بازگشت

كيف كانت فاطمة حجة علي الأئمة


وهذا يتوقف علي بيان أمرين:

الأوّل: إن من أهم المسائل الأساسية في العقيدة الاسلامية والتي تؤخذ حيزا کبيراً، علي المستوي الدراسي سواء النظري أو الفکري هي مسألة ضرورة بعثة الأنبياء، وهذه المسألة العقائدية المهمة تأخذ ضروريتها من عدة عوامل تکون الحجر الأساسي لهذه الضرورة، فالإنسان لم يخلق عبثاً (أفحسبتم أنما خلقناکم عبثاً وانکم إلينا لا ترجعون) بل خلق الأنسان لهدف وهو السير في طريق تکامله من خلال ممارسة الأفعال الاختيارية القادر عليها وکل ذلک لاجل التوصل إلي کماله النهائي هذا الکمال الذي لا يتوصل إليه إلاّ باختياره وانتخابه. علي ان الاختيار الصحيح والواعي بکل ما يمتلکه الإنسان من شعور وقدرة علي إدائه يحتاج أيضاً إلي المعرفة الصحيحة للاعمال الحسنة والاعمال القبيحة والطرق الصالحة وغير الصالحة، وانما تمکن الإنسان من اختيار طريق تکامله بکل حرية ووعي فيما لو کان يعرف الهدف وطريق الوصول إليه، وکان عرافاً بکل العقبات والعراقيل والانحرافات والمزالق. اذن فمقتضي الحکمة الالهية ان توفر للبشر الوسائل والمستلزمات الضرورية للحصول علي مثل هذه المعارف والمدرکات وإلاّ فيکون حاله مثل الشخص الذي يدعوا ضيفاً إلي داره ثم لا يدله علي موضعه ولا علي الطريق المؤدي إليه ومن البديهي ان مثل هذا العمل مخالف للحکمة. علي ان المعارف والمدرکات البشرية العادية والمتعارفة والتي يحصل عليها الإنسان نتيجة التعارف بين الحس والعقل وان کان لها الدور الفاعل في توفير ما يحتاج إليه في حياته ولکنها لا تکفي في التعرف علي طريق الکمال والسعادة


الحقيقية في جميع المجالات الفردية والاجتماعية والمادية والمعنوية والدنيوية والاخروية، واذا لم يوجد طريق آخر لسد النقائص والفجوات فلن يتحقق الهدف الإلهي من خلق الإنسان، وبملاحظة هذه الامور المهمة من هدف خلق الإنسان ومعرفته لطريق الخير والشر ومحدودية مدارکه الحسية والعقلية، نتوصل الي نتيجة مفادها: ان الحکمة الالهية تقتضي وضع طريق آخر للبشر ـ غير الحس والعقل ـ من أجل التعرف علي مسار الکمال في کل المجالات حتي يستطيع البشر من الاستفادة منه مباشرة أو بواسطة فرد آخر أو أفراد آخرين وهذا الطريق هو أرسال الأنبياء والمرسلين عبر طريق الوحي الذي يستفيد منه البشر ويتعلموا منه کل ما يحتاجون إليه من أجل الوصول إلي السعادة والکمال النهائي. وعلي هذا الاساس شاءت قدرة الباري عز وجل ومن جهة اللطف الرباني ومن جهة اللاعبثية في خلق البشر أن يرسل الأنبياء والمرسلين الي البشر لهدايتهم وتوضيح معالم طريق التکامل لهم وعلي ما تتحمله قدرتهم في التکليف الرباني کل ذلک لئلا يقول الناس يوم القيامة لولا أرسلت الينا رسولاً فتتبع آياتک من قبل أن نذل ونخزي.

