بازگشت

المقدمة


إِنَّآ أَعْطَيْنَاکَ الْکَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الاَبْتَرُ صَدَقَ اللهُ العَليُّ العَظيمْ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا الأکرم محمد وآله الطيبين الطاهرين.

تتوالي الأيام، وتتقادم الليالي، وفاطمة الزهراء عليها السلام قمر يشع، ولا يبلي بهاؤه.. إنها کلمة طيبة ترددها شفاه المؤمنين، ومنهاج يقتدي به الصالحون.. إنها شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أکلها کل حين بإذن ربها.

صحيح إن فاطمة رحلت عن هذه الدنيا إلي عالم الآخرة قبل أکثر من ألف وأربعمائة عام، إلا أنها لم تسکن في زاوية من زوايا التاريخ، ولم ينحصر ذکرها في أسطر مکتوية في صفحات مطويات، بل هي حاضرة في ضمائر المؤمنين في کل عصر ومصر، کما هي حاضرة في ضمائر الأحرار والحرائر من أبناء آدم وبنات حواء. ذلک لأنها نموذج الحق، وقمة الإيمان، ورمز تحدي الظلم ومواجهة الطغيان..

ومن الملفت للنظر؛ أن المؤمنين عـاشوا حياة فاطمة عليها السلام في عقولهم، في سلوکياتهم، في عواطفهم، في طموحاتهم..دون أن يتثاقلوا منها يوما،بل لم يمل منها أحد، وإنما تجد الأرواح تتلهف إليها حبا، والقلوب تهوي إليها شوقا.. دون أن ينصرفوا عنها إلي غيرها، لأنهم وجدوا فيها وعندها کل خير؛ کما الشمس تشرق کل يوم، والناس لا ينظرون إليها إلا حنانا وعطفا ورغبة، لأنها مصدر کل خير ومعدن کل عظمة.

هذا الذي جعل الزهراء عليها السلام عنوان کبير لتأليف مئات الکتب من قبل کبار علماء الأمة وأدبائها.. ولم يتوقف قلم التأليف عنها، بل وهو بذکرها ينعم، وبمآثرها ومواقفها يفتخر.

وها نحن أيضا نکتب عن فاطمة عليها السلام، وقد وجدناها معين ثر، لا ينقص منه شيء مهما غرفت منه.

وقد يقف البعض حائرا أمام شخصية الزهراء عليها السلام، متسائلا ً: کيف دخلت فاطمة التاريخ من أوسع أبوابه، فسجل اسمها علي جبين الدهر، وحفظ حبها في قلوب المؤمنين..ووقف الزمان لها إجلالا بکل لحظاته وعلي امتداد أيامه، وهي لم تعش في هذه الدنيا أکثر من ثمانية عشر سنة وأشهرا؟ فما أقصره من زمن، وما أعظمه من برکة.فيا تري بماذا صارت فاطمة فاطمة؟

إنها ما نالت هذه العظمة إلا من عظمة الإسلام، وقد تجلي الإسلام في کلماتها وشخصيتها وسلوکياتها، حتي أن من يقرأ حياتها يتصور أنه قرأ الإسلام في أفکاره ومعتقداته.. ولم تبخل فاطمة بلحظة من حياتها لتکون في خدمة الإسلام. فمنذ أن فتحت عينيها علي الحياة وإذا بها في شعب أبي طالب تعاني مع الرعيل الأول من المسلمين برفقة رسول الله صلي الله عليه وآله وأم المؤمنين خديجة سلام الله عليها من حصار مشرکي قريش، الذي أذاقهم الجوع والعطش، وأبعدهم عن الناس.. عند ذاک لم تنتظر فاطمة أن تکبر حتي تلتحق بصفوف المناصرين للرسول والرسالة، والمجاهدين في سبيل الله، وإنما علي صغر سنها بادرت بأعمال کبيرة، مما دعا رسول الله أن يناديها بأم أبيها.

ولم ينته دور فاطمة عليها السلام في مکة المکرمة، وإنما امتد مع هجرتها إلي المدينة المنورة، حتي آخر لحظة من حياتها الشريفة، حيث لم تتوان في الدفاع عن إمام زمانها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد نصرته بکل وجودها حتي استشهدت وهي تحمل معها إلي الآخرة آثار الظلم الذي أصابها؛ الضلع المکسور، والوجه الملطوم، والمتن المسود من الضرب..

وبالرغم من القساوة التي واجهتها الزهراء عليها السلام، وشدة الظلم الذي تحملته..غير إن هذا لم يعد عليها وعلي أبنائها ومواليها.. إلا بالروح الوثابة ضد الظالمين، والإصرار علي مواصلة المسيرة الرسالية في الدفاع عن الحق المبين.

وبذلک صارت فاطمة مدرسة عبر التاريخ، يتعلم منها الناس الشجاعة والشهامة، والإباء والتحدي..

وبقيت فاطمة قمرا منيرا لا يأفل، يستضيء بها کل من يرفض الظلام، ويستهدي بها کل من يرفض الضلال.

ولأجل أن نحصل علي شيء من نور فاطمة، من معارفها، من أخلاقها.. اقتطفنا بعضاً من محاضرات سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي التي ألقاها في مناسبات عديدة فيما يخص السيدة فاطمة عليها السلام، ووضعناها في کتاب تحت عنوان: فاطمة الزهراء قدوة الصديقين. راجين من الله تعالي أن يعم نفعها المؤمنين، والله من وراء القصد.

القسم الثقافي

في مکتب آية الله السيد محمد تقي المدرسي

5 / جماد الثاني / 1421 هـ