بازگشت

وقفة قصيرة


والنقاط التي نريد اثارتها هنا هي التالية:

1 ـ إن هذا البعض يقول: إنه لم ينکر ما جري علي الزهراء (ع) وإنما أثار علامات استفهام. والذي نورده في هذا الفصل من استدلالات مختلفة له هي استدلالات علي عدم حصول هذا الأمر.. فهو يقول: "أشک"، ولکنه يقيم عشرات الادلة علي النفي..

2 ـ إن هذا البعض يعترف بأن الزهراء قد ظلمت في غصب فدک، وفي تهديدها بالإحراق، وفي غصبهم الخلافة من علي عليه السلام.

ثم إنه هو نفسه يستدل علي نفي حصول الضرب، وإسقاط الجنين، وکسر الضلع، بأن ذلک لو صح، فقد کان اللازم أن تذکر ذلک لأبي بکر وعمر، حينما جاءا ليسترضياها..

ونقول في جوابه:

لماذا لم تذکر الزهراء جرائمهم في غصب فدک، والخلافة والتهديد بالإحراق للشيخين حينما جاءاها ليسترضياها؟..

فإذا کان اللازم أن تذکر لهما ضربها، وإسقاط جنينها وکسر ضلعها، فان اللازم أيضاً: أن تذکر لهما ما يعترف هو بحصوله أيضاً من انهم هددوها بالإحراق علي الأقل و.. و..

3 ـ إن الزهراء قد تحدثت حين جاءها الشيخان بصورة کلية وعامة، فذکرت لهما أنهما آذياها وأغضباها.. وأنها لن ترضي عنهما. ولو أنها ذکرت ما أصابها من ضرب وسقط جنين وغير ذلک، لکانت قد مکنتهم من تشويه القضية، بإشاعة: أن القضية مجرد حنق شخصي، وسيقولون للناس: إنه قد کان علي الزهراء أن تکون أکثر مرونة وتسامحاً، حيث إن العفو هو سبيل الإنسان المؤمن. وفي ذلک تضييع للقضية الأساس والأهم، بل هو يستبطن الطعن في شخصية سيدة نساء العالمين، والتي يرضي الله لرضاها، ويغضب لغضبها، حيث إن ذلک يظهرها بمظهر من يهتم بنفسه أکثر مما يهتم بقضايا الدين، والإسلام والإيمان.

4 ـ إن عدم الاحتجاج بأمر لا يدل علي عدم وقوع ذلک الامر، إذ قد تحصل موانع من الاحتجاج به.

ثم إن ما فعله هؤلاء لم يکن بالأمر الخافي علي أحد، فلا فائدة من الاحتجاج به، إلا إذا کان ثمة ضرورة لإحراجهم بإلزامهم بالامر. حيث يکون لهذا الإلزام فائدة وليس ثمة من عائدة، لأنهم کانوا مصرين علي ما فعلوه. حتي إنهم لم يعترفوا لها ولو بغصب فدک، فمن لا يتراجع عن هذا الأمر الصغير، هل يتراجع عن ذلک الأمر الکبير والخطير؟!..

5 ـ بالنسبة لرواية دلائل الإمامة، نقول لهذا البعض: إن راويها هو عبد الله بن سنان الذي يعترف هذا البعض نفسه بوثاقته، فسند الرواية صحيح. وليس هو محمد بن سنان، کما زعم هذا البعض..

ولا ندري ما هو السبب في تغييره وتبديله في سند هذه الرواية، لينقلب الأمر في وثاقة راويها رأساً علي عقب..

6 ـ ما معني قوله: ليس ثمة دليل شرعي علي أنهم ضربوها، واحرقوا الباب، وکسروا الضلع.. أليس قد ذکرنا في کتابنا مأساة الزهراء مئات الروايات والنصوص الدالة علي ذلک کله؟! فإذا لم يکن هذا دليلاً شرعياً، فما هو الدليل الشرعي الذي يطلب؟!..

7 ـ إن کون ضرب المرأة عيباً لا يعني عدم ارتکابهم لهذا العيب إذا وجدوا أن أمراً خطيراً جداً سوف يخسرونه کما هو الحال هنا [1] .

