بازگشت

العابدة الزاهدة


1- روي ابن شهر اشوب عن الحسن البصري أنه قال: ما کان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، کانت تقوم حتي تورَّمت قدماها.

2- وروي عن الإمام الحسن عليه السلام أنه قال: رأيت أمي فاطمة ليلة الجمعة وقد وقفت للعبادة.. ومازالت بين راکعة وساجدة وقائمة وقاعدة، حتي أسفر الصبح. وهي تدعو للمؤمنين والمؤمنات، تسميهم بأسمائهـم.. قـال الإمام (ع) فقلت يا أماه: لماذا لم تدعي لنفسک، وإنما دعوتِ لسائر المؤمنين؟ قالت: يا بُنَيَّ الجار ثم الدار.

3- وروي عن الصادق (ع) انه حدّث: بانه دخل رسول اللـه (ص) علي فاطمة يوماً، فرآها قد لبست ثوباً من صوف الإبل. وهي تطحن بيديها، وترضع ابنها، فلما رأي الرسول ذلک بکي وقال: بنيّة، ذوقي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة. فقالت فاطمة: أحمد اللـه علي نعمائه وأشکره علي آلائه.. فنزلت هذه الآية:

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيکَ رَبُّکَ فَتَرْضَي) (الضحي/5)

4- وروي أحمــد بن حنبل في مسنده: أن رسول الله (ص) کان إذا سافر، آخر عهده بإنسان، فاطمة.

وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة. فقدم من غزاة، فأتاها فإذا بمسع [1] علي بابها، ورأي علي الحسن والحسين، قلبين [2] من فضة فرجع ولم يدخل عليها. فظنت أنه من أجل ما رأي، فهتکت الستر ونزعت القلبين من الصبيَّين، فقطعتهما. فبکي الصبيان فقسمته بينهما فانطلقا إلي رسول اللـه وهما يبکيان فأخذه منهما، وقال: (يا ثوبان - هو مولي الرسول الراوي لهذا الحديث - اذهب بهذا إلي بني فلان واشتر لفاطمة قلادة من عصب - وهو سن دابة بحرية - وسوارين من غاح، فإن هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأکلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا).

وفــي رواية أخري أن النبي (ص) حين وصلت إليه هذه الأمتعة وأمرته فاطمـة بإنفاقها في سبيل اللـه قال: (فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها، ومثل هذا الحديث ما روي عن الرضا (ع) عن آبائه، عن علي بن الحسين (ع) أنه قال: حدّثتني اسماء بنت عميس قالت: کنت عند فاطمة (ع) إذ دخل عليها رسول اللـه (ص) وفي عنقها قلادة من ذهب کان اشتراها لها علي بن أبي طالب (ع) من فيء، فقال لها رسول اللـه (ص): يا فاطمة لا يقول الناس إن فاطمة بنت محمد تلبس لباس الجبابرة، فقطعتها وباعتها واشترت بها رقبة - أي أَمَةً - فأعتقتها، فسرَّ رسول اللـه (ص)).

5- وروي الصدوق (ره) عن عليّ (ع) أنه قال:

(إنَّ فاطمة (ع) أستقت بالقربة حتي أثّرت في صدرها، وطحنت بالرحي حتي نحلت [3] يداها، وکسحت [4] البيت حتي أغبرت ثيابها وأوقدت النار تحت القدر حتي دکنت [5] ثيابها) الحديث.

6- وکانت فاطمة عليها السلام تتحمل مع علي مشاکل الحياة في ظروف الجهاد الصعبة فقد جاء في الحديث عن أبي جعفر (ع) قال:

(إن فاطمة (ع) ضمنت لعلي (ع) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت وضمن لها علي (ع) ما کان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندک شيء؟ قالت: والذي عظّم حقّک ما کان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريک به. قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: کان رسول اللـه نهاني أن أسألک شيئاً. فقال: لا تسألين ابن عمّک شيئاً إن جاءک بشيء، وإلاّ فلا تسأليه.

قال فخرج عليه السلام فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً ثمَّ أقبل به وقد أمسي فَلقي المقداد ابن الأسود فقال للمقداد: ما أخرجک في هذه الساعة؟ قال: الجوع والذي عظّم حقک يا أمير المؤمنين، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ورسول اللـه (ص) حيٌّ، قال: ورسول اللـه (ص) حيٌّ؟ قال: فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً وسأؤثرک به فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول اللـه (ص) جالساً وفاطمة تصلي وبينهما شـيء مغطّي. فلمّا فرغت أجترّت ذلک الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم قال: يا فاطمة أني لک هذا؟ قالت: هو من عند اللـه إن اللـه يرزق من يشاء بغير حساب، فقال له رسول اللـه (ص): ألا أحدِّثک بمثلک ومثلها؟ قال: بلي، قال: مثلک مثل زکريا إذ دخل علي مريم المحراب فوجد عندها رزقاً قال: يا مريم أنّي لک هذا؟ قالت: هو من عند اللـه إنّ اللـه يرزق من يشاء بغير حساب. فأکلوا منها شهراً وهي الجفنة التي يأکل منها القائم (ع) وهي عندنا).

