بازگشت

تاريخ الولادة


اختلف المحدثون والمؤرخون عند الفريقين في تاريخ ولادة


الزهراء «عليها السلام»، والمشهور بين علماء الإمامية أنّه في يوم الجمعة العشرين من شهر جمادي الثانية من السنة الخامسة بعد البعثة النبوية، وبعد الاسراء بثلاث سنين [1] .

وعمدتهم في ذلک ما روي عن الأئمة الأطهار عليهم السلام فقد روي بالاسناد عن حبيب السجستاني، قال: سمعت أبا جعفر «عليه السلام» يقول: «ولدت فاطمة بنت محمد «صلي الله عليه وآله وسلم» بعد مبعث رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» بخمس سنين» [2] .

وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله «عليه السلام» قال: «ولدت فاطمة في جمادي الآخرة يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي «صلي الله عليه وآله وسلم»» [3] .

وروي نصر بن علي الجهضمي، عن الإمام علي بن موسي الرضا «عليه السلام»، قال: «ولدت فاطمة بعدما أظهر الله نبوته «صلي الله عليه وآله وسلم» بخمس سنين» [4] .

وقيل أيضاً: کان مولد السيدة الزهراء «عليها السلام» في العشرين من جمادي الآخرة سنة اثنتين من المبعث [5] .

وقال أکثر علماء العامة: إنّها «عليها السلام» ولدت قبل البعثة، واختلفوا في عدد السنوات، فقيل: ولدت وقريش تبني البيت الحرام قبل النبوة بخمس سنين، ورسول الله صلّي الله عليه وآله وسلم ابن خمس وثلاثين سنة، أخرجه سبط ابن الجوزي عن علماء السير [6] ، والمحبّ الطبري عن الدولابي [7] ، وابن حجرعن الواقدي


والمدائني [8] .

وعن محمد بن إسحاق، کان مولدها حين بنت قريش الکعبة قبل مبعث النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» بسبع سنين وستة أشهر [9] .

وروي الحاکم وابن عبدالبرّ عن عبدالله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي، عن أبيه، عن جدّه، قال: ولدت فاطمة «عليها السلام» سنة إحدي وأربعين من مولد النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» أي بعد المبعث بسنة [10] .

هذا هو معظم ماقيل في تاريخ ولادتها «عليها السلام» ومنه يتضح أنه مورد اختلاف بين علماء الإسلام، ونحن نرجّح ما روي عن أبناء الزهراء «عليها السلام» الأئمة المعصومين عليهم السلام لاَنّهم أعرف بتاريخ أُمّهم، والمروي عنهم کما تقدم أنها ولدت لخمس سنين بعد البعثة، وقولهم مقدم علي أقوال غيرهم.

ويؤيده عدّة قرائن:

منها: ما أخرجه المحبّ الطبري عن الملاّء في سيرته قال: إنّ خديجة لمّا أرادت أن تضع فاطمة «عليها السلام» بعثت إلي نساء قريش ليأتينها، فيلين منها ما يلي النساء ممّن تلد، فلم يفعلن وقلن: لانأتيک وقد صرت زوجة محمد «صلي الله عليه وآله وسلم» [11] ، وإنّما قاطعن خديجة «عليها السلام» بعد ظهور الرسالة ونزول الوحي.

ومنها: ما أخرجه سبط ابن الجوزي عن أحمد في (الفضائل) عن عبدالله


ابن بريدة، قال: خطب أبو بکر فاطمة «عليها السلام» فقال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: «إنّها صغيرة، وإنّي انتظر بها القضاء» [12] ، ورواه الحاکم والنسائي [13] ، ولا يصح الاعتذار بصغر سنها لو کانت ولادتها قبل المبعث بخمس سنين؛ لاَنّ أبا بکر تعرّض لخطبتها «عليها السلام» بعد الهجرة، وعمرها علي هذا الحساب ثماني عشرة سنة أو أکثر.

ويدلُّ علي أن ولادتها «عليها السلام» کانت بعد البعثة الأحاديث الکثيرة التي تنصُّ علي أن تسميتها کانت بأمر الله تعالي لرسوله «صلي الله عليه وآله وسلم»، ومن ذلک ما رواه ابن عباس عنه «صلي الله عليه وآله وسلم» قال: «وإنّما سمّاها فاطمة، لاَنّ الله عزَّ وجلّ فطمها ومحبيها عن النار» [14] .

وعن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: لما ولدت فاطمة «عليها السلام» أوحي الله تعالي إلي ملک فأنطق به لسان محمد «صلي الله عليه وآله وسلم» فسمّاها فاطمة [15] .

وهذا التاريخ يناسب ما روي عن عائشة وسعد بن مالک وابن عباس وغيرهم، أنّ رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» قال: «لما أُسري بي إلي السماء أدخلت الجنة، فوقعت علي شجرةٍ من أشجار الجنة، لم أرَ في الجنة أحسن منها، ولا أبيض ورقا ً، ولاأطيب ثمراً، فتناولت ثمرة من ثمراتها فأکلتها، فصارت نطفة، فإذا أنا اشتقت إلي ريح الجنة شممت ريح فاطمة» [16] ، وفي لفظ آخر: «فهي


حوراء إنسية، کلّما اشتقت إلي الجنة قبلتها» [17] .

ومناسبة هذا الحديث للتاريخ المذکور عن أهل البيت عليهم السلام في ولادتها، تأتي لکون الاسراء وقع بعد البعثة بنحو ثلاث سنين بلا خلاف، فهذا الحديث حاکم علي بطلان الأقوال المصرحة بالولادة قبل البعثة.