8 ـ قد جلدت السيدة زينب بالسياط کما ذکر هذا البعض نفسه وکذا سائر السبايا..

وکان المشرکون يعذبون النساء في مکة، حتي ماتت سمية أم عمار بن ياسر تحت التعذيب، وقد اعترف عمر نفسه بأنه کان يعذب جارية بني مؤمل.

ولما مات عثمان بن مظعون بکت النساء فجعل عمر يضربهن.

وأهدر النبي (ص) دم هبار بن الاسود، لاجل ما کان منه في حق زينب.

وضرب عمر النساء ومنهن أم فروة اخت أبي بکر لأنها بکت أخاها؟.. إلي غير ذلک مما لا مجال لاستقصائه؟؟!..

9 ـ لا ندري بعد کل ما قدمناه متي کانت أقوال الرجال حجة في اثبات الحقائق أو نفيها؟.. فعلام إذن يستشهد بکلام کاشف الغطاء يا تري؟!..

علي أن کاشف الغطاء لا ينفي مظلومية الزهراء بصورة قاطعة، بل هو يعبر عن حيرته وذهوله.. من هذا الأمر الفظيع الذي جري علي بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله). وقد تحدث في شعره عن مظلومية الزهراء، فقال:

وفي الطفوف سقوط السبط منجدلاً من سقط محسن خلف الباب منهجه

وبالخيام ضرام النار من حطب بباب دار ابنة الهادي تأججه

ولاجل ذلک، فإننا نري أن کلام هذا الرجل ربما يکون قد جاء للإجابة علي سؤال من قبل من يقدس أولئک المهاجمين، فجاءت اجابته رحمه الله کافية لبيان الحقيقة من جهة، ولا تثير حساسية هذا النوع من الناس من جهة أخري.

وإن من يلاحظ کلماته في جنة المأوي ص83، ابتداء من قوله: طفحت، واستفاضت کتب الشيعة.. وانتهاء بقوله: ما يعد أعظم وأفظع، يجد صحة هذا الذي ذکرناه. حيث إنه قد اکد علي حدوث هذه المظالم في حق الصديقة الطاهرة عليها السلام بما لا مزيد عليه.

10 ـ أما بالنسبة لقوله:

"ان الناس لن يسکتوا علي امر العدوان علي الزهراء، لحبهم لها، ولمکانتها في نفوسهم..".

فجوابه واضح: اذ إن هؤلاء الناس أنفسهم قد قالوا لرسول الله، وهو مريض، وقد أراد أن يکتب لهم کتاباً لن يضلوا بعده: إن النبي ليهجر.. إلا أن ينکر هذا البعض حتي صدور هذا منهم إذ: (من أجل عين ألف عين تکرم).

کما أن سبط رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة قد قتل هو و ولده وأصحابه وسبيت النساء والأطفال..

أضف إلي ذلک: أن هذا البعض يعترف بجمع الحطب والتهديد بالإحراق.. فأين کانت غيرة الناس آنئذ يا تري؟!.

11 ـ وحول عدم ذکر علي (عليه السلام) لهذا الأمر في حجاجه واحتجاجه مع انه امر يثير الجماهير ضد غاصبي الخلافة فقد بات واضحاً أن علياً (ع) نفسه قد أوضح بما لا مزيد عليه أن الامر لا يتحمل أية إثارة، فان الإسلام کان في خطر شديد وأکيد.

أضف إلي ذلک أن الامر لم يکن خافياً علي أحد. فلا داعي إلي ذکره مع هذا الحضور الشديد له في الأذهان.

مع أن الجراح الشخصية، والآلام الروحية يمکن حل عقدتها ببعض الکلام المعسول، وبالخضوع الظاهري منهم والاعتذار، وتضيع القضية الکبري. وقد تحدثنا عن ذلک في کتاب مأساة الزهراء ج1 ص204 فراجع.

الروايات التي تتحدث عن مظلوميتها متضافرة ومستفيضـة.

روايات المظلومية تکاد تکون متواترة..

هل کشف دار فاطمة، أم کشف بيتها؟!..

حرق الدار لم يتأکد له.