وفي حديث آخر مأثور في المراسيل أن الحسن والحسين کان عليهما ثياب خَلَقة وقد قرب العيد، فقالا لأمهما فاطمة (ع):

(إنّ بني فلان خِيطت لهم الثياب الفاخرة، أفلا تخيطين لنا ثياباً للعيد يا أماه؟ فقالت: يخاط لکما إن شاء اللـه، فلما أن جاء العيد جاء جبرائيل بقميصين من حلل الجنّة إلي رسول اللـه (ص)، فقال له رسول اللـه (ص): ما هذا يا أخي جبرائيل؟ فأخبره بقول الحسن والحسين لفاطمة وبقول فاطمة يخاط لکما إن شاء، ثمَّ قال جبرائيل: قال اللـه تعالي لما سمع قولها: لانستحسن أن نکذِّب فاطمة بقولها، يخاط لکما إن شاء اللـه.

وعن سعيد الحفّاظ الديلمي بإسناده عن أنس قال: قال رسول اللـه (ص):

(بينما أهل الجنّة في الجنّة يتنعمون، وأهل النار في النار يعذبون إذا لأهل الجنّة نور ساطع، فيقول بعضهم لبعض: ما هذا النور لعلَّ ربُّ العزَّة اطَّلع فنظر إلينا. فيقول لهم رضوان: لا، ولکن عليّاً (ع) مازح فاطمة فتبسمت فأضاء ذلک النور من ثناياها) [6] .

ولم يکد الإمام علي (ع) يفرغ من دفن رسول اللـه (ص) حتي هبت علي الأمة رياح الجاهلية وأوشکت أن تقتلع شجرة الإسلام الطرية.. وکان علي بيت الرسالة أن يقف کالجبل الأشم في وجه عواصف الرِّدة. ويحافظ علي کيان الإسلام وفاءً بعهده مع رسول اللـه، وتحقيقاً لدوره المرسوم الذي عبّر عنه صاحب الوحي (ص) حيث قال:

(إني تارک فيکم الثقلَين: کتابَ اللـه، وعترتي أهلَ بيتي، ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا أبداً).

وحين قال: (مَثًلُ أهل بيتي کسفينة نوح، مَن رکبها نجا، ومن تخلَّف عنها هلک).

وحين قال: (فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب اللـه).

وکانت فاطمة قطب الرحي في بيت الرسالة.. فماذا فعلت وکيف نهضت بأعباء الحرکة التصحيحية؟

والجــواب: أنه بالرغم من سيطرة الإسلام السياسية علي شبه الجزيرة العربية التي ضمنت دخول الناس

أفواجــاً في دين اللـه، ابتداء من صلح الحديبية، فإن دعائم الإيمان وشرائع الإسلام لَمَّا تَترسَّخ في النفوس..

بل کانت النفوس الطامحة للمغانم. والتي مردت علي النفاق، تهدد سلامة المجتمع الإسلامي، خصوصاً بعد غياب النبي (ص) الذي کان يشکِّل: الرسول، والقائد، والأب، والعمد، والثقل الأعظم في الدين والدولة والمجتمع.

وبالرغم من أن الرسول لم يترک فرصة إلاّ انتهزها لتوجيه أنظار المسلمين إلي الخط الرسالي الذي يمثل الصراط المستقيم في الأمة ويؤدي دوره، وينهض بذات المسؤوليات التي کان يقوم بها، کل ذلک من أجل التعويض عن الفراغ الذي کان سيسببه غيابه (ص) عن الأمة.

وکان أعظم مناسبة أکَّد فيها الرسول دور وصيّه، الإمام علي (ع) وأهل بيته الصدِّيقين، هي مناسبة عودته من حجة الوداع وتوقُّفه في منطقة صحراوية سميت باسم " غدير خُم " فاشتهرت المناسبة بغدير خم حيث رفع النبي يد الإمام علي (ع) أمام أکثر من مائة ألف من مرافقيه وقال:

(من کنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه).

أقول بالرغم من ذلک کله، فإنّ تکريس عهد الوصاية بعد عهد الرسالة لم يتم من دون صعوبات، بل تضحيات. وکانت فاطمة الزهراء أول مضحية في سبيل اللـه. ومن أجل هذا الهدف.

کانت صرخة محمدية دوت في حياة الأمة قائلة: إن مات محمد فإن خطه لم يمت.. وإن سکت محمد (ص) فإن بضعته الطاهرة تنطق عنه، وتُخرس أصوات الجاهلية بکل قوة.

کانت فاطمة البدر الزاهر الذي تحدَّي ظلام الأفق بعد غياب شمس الرسالة وهي تقول: إن کان الوحي قد انقطع وغاب، فإن شعاعه لايزال منيراً، لأنه صب في ضمير فاطمة بنت محمد (ص) کل رسالاته وشرائعه وخُلقه. فهي انعکاس ذلک الضوء، ومشکاة ذلک النور.

وکانت فاطمة الشمس الدافئة التي التمس الناس منها الدفء في عهد کاد زمهرير حب الراحة والرکون إلي الدعة تقضي علي حرارة الإيمان وعنفوان الجهاد والتضحية.

لم تقف فاطمة الزهراء، ضد السلطة السياسية، بقدر ما وقفت ضد عوامل الضعف والتواني التي کادت تتغلب علي المجتمع، وبالذات علي الطليعة، من المهاجرين والأنصار..

وقد اتبعت فاطمة (ع) خُططاً حکيمة، لتحقيق الهدف، ومن أبرزها:

أولاً: تحريض النساء علي رجالهن.

ثانياً: إحياء ذکرَي الرسول في الأمة، بالوله إليه والبکاء عليه.

ونحن نتحدث إليکم ببعض التفصيل عن هاتين الخطتين:


پاورقي

[1] وهو کساء.

[2] أي سوارين.

[3] کما يحدث عند کثرة ممارسة العمل.

[4] أي کنست.

[5] أي أسودت.

[6] بحار الأنوار: ج 43، ص 75.