بازگشت

تمهيد


" القدوة " هو ذلک الإنسان الذي يقود رکب البشرية إلي سبيل السلام. " والأسوة " هو ذلک المثل الأعلي لکل القيَم.

فالأسوة تعني النموذج الکامل، لأفضل ما يفکر فيه الإنسان من خُلق وعمل، بينما القدوة تعني الهاديَ إلي السبيل. بين سبل الحياة المتفرقة.

وإذ نکتب هذه السلسلة. باسم " القدوة والأسوة " فإنما نريد أن نشير إلي أن القادة الذين نشرح سيرة حياتهم ليسوا فقط " قدوة الأمة " بل هم " أسوة الأمة " أيضا.

فکما يجب أن نستنير بهداهم الذي خلّفوه لنا في أقوالهم، فکذلک يجب أن نتأسي بهم في أعمالهم التي عملوها وکانت سنّة للبشر.

ويعتبر من ميزات الرسالات الإلهية أنها تصوغ، جميعا، أشخاصاً مثاليين ليکونوا النموذج الذي يجب أن يعجعله الفرد نصب العين، فيطبق جميع شؤونه وفقه ليتخرج طبقاً لأفضل حياة کريمة.

أما سائر المبادئ فإنها حينما يفشل المنتمون إليها في صياغة نماذج مثاليين، فإنهم يعمدون إلي أحجار جامدة.. وأخشاب صامتة. فيجعلونها الأسوة الرمزية التي يجب عندهم اتِّباع ما يُنسب إليها من الأساطير. وهکذا يحاولون سد الفراغ.. ومن ذلک کانت قديما أنصاف الآلهة التي کانت الشعوب المتخلفة تزعمها نماذج للبطولات الخارقة والأمجاد العظيمة.. ومن ذلک - حديثا - الجندي المجهول، الذي يعتبر رمزاً للفدائي الذي يجب أن يتبع من قِبَلِ سائر المواطنين.

أما في الإسلام، فقد جعل اللـه سبحانه حامل رسالته، أسوة للأمة فقال: (لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِي رَسُولِ اللـه اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الاحزَاب/21) حيث اعتبر الأسوة معصوماً، وقال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي) (النجم/3-4). وهو يعني کونه، لايرتکب أي خطأ ولا يميل إلي أي انحراف. وإن لم يکن کذلک، لبطل کونه أسوة، ولم يصح ان يجعل الرسول سيداً مطاعاً في الخلق إذا أمکن أن يخطئ فيجر إلي تابعيه الويل، وأمکن أن ينحرف فينکب بتابعيه الطريق، وأمکن أن ينجرف إلي الأهواء ويتبع الشهوات فيهوي بالخلق إلي المهاوي بعد أن يبدل حکم السماء ويحرّف کلماته.

ولم تقتصر نعمة اللـه علي المسلمين بجعل النبي أسوة، إذ جعل لهم خلفاء للنبي، وجعل کلاًّ منهم أسوة تتبع، بعد ان جعلهم معصومين عن الزلل.. بل جعل للنساء من الأمة أسوة من جنسهن، تکون رمز الفضائل والقيم، وشاهدة علي مدي صلاحية تعاليم السماء للتطبيق العملي بکلّ تفاصيلها، وفي کلّ المجالات... وتلک هي فاطمة الزهراء (ع).

ففاطمة الزهراء التي أُضيئت هذه الأسطر بقبس من سيرتها الوهّاجة، معصومة شأن سائر الأئمة والأنبياء عليهم صلوات اللـه. فهي إذاً، لاتفعل سوي الحق، ولا تتبع غير الحق، وهي إذاً، قد طبقت تعاليم السماء علي نفسها تطبيقاً کاملاً. وهي - إذاً - قد أصبحت المثل المحتذي في جميع الفعال والخصال، وهي لذلک کله " القدوة، والأسوة ".

فإذا کيَّفنا حياتَنا وفق سيرتِها، وأفکارَنا وفق أفکارها، وتخلَّقنا بمثلِ خُلقها، فقد بلغنا الصواب. لأنها کانت نسخة ناطقةً عن القرآن الکريم، وشاهدة صدقٍ علي واقعية تعاليمه الحياتية.

أقول ذلک في مقدمة هذه الصفحات - لکي نعرف أهمية البحث عن الصِّديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع). لأنها تتصل بحياتنا بصورة مباشرة.