کسر الضلع لم يتأکد له.

إسقاط الجنين لم يتأکد له.

لطم خد الزهراء(ع) لم يتأکد له.

ضرب الزهراء(ع) لم يتأکد له.

مظالم الزهراء الأخري لم تتأکد له أيضاً.

المفيد شکک في وجود ولد اسمه (محسن).

المفيد يشکک في إسقاط الجنين ونحن نوافقه.

کثير ممن هجم علي دارها کان قلبه ينبض بمحبتها.

المتيقن هو کشف دار فاطمة والتهديد بالإحراق.

يقول البعض:

"ولا نجازف إذا قلنا: إن الروايات التي تتحدث عن مظلوميتها متضافرة ومستفيضة، بل تکاد تکون متواترة" [2] .

ويقول:

"ولأجل هذه المحبة والقدسية التي يحملها المجتمع المسلم للزهراء (ع) رأينا أنه عندما هجم علي دارها من هجم بقصد الإساءة وهّددوا بإحراق البيت کان الاستنکار الوحيد أن في البيت فاطمة، ولم يقولوا: إن في البيت علياً، ولا الحسنين، ولا زينب، بل إن فيه فاطمة، ما يدل علي أنها کانت تعيش في عمق وجدان المسلمين، وتستحوذ علي محبتهم، حتي إن کثيراً ممّن هجم علي دارها مع المهاجمين کان قلبه ينبض بمحبتها. ولهذا انصرف باکياً عندما سمع صوتها [3] وهکذا وجدنا المسلمين تفاعلوا مع خطبتها، التي خطبتها بعد وفاة الرسول(ص)، وغصب الـخلافة، ومصادرة فدک، وتأثروا کثيراً لکلامها، حتي أنه لم ير الناس أکثر باک ولا باکية منهم يومئذ" [4] .

ويقول:

"هناک بعض الحوادث التي تعرضت لها مما لم تتأکد لنا بشکل قاطع وجازم، کما في مسألة حرق الدار فعلاً، وکسر الضلع، وإسقاط الجنين، ولطم خدها، وضربها.. ونحو ذلک مما نقل إلينا من خلال روايات يمکن طرح بعض علامات الاستفهام حولها، إما من ناحية المتن وإما من ناحية السند. وشأنها شأن الکثير من الروايات التاريخية.

ولذا فقد أثرنا بعض الاستفهامات کما أثارها بعض علمائنا السابقين رضوان الله عليهم، کالشيخ المفيد الذي يظهر منه التشکيک في مسألة إسقاط الجنين، بل في أصل وجوده، وإن کنا لا نوافقه علي الثاني.. ولکننا لم نصل إلي حد النفي لهذه الحوادث، کما فعل الشيخ محمد حسين کاشف الغطاء (قده) بالنسبة لضربها، ولطم خدها، لأن النفي يحتاج إلي دليل، کما أن الإثبات يحتاج إلي دليل، ولکن القدر المتيقن من خلال الروايات المستفيضة بل المتواترة تواتراً إجمالياً هو الاعتداء عليها من خلال کشف دارها، والهجوم عليه والتهديد بالإحراق، وهذا کان للتدليل علي حجم الجريمة التي حصلت.. هذه الجريمة التي أرقت حتي مرتکبيها، ولذا قال الخليفة الأول لما دنت الوفاة ليتني لم أکشف بيت فاطمة، ولو أعلن علي الحرب" [5] .

ويقول:

"ان الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ في کتاب الإرشاد يشکک في وجود محسن فيقول: وينقل بعض الشيعة أنه أسقطت ولدأً سماه رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وهو حمل محسنا؛ فعلي قول هذه الطائفة من الشيعة يکون أولاد علي (ع) ثمانية وعشرين ولـداً" [6] .


پاورقي

[1] راجع: للإنسان والحياة ص 271.

[2] الزهراء، القدرة ص 107.

[3] شرح نهج البلاغة، ابن إبي الحديد المعتزلي ج16.

[4] الزهراء القدوة ص160و161.

[5] الزهراء القدوة ص 109 و110.

[6] راجع أجوبة هذا البعض علي آية الله التبريزي، الجواز رقم 17.