ولکن قبل أرسال الأنبياء لابد من طريق لاختيارهم من البشر عامة، وهذا الاختيار أو ما يعبر عنه بالاصطفاء أو الاستخلاص لا يکون إلا عن حکمة اقتضت ذلک فان الحکيم لا يفعل إلا ما تقتضي الحکمة لوجود ذلک الشيء، فالاصطفاء والاختيار من قبل الله تعالي تارة يکون للانبياء، واخري للأوصياء وللاولياء والصلحاء والعلماء وهکذا اما کيفية الاصطفاء والاختيار، فذلک ما يکون عن طريق الاختبار والامتحان الذي يتعرض له الأنبياء لأصطفائهم للنوة وتحمل مشاقها، فالامتحان والاختبار يخرج الطاقات الکامنة في النفس البشرية، ونضرب مثال علي ذلک من الحياة العرفية للبشر، فانت عندما تريد أن تختار أو ترسل من ينوب عنک في قضية معينة فانه يقيناً لا تختار ولا ترسل إلا من کانت له القابلية والاستعداد علي تحمل ما تؤديه إليه وله الاستعداد وايضاً علي تمثيلک في تلک القضية ولا ترسل أياً کان فأن المردود يکون عليک سلبياً إذا کان الشخص المختار سلبياً في تصرفاته وايجابياً اذا کان المختار ايجابياً في تصرفاته وأفعاله ما يؤديه عنک، اما کيفية هذا الاخيار في الشخص الذي سوف


يمتلک فهذا ما سيکون عن طريق التجربة والامتحان والاختيار خلال مسيرة حياتک مع ذلک الشخص الذي سينوبک في المهام والذي تريد ان تؤهله للقيام بأعمالک مثلا أو التبليغ لک فأنت تري من خلال معاشرة ذلک الشخص مدي التزامه بتعليماتک وبعد النجاح في هذه الامور تستخلصه لنفسک وتختاره وکيلا عنک ينوب عنک في هذه الامور المهمة، کذلک الحال مع الله تعالي بأعتباره سيد العقلاء بل هو خالق العقل والعقلاء فهو عندما يريد ارسال رسول أو نبي لابد له من الامتحان قبل الاصطفاء والاختيار وهذا ما نجده من خلال استقراء آيات القرآن الکريم حيث يوجد عدة شواهد علي هذه المسألة کما في قضية نبي الله ابراهيم عندما اختاره الله أولا نبياً وبعد ذلک خليلاً وبعد ذلک اماماً فانه لم ينال الإمامة إلا بعد التعرض للامتحانات والاختبارات من قبل الله تعالي وفي ذلک يقول الله تعالي في قصة أبراهيم (واذا ابتلي ابراهيم ربه بکلمات فاتمهن قال اني جاعلک للناس اماماً...) حيث کلف الله سبحانه وتعالي نبيه ابراهيم عليه السلام بتکاليف شتي فکانت النتيجة ان ابراهيم أتم هذه التکاليف وامتثلها واطاع الله تعالي ومن هذه التکاليف قضية ذبحه لولده اسماعيل (يا بني أني أري في المنام أني أذبحک) وقد وصف الله تعالي ابراهيم عليه السلام بالوفاء حيث قال تعالي (وابراهيم الذي وفي). والخلاصة علي ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال «إن الله ابتلي ابراهيم بذبح ولده اسماعيل فعزم علي ذلک.. اما معني قوله فاتمهن ـ فهو يعني الاستجابة والطاعة لأوامر الله تعالي ولذا استحق الإمامة التي هي منزلة عظيمة، جزاءً لاخلاصه ونجاحه في الامتحانات التي تعرض لها.

وهکذا الحال مع جميع الأنبياء حيث اختبرهم الله تعالي قبل اصطفائهم وکان الباري عز وجل عالماً بالانبياء أنهم أوفياء له وملتزمين لأوامره وشروطه لذلک اصطفاهم.

