بازگشت

المقدمة


الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم علي الحبيب المصطفي الأمين وآله الهداة الميامين سيّما قرة عين النبي، وبهجة قلب الوصي، ثمرة النبوة، ووعاء الإمامة، أُمّ الحسنين، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء «عليها السلام» هالة النور والجلال وسليلة العزّ والعظمة والشرف الذي لا تنازع فيه.

وبعد:

فالزهراء... المثل الأعلي الذي قدّمته الرسالة الإلهية للمرأة، فقد صاغتها يد العناية الربانية أيّة صياغة لتکون قدوةً للحياة الکريمة، واُسوةً للفضائل والقيم الإنسانية، فهي نسخة ناطقة بتعاليم الوحي الالهي، صدّيقة لا تفعل غير الحق، ولا تتبع سوي الهدي.

فحريٌّ بنا أن ندرس سيرة الزهراء البتول «عليها السلام»، ونسلط الضوء علي مراحل حياتها، کي نجعل نصب أعيننا المثل الإسلامية العليا التي تجسدت في الزهراء، فکراً ونهجاً وسلوکاً.

فزواج الزهراء «عليها السلام» مثلاً بما فيه من تواضع المهر، وبساطة المراسيم، وسمو الخلق والمثل ومباديء الدين علي مظاهر البذخ والترف، وما يتبعه من حسن التبعّل وطيب المعاشرة مع ابن عمها الوصيّ المرتضي أمير المؤمنين «عليه السلام» وتربيتها سبطي النبي الأکرم وإمامي الرحمة الحسن والحسين عليهما السلام، کلّ ذلک يعکس لنا أبعاد الرسالة الإسلامية السمحة التي رسمها الإسلام للزواج الذي ارتضاه خالق الوجود، ويرسم لنا صورة عن


حقوق المرأة وواجباتها ومدي فاعليتها في الاسهام ببناء المجتمع وتطويره.

أما مواقف الحوراء «عليها السلام» بعد وفاة أبيها المصطفي «صلي الله عليه وآله وسلم»، فعلي الرغم مما تثيره فينا وفي وجدان کلّ مسلم حرّ من أشجان ولوعة، لما فيها من أحداث تزلزل الجبال وتهدّ الصمّ الصلاب، فإننا نلمس من خلالها الشجاعة والثبات ورباطة الجأش وقوة النفس التي تحلّت بها ابنة النبوة الزهراء الطاهرة «عليها السلام» في الدفاع عن مباديء الإسلام ومثله وإثبات العقيدة الحقّة، حينما لاثت خمارها علي رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» فدخلت علي أُمّةٍ انقلبت علي أعقابها، ورسولها لمّا يجف تراب رمسه، فاغتصبت بالأمس مجداً سجّلته السماء لاَهل بيت النبوة، واهتضمت اليوم نحلتها في فدک، ولم ترعَ وصية أبيها «صلي الله عليه وآله وسلم» فيها: «فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما يؤذيها» وکأنها ما سمعته «صلي الله عليه وآله وسلم» وهو يقول: «إنّ الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها»!

فاتخذت الزهراء «عليها السلام» من الکلمة سيفاً ومن الحجة سناناً، لتلقي الحجة وتنبه علي الفتنة وتعرّي أساس السلطة، وتقوّض أرکانها بخطابها الذي کان آيةً في البلاغة وغايةً في الفصاحة، لتقول: «أيُّها الناس، اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد «صلي الله عليه وآله وسلم» فلمّا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوي أصفيائه، ظهر فيکم حسيکة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق کاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين... فوسمتم غير إبلکم، وأوردتم غير شربکم، هذا والعهد قريب، والکلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرسول لمّا يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة (ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنم لمحيطة بالکافرين).. ألا وقد قلت ما قلت علي معرفة منّي بالخذلة التي خامرتکم، والغدرة التي استشعرتها


قلوبکم، ولکنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثّة الصدر، وتقدمة الحجة..».

وفي موقف الزهراء «عليها السلام» من أحداث السقيفة ومما جري عليها من الظلم والعدوان، نستلهم دروساً من العظمة والإباء في التصدي للانحراف والطغيان والدفاع عن مباديء الحقّ وإقامة السُنّة وإماتة البدعة.

وهکذا عندما نقف علي الجوانب الاُخر من حياة الزهراء «عليها السلام» فإنّما نقف علي أوسع مدي لمثل الإسلام وکل صفات الفضيلة والکمال وقيم الشرف والجلال وسبل الهداية والصلاح والرشاد.

يقول الاستاذ العقاد: في کلِّ دين صورة للانوثة الکاملة المقدسة، يتخشع بتقديسها المؤمنون، کأنما هي آية الله فيما خلق من ذکرٍ وأنثي، فإذا تقدست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام لا جَرَم تتقدّس صورة فاطمة البتول [1] .

ولا ريب أنّ الزهراء «عليها السلام» صورة للانوثة الکاملة لبنات حواء، لاَنّها سيدة نساء العالمين بنصّ أبيها الرسول المصطفي «صلي الله عليه وآله وسلم»، فما أحوجنا ونحن نعيش في عالمٍ يغرق بالمادة وتتساقط فيه المثل والقيم العليا أن تتعرف نساؤنا المسلمات علي القدوة المثلي والاُسوة الحسنة للنساء في الإسلام، وأن يقتدين بسيرتها، ويستلهمن منها دروس الحياة لتربية الأجيال وتوجيهها لما فيه الصلاح والهداية، مما سينير مستقبل البشرية، ويسهم في بناء انسانٍ تحيا فيه المثل الاخلاقية والعقيدة الحقّة.

وقد التفت المحدثون والمؤرخون والباحثون ومنذ القدم إلي أسرار العظمة في حياة الزهراء «عليها السلام» فأفردوا لها مصنفات خاصّة کابن شاهين والبغوي والحاکم النيسابوري والطبري والمناوي والسيوطي وابن دينار


والجلودي وأبي مخنف وابن عقدة وغيرهم، ناهيک عن مصنفات المتأخرين التي تجاوزت المئتين وناهيک عن التراجم التي جاءت في کتب السير والتواريخ والحديث.

وحاولنا في هذا البحث الموجز أن نقدّم إلمامةً عن بعض جوانب حياة سيدة النساء، آملين أن تسهم في الکشف عن أسرار عظمتها والتعرّف علي فضائلها ومکارم أخلاقها.

ومن الله التوفيق



پاورقي

[1] أهل البيت عليهم السلام: توفيق أبو علم: 128 مطبعة السعادة ـ مصر.