بازگشت

تفسير الآيات


إننا نستفيد من الآيات الکريمة، ما يدل علي عدم صحة ما ذکره هذا البعض، فلاحظ ما يلي:

1 ـ إننا لا نجد أي دليل علي أن هذه القضية قد حصلت لإبراهيم في زمان طفولته، بل في الآيات ما يشير إلي خلاف ذلک، وأن ذلک کان في مقام الاحتجاج علي قومه.

2 ـ إن ما يلفت نظرنا أنه حين طلع الصباح علي إبراهيم (ع)، ورأي أفول الکوکب وانحسار نوره، لم يتوجه إلي الشمس التي ظهرت له، بل انتظر إلي الليل، ليتوجه إلي القمر، ليخاطبه بذلک الخطاب: (هذا ربي)!! فلما أفل، وطلع الفجر مرة أخري، وأشرقت الشمس، توجه إليها ليعتقد أنها هي ربه الحقيقي. حسبما شرحه لنا ذلک البعض(!!).

فلماذا ترکها في اليوم الأول حين أفول النجم، وانتظر إلي الليل ليعتقد بألوهية القمر دونها؟!. أم أنه قد نام النهار کله من شروق الشمس إلي غروبها، فلم ير الشمس، حتي ولو في ساعة من نهار؟!. أو أنه قد دخل کهفاً مظلماً، ولم يتذکر وجود الشمس، ولا التفت إليه؟!

3 ـ إن نفس ذلک البعض يقر بأن إبراهيم (ع) کان يري الشمس قبل ذلک في سنوات طفولته، وکان يري القمر والکواکب أيضا ـ فلماذا لم يعتقد بربوبيتها منذئذٍ؟!. أو لماذا لم يتساءل عن هذا الأمر؟!. ولماذا لم يدرک أن الشمس أکبر من القمر والکواکب فور رؤيته لها طالما أنه قد رآها؟. أم أنه يريد تأکيد طفولة وبراءة إبراهيم من خلال عبارة (هذا اکبر) أو (لا أحب)؟.

4 ـ لماذا التزم إبراهيم بربوبية هذا الکوکب بعينه، دون سائر الکواکب الطالعة وما أکثرها؟‍!.

5 ـ إن ذلک البعض يصرح بأن الظاهر أن قصة إبراهيم (ع) مع أبيه آزر، کانت أسبق من هذه القضية، فکيف کان مؤمنا هناک، ويدعوه للإيمان بالله وترک الأصنام؟ وکافرا ومشرکا هنا يعبد الکواکب والنجوم تارة ولا يعرف إلهه تارة أخري؟!، فهل کان يدعوه إلي إله لا يعرفه؟! أم أن إبراهيم (ع) کفر بعد إيمانه؟!. وهل يصح منه بعد هذا أن يحتمل في حقه عليه الصلاة والسلام أن يکون قد عبد الکوکب حقيقة؟!. علما أن عبادة الکواکب خروج عن الفطرة، ومعصية ما بعدها معصية، والأنبياء معصومون عنها قبل البعثة وبعدها.

6 ـ ثم إن إبراهيم (ع) استدل علي بطلان ألوهية الکوکب بالأفول، لان الله لا يأفل. فالذي يدرک مثل هذا الأمر الدقيق في ما يتعلق بصفات الإله، کيف لا يدرک صفة أوضح منها وهي استحالة الجسمية علي الله؟ مع أنه کان يعرف هذا الأفول قبل ذلک لأنه کان قد رأي الکواکب سابقا، وعرف أنها تطلع وتغيب باعتراف القائل نفسه.

7 ـ إن إبراهيم (ع) بعد أن استدل بالأفول علي بطلان ألوهية الکوکب، کيف عاد واعتقد بألوهية القمر؟ مع علمه بأنه يأفل ويغيب، ثم کيف عاد ليعتقد بألوهية الشمس مع علمه بأنها تغيب أيضا؟!.