الثاني: إنّ الله تعالي عندما اصطفي واستخلص الأنبياء کان ذلک بعد أن شرط عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لله تعالي ذلک وعلم الله تعالي منهم الوفاء بذلک. اما السؤال الذي يطرح في ما نحن فيه هو لماذا طلب وشرط الله تعالي من الأنبياء الزهد حب الدنيا؟ والجواب علي ذلک: انه من الملازمات العقلية لحب الدنيا هو إمال السيئات والذنوب وذلک للارتباط الوثيق بين


حب الدنيا والذنوب فکلما ازداد حب الإنسان للدنيا إزدادت ذنوبه وکما ورد في الحديث الشريف ان «حب الدنيا رأس کل خطيئة» فاذا لم يکن حب الدنيا له وجود في حياة الإنسان فسوف تکون النتيجة مفادها: ان الإنسان سوف يبتعد عن الذنوب بقدر ابتعاده عن حب الدنيا، وما نحن فيه فان إعمال الشرط من الله تعالي علي الأنبياء بالزهد في حب الدنيا سوف تکون من نتائجه ان يترکوا الدنيا والتعلق بها کذلک لا يعملون الذنوب والمعاصي وبالنتيجة النهائية سيکونون معصومين بالعصمة الذاتية التي تکون ملازمة لهم من جهة لطف الله تبارک وتعالي اضافة الي الضرورة الربانية اقتضت ذلک ايضاً. اما لماذا إشترط الزهد في حب الدنيا وما حاجة العصمة للانبياء، فهذا ما يکون الاحياج إليه بصورة ضرورية ومؤکد ولإحتياج الأنبياء العصمة في مقام التبليغ للرسالة السماوية بل مطلق العصمة لهم، ولئلا يکون للناس الحجة البالغة علي الله تعالي، والعصمة لا تأتي مع حب الدنيا. اما الدليل علي هذا الکلام فناهيک عن القرآن الکريم والروايات الواردة في المقام التي تدل علي المطلب بل هناک الدليل العقلي علي ذلک، اما الدليل الذي تقوم بالاستدلال به فهذا ما أثبته دعاء الدبة الشريف حيث ورد فيه. «اللهم لک الحمد علي ما جري به قضاؤک في أولياؤک الذين استخلصتهم لنفسک ودينک إذ أخترت لهم جزيل ما عندک من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا أضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لک ذلک وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذکر العلي والثناء الجلي واهبطت عليهم ملائکتک وکرمتهم بوحيک ورفدتهم بعلمک وجعلتهم الدريعة اليک والوسيلة الي رضوانک... الخ».

اذن بعد الإمتحان والاختيار والمشارطة من الله تعالي بترک حب الدنيا والزهد فيها وبعد العلم من الله بهم بأنهم أوفياء کانت النتيجة النهائية لهذا الامتحان والإختبار وهي:

1ـ الاستخلاص والاصطفاء.

2ـ القبول من الله تعالي لهم.

3ـ الذکر العلي والثناء الجلي للأنبياء «أي قدم اليهم ذلک».


4ـ انزال الوحي عليهم.

5ـ کانوا الحجج علي الخلق من قبل الله تعالي.

اما لماذا الاستخلاص والاصطفاء وتقديم هذه الامور للانبياء عليهم السلام؟ فنقول:

ان هذا کله لکي يکون:

إقامة للدين «إقامة لدينک» أي تقديم واقامة النظام والاکمل للبشرية.

ولئلا يزول الحق عن مقره ويغلب الباطن علي أهله.

ولئلا يقول أحد لولا أرسلت الينا رسولا منذراً واقمت لنا علماً هادياً نتبع آياتک من قبل ان نذل ونخزي.

هکذا کان الامتحان والاختبار بالنسبة للانبياء بحيث زهدوا في حب الدنيا فکانوا من المقربين لدي الله تعالي.

أما ما علاقة هذه الامور بکون فاطمة حجة علي الأئمة؟

فنقول: نحن عندما نزور الأئمة عليهم السلام بالزيارة الجامعة الکبيرة المروي عن الإمام الهادي عليه السلام بأعتبار انها جامعة لکل الفضائل والدرجات والمقامات للأئمة عليهم السلام لا تزور بها فاطمة عليها السلام؟ لماذا؟ لانها لها زيارة مخصوصة وهي زيارتها يوم الاحد من کل أسبوع حيث تقول هذه الزيارة «السلام عليک يا ممتحنة امتحنک الذي خلقک قبل ان يخلقک وکنت لما إمتحنک صابرة».

