بازگشت

وقفة قصيرة


ونقول:

1 ـ ما المبرر لطرح احتمال نسيان يوسف لأهله.. وطرح احتمال نسيان أهله له، حتي تحولوا لدي بعضهم البعض إلي ذکري تغيب عن الفکر أمام ضغط الأحداث المتلاحقة؟!.

وإذا کانت الذکري للأهل تغيب عن الفکر أمام ضغط الأحداث المتلاحقة فهل يصح اعتبار الأهل قد نسوا ولدهم، والولد قد نسي أهله في حالات الإنصراف الذهني حين الإنشغال بالعمل، وذلک يکون حتي حين يکون الولد جالساً إلي جنب أبيه وأمه؟!.

وهل الأنبياء کانوا يعانون من ضعف الذاکرة إلي هذا الحد؟! وما معني أن ينسب مثل هذا الأمر إليهم؟!

2 ـ ما معني تصويره لحالة يوسف حينما رأي إخوته، فعرفهم وهم له منکرون.. علي أنها کانت بمثابة الصدمة له؟!! وهل يصح استعمال أمثال هذه التعابير في حق أنبياء الله سبحانه؟!

3 ـ من أين استنبط هذا الحدث حتي أخبر عنه علي أنه حقيقة واقعة؟! ومن أين عرف أن ملامحهم لم يحدث فيها تغيير يذکر؟ وما هو الدليل القطعي الذي يثبت له ذلک؟! أو فقل: ما هي الأخبار المتواترة أو غير المتواترة التي تثبت هذا؟

4 ـ إننا نعتقد أن يوسف الذي کان يعيش آفاق النبوة لا يمکن أن ينشغل عن أهله، وأن ينساهم مهما طال الزمن، خصوصاً بالنسبة لأبيه النبي العظيم [1] الذي يرتبط به روحياً وإيمانياً، ـ قبل أن يرتبط به جسدياً ـ وبصورة أعمق وأوثق من أي رباط آخر بنحو يتناسب مع الآفاق التي يعيشها الأنبياء، والمسؤوليات التي يحملونها.

کما أن يعقوب لا يمکن أن ينسي ولده لنفس السبب الذي اشرنا إليه، وقد طال حزنه عليه حتي ابيضت عيناه من الحزن. وقد صرح القرآن بأنه لم يکف عن ذکر يوسف طيلة تلک المدة، حتي قال له ابناؤه: تالله تفتؤ تذکر يوسف حتي تکون حرضاً أو تکون من الهالکين.. فمن کانت هذه حاله کيف يقال: إن أهله نسوه.. وإذا کان بعضهم يوشک أن ينساه فإن حزن يعقوب وبکاءه عليه يمنع من حدوث هذا النسيان.

5 ـ قد صرح هذا البعض:

"بأن يوسف قد عرف أسماء اخوته ومواقع بلادهم من خلال أسئلته التي وجهها لهم، فساهم ذلک في تذکره لهم ".

فهل يريد هذا البعض أن يقول: إن يوسف الذي أصبح علي خزائن الأرض، وصار له هذا الشأن العظيم، إنما لم يستخدم موقعه ونفوذه، والوسائل المتوفرة لديه في السؤال عن أهله، ومعرفة أخبارهم، وکذلک لم يأت بهم من البدو بسبب النسيان الذي طرأ عليه بسبب ضغط الأحداث المتلاحقة؟!

وهل يعقل أن لا يخطر له علي بال أبداً طيلة سنين، وسنين أن له أباً وأماً، وأن له إخوة وأنهم قريبون منه.. وأنهم هم الذين أوقعوه بالمصائب، والبلايا؟!.

ألم يمر في وهمه أي خاطر من هذا القبيل ولو حين يأوي إلي فراشه فيدفعه ذلک إلي السؤال عن منطقتهم، وعن أحوالهم، وعن مصيرهم؟! إن ذلک لغريب حقاً، وأي غريب!!

إننا نبادر إلي القول بأن يوسف الذي هو نبي اصطفاه الله لا يمکن أن ينسي مسؤوليته الشرعية تجاه أبويه علي الأقل، ولزوم التعرف علي أخبارهما، لأداء واجب البر بهما وصلة رحمهما، التي هي من الواجبات..

وإن ما جري لم يکن يجري في صراط النسيان والغفلة ـ وحاشاه من ذلک وهو نبي الله سبحانه ـ ثم التذکر حين مواجهة الصدمة (!!) علي حد تعبير البعض بل کانت الأمور تجري في نطاق الخطة الإلهية، والرعاية الربانية لأنبيائه ورسله، وتسديدهم فيما يعملون له من نشر راية الحق والهدي، والفلاح والصلاح بنجاح. وهکذا کان..


پاورقي

[1] وکذلک بنيامين، بناء علي کونه نبيا.