8 ـ أما التعليل بـ (هذا اکبر)، فلا ينفع مع الاستدلال بـ (لا أحب الآفلين)، لان الآفل لا يصلح للألوهية سواء کان کبيرا أو صغيرا.

أضف إلي ذلک کله أن القمر قد کان اکبر من الکوکب أيضا فلماذا لم يلتفت إبراهيم إلي ذلک في حينه؟.

9 ـ إن ذلک البعض لم يذکر لقارئه ما روي عن الإمام الرضا (ع)، من أنه قد رفض أن يکون إبراهيم عليه السلام قد أشرک بالله، وقرر أن إبراهيم (ع) إنما قال ذلک علي سبيل الإنکار علي قومه لتسخيف معتقدهم. والرواية هي التالية:

إبن بابويه قال حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال حدثنا أبي عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليه السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولک إن الأنبياء معصومون؟

قال: بلي.

قال: فسأله عن آيات من القرآن في الأنبياء، فکان فيما سأله أن قال له فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم (فلما جن عليه الليل رأي کوکبا قال هذا ربي).

فقال الرضا (ع): إن إبراهيم وقع إلي ثلاثة أصناف، صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلک حين خرج من السرب الذي أخفي فيه، فلما جن عليه الليل رأي الزهرة قال هذا ربي علي الإنکار والإستخبار، فلما أفل الکوکب قال لا أحب الآفلين، لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم.

(فلما رأي القمر بازغا قال هذا ربي) علي الإنکار والإستخبار، (فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأکونن من القوم الضالين).

فلما أصبح (رأي الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أکبر) من الزهرة والقمر علي الإنکار والإستخبار، لا علي الإقرار والإخبار..

(فلما أفلت) قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس (يا قوم إني بريء مما تشرکون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشرکين).

وإنما أراد إبراهيم بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما کان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض. وکان ما احتج به علي قومه مما ألهمه الله عز وجل وآتاه، کما قال عز وجل (وتلک حجتنا آتيناها إبراهيم علي قومه)، فقال المأمون: لله درّک يا ابن رسول الله [1] .

10 ـ إن قوله تعالي: (وکذلک نري إبراهيم ملکوت السماوات والأرض وليکون من الموقنين)، قد فرع عليه قوله: (فلما جن عليه الليل رأي کوکبا قال هذا ربي)، فهذا التفريع علي إراءته ملکوت السماوات والأرض، وعلي کون إبراهيم (ع) من الموقنين، يشير إلي أنه لم يقل هذا ربي عن اعتقاد، بل قاله عن إنکار واستهزاء.

11 ـ هذا غيض من فيض مما ورد في النص المنقول عن (من وحي القرآن)، ونترک الکثير الکثير من المداليل والملاحظات الموجودة لقارئنا الکريم، ليستخلصها بنفسه بعد أن عرف الضابطة في الفرق بين أوصاف الأنبياء وأحوالهم، وأوصاف الأشقياء وخصالهم.

أنا أقول: إن آدم ساذج.

أنا لا أقول: إن إبراهيم ساذج.

قلنا: إن آدم لم يکن عنده تجربة.

سئل البعض:

نريد منکم توضيحاً من أجل أن نطمئن، فالعلم حاصل والحمد لله، ولکننا نريد توضيحاً للبعض، والأمور التي نأمل توضيحها، والتي ينسبونها إليکم: أن إبراهيم ساذج؟

فأجاب:

"أنا أصحح، إنّا نقول: إن آدم ساذج، ولـيس إبراهيم، ولکن هم يقولون إني قلت: إن إبراهيم کان کافرا في بداية حياته، وأما عن آدم کان ساذجاً، فنحن قلنا: إن آدم لم يکن عنده تجربة بعد، فقد خلقه الله بعلم أولي لکن بدون تجربة ميدانية يختبر فيها قوته، وقدرته وعزيمته.. الخ" [2] .


پاورقي

[1] تفسير البرهان ج1 ص531.

[2] الزهراء المعصومة: ص 48.