اذ نفهم من هذه الزيارة الخصوصة امتحان الزهراء عليها السلام قبل خلقها، لأظهار مقامها حيث امتحنها فکان لها المقام السامي فأصبحت الصابرة، والمعروف ان الامتحان يُمتحن به الإنسان ليعرف مدي استعدادته وقابلياته «عند الامتحان يکرم المرء أو يهان» وکذلک عرف الامتحان ليکون لزيادة منزلة ولاسباب أخري، وهذا ما جري مع فاطمة الزهراء عليها السلام حيث امتحنها الله تعالي لکي تکون حاملة لشيء إقتضت إرادة السماء وذلک نتيجة لنجاحها في الامتحان حيث اسحقت لقب الصابرة، اما ماهية هذا الامتحان وعلي أي موضوع جري امتحان الزهراء عليها السلام من قبل الله تعالي فهذا ما نترکه الي بحث آخر انشاء الله.

ولکن المهم فيما نحن فيه هو ان الله تعالي وجدها صابرة وهذا من المقامات العالية


فنحن نعلم، ان من ألقابها الصابرة، والصبر مقام سامي، اما معرفة علو شأن هذا المقام فهذا نراه من خلال القرآن الکريم، حيث أثبت الله تعالي الثواب لکثير من الفضائل الموجودة في القرآن أما الصبر والصابر فأن اجرهم غير محدود وهذا ما نجده في قوله تعالي (انما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب) يعني أنه لا يوجد أجر محدود للصابر وللصبر بل أجره مفتوح وهذا يؤدي الي ان الصبر يکون في اعلي مقامات الفضائل الاخلاقية، ومن هنا کان الصبر أم الاخلاق بل هو أفضلها واحسنها في کل شيء فما من شيء إلاّ ومقرون الصبر معه فالصلاة مقرون بالصبر عليها والطاعة کذلک والإيمان لابد من الصبر عليه لاثباته علي النفس الانسانية ولذلک جعل الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد کما ورد في الحديث الشريف ذلک، فاذا کان الصبر هکذا مقامه فانه سوف يکون الاساس لکثير من الاخلاق، فلذا کان الزهد فرع من الاصل والام الذي هو الصبر وليس العکس صحيح فالزاهد لا يکون زاهداً حتي يصبر ويُصبر نفسه علي ترک الدنيا وزخرفها واموالها وکل شيء يؤدي به الي الزهد، ومن هنا کان بيت القصيد وهو ان الزهراء حجة علي الأنبياء من جهة صبرها في عالم الغيب والشهادة وصبرها في الدنيا علي ما جري عليها من المحن والظلم، وکذلک کانت الحجة علي الأنبياء کما شهدت الکثير من الروايات الشريفة، وکما سيأتي بعد قليل رواية مهمة تثبت هذه الفضيلة للزهراء، وهذا أيضاً ما أثبتته الشواهد فنحن نجد ان الکثير من الأنبياء کانوا يدعون الله تعالي أن يطّول عمرهم وهذا بخلاف فاطمة الزهراء عليها السلام حيث کانت مستبشرة عندما أخبرها النبي الأعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم انها أول أهله لحوقاً به وهذا ما ذکره العلامة الاردبيلي رحمه الله في فضيلتها من جهة کونها تحب الموت ولاتکرهه حث قال العلامة الاردبيلي ما نصه:

ان الطباع البشرية مجبولة علي کراهة الموت مطبوعة علي النفور منه، محبة للحياة، مايلة اليها، حتي الأنبياء عليهم السلام علي شرف مقاديرهم وعظم أخطارهم ومکانتهم من الله تعالي ومنازلهم من محال قدسه وعلمهم بما تؤول إليه أحوالهم وتنتهي إليه أمورهم أحبوا الحياة ومالوا إليها وکرهوا الموت ونفروا منه. وقصة آدم عليه السلام مع طول عمره وامتداد أيام حياته معلومة.


