بازگشت

منطلق ذرية الرسول


فما هي الحکمة -يا تري- في ان تشاء الإرادة الإلهية أن تکون ذرية الرسول صلي الله عليه وآله منطلقة من ريحانته الزهراء عليها السلام؟

أن هذه الحکمة تتضح لنا اذا ما عرفنا أن المرأة التي أصبحت في أحيان کثيرة عرضة للاستضعاف والاستغلال وسلب حريتها وکرامتها، هي أحوج ما تکون الي من تقتدي بها في سلوکها وتصرفاتها في نطاق المجتمع والأسرة، لتکون هذه القدوة هي المدافعة عن حقوقها وکرامتها من الإجحاف والتطاول، ولتبثّ في النسوة کافة المعنوية العالية، والثقة بالنفس للدفـاع عـن کرامتهن، والمطالبة بحقوقهن، واستنکار الانحراف والاعوجاج في التعامل الاجتماعي معهنّ، وخصوصا فيما يتعلق باستبداد الرجال واستضعافهم لهنّ.

فلو تعرضت المرأة للظلم الاجتماعي ولم يکن بمقدور أي احد ان يطالب بحقوقها لأسباب قاهرة، فما الذي تصنعه المرأة في هذه الحالة، وکيف تواجه هذا الظلم والإجحاف، وهل تتخذ موقف السکوت والصمت فتتنازل وتتراجع وتستسلم للهزيمة؟

أن ذلک لا يمکن مادامت هناک فاطمة في التأريخ تتحدّي، وتقف في وجه الانحراف والظلم. فهي القدوة التي وقفت تطالب بحقها، لا طمعا فيه، بل لانه حق يجب أن لا تسکت عنه. وفي نفس الوقت فان مطالبتها هذه هي درس لکل الاجيال، وخصوصا الشطر النسوي من المجتمع بأن لا يسکتن عن المطالبة بالحق، وتحقيق العدالة عندما ترتکب المظالم، وتسحق الکرامات.

فالزهراء عليها السلام نزلت الي الساحة السياسية ودافعت عن حقها الذي کان ينطوي في حقيقته علي الدفاع عن الإمامة، والتراث النبوي، وأولوية أهل بيت العصمة عليهم السلام في الإمساک بزمام أمور الأمة.

والمهم في قضية الزهراء عليها السلام تصدّيها بنفسها للدفاع عن الحق، حيث ان هذا الدفاع يمثل في حد ذاته قيمة إلهية، ولاسيّما عندما تنطلق صرخات الاحتجاج والمعارضة من فم امرأة مظلومة کفاطمة.

ومن ذلک کلـه تتجلـي أمامنـا الحکمة الإلهيـة التـي اقتضت أن تکــون

الصديقة الطاهرة عليها السلام هي العقب الطاهر، والامتداد الکريم لرسول رب العالمين. فقد شاء الله تبارک وتعالي أن يمنّ علي البشرية في آخر عهد من عهود الرسالات الإلهية برجل فوق کل الرجال سموّاً وعلوّاً وأخلاقاً رفيعة، وهو محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله؛ وبامرأة هي سيدة نساء أهل الدنيا والآخرة، ورثت علم النبوة والرسالة من أبيها، فکانت المدافعة عن تراثه صلي الله عليه وآله حتي آخر رمق من حياتها الشريفة.

وهکذا لم يکن من اللهو والعبث أو العاطفة الأبوية المحضة قوله صلي الله عليه وآله: "فاطمة؛ أم أبيهـا" [1] ، وحاشاه من ذلک وهو کما قال تعالي: ما ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَمَا غَوَي، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي (النجم/2-5)، فقوله ذلک وقوله الآخر الذي اجمع عليه أهل القبلة کما في موسوعة بحار الأنوار: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" [2] لم يصدرا منه اعتباطا، بل هما تأکيد علي الامتداد والبقاء الرسالي في فاطمة وعلي والذرية الطاهرة من أبناء الحسين عليهم السلام أجمعين.

وهذه الأحاديث وغيرها تعني ان قيم ومفاهيم وتعاليم الإسلام وتشريعاته کادت ان تمحي لولا الجهود التي بذلتها فاطمة الزهراء عليها السلام، ولولا تصدّيها، وهدير خطبتها التاريخية في نساء الأنصار عندما وضعت النقاط علي الحروف، وأبانت الحقائق لکل ذي لبّ.

وهکذا فمن أجل أن تدفع المرأة عن نفسها التردي والابتذال الرخيص اللذين ابتليت بهما في العصر الراهن، فانها لابد لها ان تدافع عن نفسها، وتستنکر التيارات الجاهلية التي تستهدف النيل من عفّتها وکرامتها، وذلک من خلال الاقتداء بالزهراء عليها السلام المرشدة والمعلمة الاولي لکل نساء العالم وعلي امتداد التأريخ. فقد علّمت هذه المرأة العظيمة النساء درس العفاف، وصيانة الشرف والکرامة، وحذّرتهن من الوقوع في شرک الشهوات الرخيصة، وسدّت عليهن عبر سيرتها المبارکة أبسط منفذ من الممکن ان يؤدي بهنّ الي الانحطاط والابتذال.. فدعت المرأة الي ان تحفظ کرامتها وعزّتها، وتصون استقلالها وشخصيتها، وان لاترتضي لنفسها ان تکون دمية واداة بيد طلاّب الشهوات، وحذّرتها من التبرج والتهتک المؤديين الي الانحلال والفساد والانحطاط الأخلاقي.


پاورقي

[1] فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفي، عن المناقب، ج3، ص357.

[2] بحار الانوار ج43 ص291، ح54.