قد يقال: إنّ عمر خديجة «عليها السلام» حين الزواج بالنبي «صلي الله عليه وآله وسلم» أربعون سنة، وکان النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» ابن خمس وعشرين سنة، ونزل عليه الوحي في سنّ الأربعين، فإذا ولدت الزهراء «عليها السلام» بعد مضي خمس سنين من نزول الوحي، يکون عمر أُمّها عند الحمل بها ستين سنة، وذلک أمر مستبعد للعادة.

وفيه: أنّ المنقول عن ابن عباس وابن حمّاد، أنّ عمر خديجة «عليها السلام» حين تزوجها النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» کان ثماني وعشرين سنة [18] .

وقد أيّد هذا بعض المؤرخين وعلماء الأنساب [19] .

ولهذا قال ابن العماد الحنبلي: «رجّح کثيرون أنّها عند الزواج بالنبي «صلي الله عليه وآله وسلم» کانت ابنة ثماني وعشرين سنة» [20] .

ولا يخفي بأنّ القول بصحة الرأي الأخير يسقط أصل الإشکال، إذ سيکون عمر خديجة «عليها السلام» حين البعثة المشرّفة ثلاث وأربعين سنة، وحين


ولادة سيدة نساء العالمين «عليها السلام» ثماني وأربعين سنة، وحمل القرشية في هذه السن من المتعارف عليه ولا نقاش فيه، وله مصاديق جمّة قديماً وحديثاً.

وعلي القول بأنّ عمر خديجة «عليها السلام» عند الحمل بها ستون سنةً، فإنّ حمل المرأة في مثل هذه السنّ، وإن کان متعذّراً في غالب النساء، إلاّ أنّ إمکان أن تري القرشية والنبطية دم الحيض في هذه السنّ غير مستبعد، بل هو من المشهور في فقه الفريقين [21] .

نعم، هو أقصي مدة ليأس القرشية والنبطية عندهم، وقد أکدته بعض الروايات المعتبرة المسندة إلي أهل البيت عليهم السلام [22] وأمّ المؤمنين خديجة الکبري «عليها السلام» قرشية بالاتفاق، وبهذا تکون من مصاديق فتاوي الفقهاء وروايات أهل البيت عليهم السلام.


پاورقي

[1] راجع: الکافي: الکليني 1: 458، دار الکتب الإسلامية ـ طهران. کشف الغمة: الاربلي 1: 449 ـ تبريز. ودلائل الإمامة: الطبري: 79، مؤسسة البعثة ـ قم. والمناقب: ابن شهر آشوب 3: 357، دار الأضواء.

[2] الکافي 1: 457: 10.

[3] دلائل الإمامة: 79: 18. وبحار الأنوار 43: 9: 16.

[4] تاريخ الأئمة: ابن أبي الثلج: 6 ـ ضمن مجموعة نفيسة ـ مکتبة السيد المرعشي ـ قم.

[5] المصباح: الکفعمي: 512، دار الکتب العلمية ـ قم.

[6] تذکرة الخواص: سبط ابن الجوزي: 306، مکتبة نينوي. واتحاف السائل: المناوي: 23، مکتبة

[7] ذخائر العقبي: المحب الطبري: 53، دار المعرفة ـ بيروت.

[8] الإصابة 4: 377.

[9] الثغور الباسمة: السيوطي: 158، مرکز الدراسات والبحوث العلمية ـ بيروت.

[10] مستدرک الحاکم 3: 161. والاستيعاب 4: 374.

[11] ذخائر العقبي: 44. ونحوه في أمالي الصدوق: 690: 947، تحقيق مؤسسة البعثة ـ قم.

[12] تذکرة الخواص: 306.

[13] مستدرک الحاکم 2: 167. وسنن النسائي 6: 62، دار الکتاب العربي ـ بيروت.

[14] ذخائر العقبي: 26.

[15] علل الشرائع: الشيخ الصدوق: 179: 4، مکتبة الداوري ـ قم. والکافي 1: 460: 6.

[16] الدر المنثور: السيوطي 5: 218، دار الفکر ـ بيروت. والمعجم الکبير: الطبراني 22: 400: 1000، دار إحياء التراث العربي. ونحوه في مستدرک الحاکم 3: 156. وذخائر العقبي: 36. وعلل الشرائع 1: 183. ومقتل الحسين «عليه السلام»: الخوارزمي 1: 63 و 68، مکتبة المفيد ـ قم وفرائد السمطين: الجويني 2: 61: 386، مؤسسة المحمودي. ومجمع الزوائد: الهيثمي 9: 202، دار الکتاب العربي ـ بيروت. والمناقب: ابن المغازلي: 357 ـ 359: 406 ـ 407، دار الکتب الإسلامية ـ طهران. ومسند فاطمة الزهراء «عليها السلام»: السيوطي: 51، حيدر آباد ـ الهند.

[17] تاريخ بغداد: الخطيب 5: 87، دار الکتب العلمية.

[18] کشف الغمة: الاربلي 2: 510 و 513.

[19] أنساب الأشراف: البلاذري 1: 108، دار الفکر ـ بيروت. والمحبر: ابن حبيب: 79، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.

[20] شذرات الذهب: ابن العماد الحنبلي 1: 14 في حوادث سنة 11 هـ، دار احياء التراث العربي ـ بيروت.

[21] تذکرة الفقهاء: العلامة الحلي 1: 252. والمغني: ابن قدامة 1: 406. والشرح الکبير 1: 352.

[22] الکافي: الکليني 3: 107: 2 و 3 و 4. وتهذيب الأحکام: الشيخ الطوسي 7: 469: 1881.