قيل: انه وهب داود عليه السلام حيث عرضت عليه ذريته أربعين سنة من عمره فلما استوفي أيّامه وحانت منّيته وانقضت مدة أجله وحّم حمامه جاءه ملک الموت يقبض نفسه التي هي وديعة عنده فلم تطب بذلک نفسه وجزع وقال: أن الله عرفني مدة عمري وقد بقيت منه أربعون سنة، فقال: إنک وهبتها ابنک داود فأنکر أن يکون ذلک، قال النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم: فجد فجهدت ذرّيتّه.

ونوح عليه السلام کان أطول الأنبياء، أخبر الله تعالي عنه أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فلما دنا أجله قيل له: کيف رأيت الدنيا؟ فقال: کدار ذات بابين دخلت في باب وخرجت من باب. وهذا يدل بمفهومه علي انه لم يرد الموت ولم يؤثر مفارقته.

وابراهيم عليه السلام: روي أنه سأل الله تعالي أن لا يميتهُ حتي يسأله عليه السلام فلما استکلمل ايامه التي قُدرّت له خرج فرأي ملکاً علي صورة شيخ فانٍ کبير قد أعجزه الضعف وظهر عليه الخراف «أي فساد العقل من الکبير» ولعابه يجري علي لحيته وطعامه وشرابه يخرجان من سبيله عن غير اختياره، فقال له: يا شيخ کم عمرک؟ فأخبره بعمر يزيد علي عمر ابراهيم بسنة، فاسترجع وقال: أنا أصير بعد سنة الي هذه الحال فسأل الموت. فهؤلاء الانبياء ممن عرفت شرفهم وعَلاء شأنهم وارتفاع مکانهم ومحلهم في الآخرة وقد عرفوا ذلک وابت طباعهم البشرية إلا الرغبة في الحياة. وفاطمة عليها السلام امرأة حديثة عهد بصبي ذات أولاد صغار وبعل کريم لم تقض من الدنيا إرباً «أي حاجة» وهي في غضارة عمرها وعنفوان شبابها يعرّفها أبوها أنها سريعة اللحاق به فتسلوا موت أبيها صلي الله عليه وآله وسلم وتضحک طيّبة نفسها بفراق الدنيا وفراق بنيها وبعلها، فرحة بالموت مايلة إليه مستبشرة بهجومه مسترسلة عند قدومه وهذا أمر عظيم لا تحيطه الالسن بصفته ولا تهتدي القلوب الي معرفته وما ذاک إلا لأمر علّمه الله من أهل البيت الکريم وسراً وجب لهم مزّية التقديم فخصهم بباهر معجزاته وأظهر عليهم آثار علائمه وسماته وايدهم ببراهينه والصادقة ودلالاته، والله أعلم حيث يجعل رسالته [1] .




جوهرةُ القدس من الکنز الخفي

بدت فأبَدتْ عاليات الأحرف


وقد تجلي في سماء العَظَمـة

من عالم الاسماء أسمي کلمة


بل هي أمُ الکلمات المحکمـة

في غيب ذاتها نکاتٌ مبهمة


أمُّ الأئمة العقـول الغُرِّ بــلْ

أُمُّ أبيها وهو علـةُ العللْ [2] .


أليس ذلک من الفضائل العالية حيث کانت الزهراء عليها السلام حجة علي الأنبياء بأعتبار صبرها وفضلها. أما کونها عليها السلام حجة علي الأئمة کما هي حجة علي الأنبياء فهذا ما يتبين لنا من خلال عدة أحاديث مأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، منها ما ورد عن جابر بن عبدالله الأنصاري، عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، عن الله تبارک وتعالي انه قال: «يا أحمد، لولاک ما خلقت الأفلاک، ولولا عليّ لما خلقتک، ولولا فاطمة لما خلقتکما [3] ».

