لو منعوا أنفسهم عن التصرف في مفوداً أعطاه الرسول و " لاعتلقه " أخذ المقود بحب شديد.

[7] " سيراً سحجاً " سيراً ليناً سهلاً. " الطبين " الفطن الحاذق.

[8] " لايکتلم " لا يجرح و " الخشاش " ما يجعل في أنف البعير وربما التعبير کناية عن قدرته الکبيرة علي متابعة السير. و " يتعتع راکبه " يزعج راکبه " المنهل " المورد " و " الفضفاض " الواسع.

[9] " ردع سورة سغب " مقاومة شدة الجوع.

[10] " الذنابي بالقوادم " المتأخر بالمتقدم والذنابي آخر ريش الطائر والقوادم أول ريشه. و " الحرون " الفرس الذي لاينقاد استعير للجاهل و " القاحم " و " العجز بالکاهل " المتأخر بالمتقدم.

[11] " لقحت " حملت " فريت لما تنتج " انتظروا ساعة الولادة و " ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً " دعوا القدح يمتلئ من الدم العبيط، و " ذعافاً ممضّاً " سُماً مراً.