بازگشت

الطاعة و حسن المعاشرة


کانت الزهراء «عليها السلام» نعم الزوجة لاَمير المؤمنين «عليه السلام» ما عصت له أمراً وما خالفته في شيء ولا خرجت بغير إذنه، وکانت تعينه علي طاعة الله تعالي، وتؤثره علي نفسها، وتدخل عليه البهجة والسرور، حتي إنّه إذا نظر إليها انکشفت عنه الهموم والأحزان.

جاء في روضة الواعظين أن الزهراء «عليها السلام» قالت في مرض موتها لاَمير المؤمنين «عليه السلام»: «يا بن عم، ما عهدتني کاذبة ولا خائنة، ولا خالفتک منذ عاشرتني» فقال «عليه السلام»: «معاذ الله! أنتِ أعلم بالله، وأبرّ وأتقي وأکرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبخک بمخالفتي» [1] .

وبالمقابل کان أمير المؤمنين «عليه السلام» نعم البعل للزهراء «عليها السلام» يغدق عليها من فيض حبّه وعطفه، ويشعرها باخلاصه وودّه لها، وما کان يغضبها ولا يکرهها علي شيء قطّ، وإن أرجف المرجفون علي هذا البيت الطاهر بأراجيف شتي.

عن أمير المؤمنين «عليه السلام» قال: «والله ما أغضبتها ولا أکرهتها علي أمرٍ حتي قبضها الله عزَّ وجلَّ. ولا أغضبتني، ولا عصيت لي أمراً، ولقد کنت أنظر إليها فتنکشف عنّي الهموم والأحزان» [2] .

وضربت الزهراء «عليها السلام» أروع الأمثلة في الصبر علي ألم المعاناة من العمل في داخل المنزل حتي إنّها کانت تغزل جزة الصوف بثلاثة آصع من شعير.

عن تفسير الثعلبي: أن عليّاً «عليه السلام» انطلق إلي يهودي يعالج الصوف، فقال له:


«هل لک أن تعطيني جزةً من صوف تغزلها لک بنت محمد «صلي الله عليه وآله وسلم» بثلاثة آصع من شعير؟» قال: نعم. فأعطاه الصوف والشعير. فقبلت فاطمة «عليها السلام» وأطاعت، وقامت إلي صاع فطحنته وخبزت منه خمسة أقراص [3] .

وعن أنس، قال: إنّ بلالاً أبطأ عن صلاة الصبح، فقال له النبي «صلي الله عليه وآله وسلم»: «ماحبسک؟» فقال: مررت بفاطمة وهي تطحن والصبي يبکي، فقلت لها: إن شئت کفيتک الرحا وکفيتني الصبي، وان شئت کفيتک الصبي وکفيتني الرحال. فقالت: «أنا أرفق بابني منک» فذاک حبسني. قال: «رحمتها رحمک الله» [4] .

وفي مثل هذه الظروف القاهرة کانت «عليها السلام» لا تخرج منها غير کلمة الطاعة، فحينما سألها أمير المؤمنين «عليه السلام» إطعام المسکين الذي طرق بيت الزهراء «عليها السلام» قالت:


أمرک سمعٌ يابن عمّ وطاعة

ما بي من لؤمٍ ولا وضاعة [5] .


ولا تتواني ابنة الرسالة عن أداء مهامها في البيت طاعةً لزوجها علي الرغم من حالة الفقر التي کانت تلفّ حياتها في بيت الزوجية، حتي أن أمير المؤمنين «عليه السلام» رقّ لحالها من شدّة ما تعانيه من أتعاب منزلية.

أخرج السيوطي في مسند فاطمة «عليها السلام» عن هبيرة، عن علي «عليه السلام»، قال:


«قلت لفاطمة «عليها السلام»: لو أتيت النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» تسأليه خادماً، فإنّه قد جهدک الطحن والعمل..؟» [6] .

وعن الحسين بن علي، عن أبيه علي عليهما السلام، أنّه قال لفاطمة «عليها السلام»: «اذهبي إلي أبيک «صلي الله عليه وآله وسلم»، فسليه يعطيک خادماً، يقيک الرحي وحرّ التنور..» [7] .

وعن علي بن أعبد، قال: قال لي علي «عليه السلام»: «ألا أُحدّثک عني وعن فاطمة بنت رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» وکانت من أحبّ أهله إليه؟» قلت: بلي.

قال «عليه السلام»: «إنّها جرّت بالرحي حتي أثّرت في يدها، واستقت بالقربة حتي أثرت في نحرها، وکنست البيت حتي اغبرت ثيابها، وأوقدتالقدرحتيدکنت ثيابها، وأصابها من ذلک ضرّ، فأتي النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» خدمٌ، فقلت: لو أتيت أباک فسألتيه خادماً، فأتته فوجدت عنده حُدّاثاً فاستحيت فرجعت، فأتاها من الغد، فقال: ما کان حاجتک؟ فسکتت، فقلت: أُحدّثک يا رسول الله، جرّت ندي عندي بالرحي حتي أثّرت في يدها، وحملت بالقربة حتي أثّرت في نحرها، وکسحت البيت حتي أغبرّت ثيابها، وأوقدت القدر حتي دکنت ثيابها، فلمّا جاءک الخدم أمرتها أن تأتيک فتستخدمک خادماً يقيها حرّ ما هي فيه.

قال: اتقي الله يا فاطمة، وأدّي فريضة ربک، وأعملي عمل أهلک، إن أخذت مضجعک فسبحي ثلاثاً وثلاثين، وأحمدي ثلاثاً وثلاثين، وکبّري أربعاً وثلاثين، فتلک مائة، فهي خير لک من خادم. فقالت: رضيت عن الله وعن رسوله، ولم يُخدمها» [8] .



پاورقي

[1] بحار الأنوار 43: 191: 20.

[2] کشف الغمة: الاربلي 1: 363. وبحار الأنوار 43: 134. ومناقب الخوارزمي: 247.

[3] إحقاق الحق: الشهيد التستري 10: 264 مکتبة السيد المرعشي ـ قم، عن تفسير الثعلبي.

[4] مسند أحمد 3: 150. ومجمع الزوائد 10: 316. وتاريخ دمشق 10: 332 ـ دمشق. ومجموعة ورّام 2: 230.

[5] تفسير فرات: 521 ـ طهران 1410 هـ. ومناقب ابن شهر آشوب 3: 374. وتذکرة الخواص 314. وتفسير القرطبي 19: 132. واتحاف السائل: 105.

[6] مسند فاطمة «عليها السلام»: السيوطي: 102 عن ابن جرير.

[7] مسند فاطمة «عليها السلام»: السيوطي: 103 عن أبي نعيم.

[8] مسند فاطمة «عليها السلام»: السيوطي: 110 عن أبي داود، والعسکري في المواعظ، وأبي نعيم، وعبدالله بن أحمد بن حنبل.