أمّا الدليل الثاني: فنقول انه ورد في الحديث الشريف المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ما نصه «انه ما تکاملت نبوة نبي من الأنبياء حتي أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الکبري وعلي معرفتها دارت القرون الاولي» [4] .

يعني ما تکاملت نبوة نبي ـ والنبوة خلاصة التوحيد ـ إلا لمن أقر بفضلها ومحبتها والإقرار هو الشهادة علي النفس والاعتراف منها للغير واقرار العقلاء علي انفسهم جائز، فهذه شهادة من الأنبياء لها بالفضل والمحبة والفضل يعني انها کانت لها زيادة في الفضائل علي الأنبياء بل هي صاحبة الفضل عليهم بانه لم تکتمل نبوة نبي إلا بها عليها السلام.

وفي ذيل هذا الحديث اعلاه يقول المحقق البارع أبو الحسن النجفي ما نصه: ان المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمم من ادم فمن دونه حتي نفس خاتم الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم أجمعين، يعني ما بعث الله عز وجل أحداً من الأنبياء والأوصياء حتي أقروا بفضل الصديقة الکبري ومحبتها. ويؤيده ما ذکره السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان في مدينة المعاجز عنه عليه السلام ما تکاملت النبوة لنبي حتي أقر بفضلها


ومحبتها [5] .

وأيضاً ما ورد عن جاب بن عبدالله الأنصاري عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قلت لم سميت فاطمة الزهراء «زهراء»؟ فقال: لأنّ الله عز وجل خلقها من عظمته... الي ان يقول الله تعالي للملائکة في ماهية نور فاطمة ما نصه.. فأوحي الله إليهم: هذا نور من نوري اسکنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أُخرجه من صلب نبي من انبيائي أفضله علي جميع الأنبياء وأخرج من ذلک النور أئمة يقومون بأمرني يهدون الي حقي واجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحي [6] وعن أبي عبدالله عليه السلام انه قال: لولا ان أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما کان لها کفوء الي يوم القيامة علي وجه الأرض آدم فمن دونه [7] ولقد علق علي هذا الحديث الشريف صاحب کتاب البحار العلامة المجلسي رحمه الله حيث قال: يمکن ان يستدل به ـ أي بالحديث أعلاه علي کون علي وفاطمة عليهما السلام أشرف من سائر أولي العزم سوي نبينا صلي الله عليهم أجمعين. لا يقال: لا يدل علي فضلهما علي نوح وابراهيم عليهما السلام لاحتمال کون عدم کونهما کفوءين لکونها من أجدادها عليها السلام. لأنا نقول: ذکر آدم عليه السلام يدل علي أن المراد عدم کونهم أکفاءها مع قطع النظر عن الموانع الأخر علي انه يمکن أن يتشبث بعدم القول بالفصل [8] وايضاً هناک حديث يدل علي أفضلية فاطمة الزهراء علي الأنبياء وعلي جميع البشر حيث ذکر المحدث الکبير العلامة الخبير الطبرسي رضي الله عنه:عن أبي جعفر عليه السلام: ولقد کانت عليها السلام مفروضة الطاعة علي جميع من خلق الله من الجن والنس والطير والوحوش والأنبياء والملائکة [9] ونقف مع وجه آخر قد يمکن أن نثبت من خلاله حجية فاطمة عليها السلام علي الأئمة، وهو ما نستفيده من خلال الحديث المذکور في کون علي عليه السلام کفواً لفاطمة الزهراء عليها السلام، حيث ورد في الحديث المذکور عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم «لولا علي لم يکن لفاطمة


کفو» [10] .

وأيضاً ورد عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «لولا يخلق عليّاً لما کان لفاطمة کفو [11] وهذا يعني أن أکثر المقامات التي کانت للامام أمير المؤمنين علي عليه السلام هي ثابتة للصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، فهما في منزلة واحدة من الإيمان والتقوي، وإلاّ لما کان کل منهما کفواً للأخر؟ وعليه تکون فاطمة حجة علي الأئمة عليهم السلام کما کان أمير المؤمنين عليه السلام الحجة علي الأئمة عليهم السلام، فلقد ورد في عدة أحاديث ان علي عليه السلام سيد الأوصياء وخيرهم وأفضلهم لذا کان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «منا خير الأنبياء وهو أبوک ـ والکلام مع فاطمة عليها السلام ـ ومنا خير الأوصياء وهو بعلک [12] ». وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين أنه قال: «والله لأتکلمن بکلام لا يتکلم به غيري إلا کذاب: ورثت نبي الرحمة، وزوجتي خير نساء الأمة، وأنا خير الوصيين» [13] والذي نريد القول به من هذا الکلام أن الإمام علي عليه السلام کان خير الأوصياء وافضلهم فلقد ورد في شرح نهج البلاغة في أن أمير المؤمنين کان يصلي في اليوم والليلة الف رکعة. قال ابن أبي الحديد: وما ظنک برجل يبلغ من محافظته علي ورده ان يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه، وتمر علي صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلک فلا يقوم حتي يفرغ من وظيفته، وما ظنک برجل کانت جبهته کثفته بعير لطول سجوده، وإذا تأملت دعواته ومناجاته وقفت علي ما فيها من تعظيم الله سبحانه واجلاله وما يتضمنه من الخضوع ليبته، والخشوع لعزته والاستخذاء له، عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص، وفهمت من أي قلب خرجت وعلي أي لسان جرت، وقيل لعلي بن الحسين عليهما السلام وکان الغاية في العبادة: أين عبادتک من عبادة جدک؟ قال: عبادتي من عبادة جدي کعبادة جدي من عبادة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [14] فيظهر من هذا الحديث أحاديث أخري أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام کان متميز عن باقي


الأئمة عليهم السلام من ناحية مدي تصديه لشؤون الإمامة والولاية وتحمل المشاق للدفاع عن حريم الرسالة المحمدية، وإلاّ فالأئمة عليهم السلام جميعاً من ناحية الانوار متحدين فهم کلهم نور واحد ولکن الاختلاف کان من جهة تصديهم لشؤون الخلافة والمشاق التي تحملوها، وعليه تکون الصديقة الزهراء عليها السلام کفو للامام أمير المؤمنين فهي أم الأوصياء وروح النبوة وبضعة الرسول، وزوجة خير الأوصياء. وعلي ضوء هذه الاحاديث وعلي أساس أحاديث أخري اغمضنا النظر عليها لئلا يطول المقام بنا، کانت فاطمة الزهراء وبدليل الاولوية وفحوي الخطاب الحجة علي الأنبياء والأئمة، ونقول ليس فقط ما تکاملت نبوة نبي فحسب بل ما تکاملت الإمامة في امامتها ولا تکامل العلماء في علمائها وإلاّ الادباء في أدبهم والحکماء في حکمهم والاتقياء في تقواهم وکل کامل في کمال حتي يقر بفضلها ويؤمن بمحبتها فهي الصديقة الکبري وعلي معرفتها دارت القرون الاولي والاخري [15] فاذاً کانت فاطمة حجة وما تزال حجة علي الأئمة عليهم السلام.


وحبها من الصفـات العالية

عليه دارت القـرون الخالية


بابي فاطم وقــد فطمـت

بأسمها نار حشرها ولظاها


هي والله کوثـر قد اعدت

لبنيها وکـــل من والاها


هي عند الله اعـظـم خلق

وبها دار في القرون رحاها


وهکذا کانت فاطمة الزهراء عليها السلام بهذه الوجوه وادلة اخري الحجة علي الأنبياء والأوصياء وبهذا المعني الذي وضحناه تبين لنا عِظم مقام فاطمة عليها السلام وعلو قدرها عند الباري عز وجل ونکتفي بهذا البيان حول الوقوف علي قول الإمام الحسن العسکري «فاطمة حجة علينا».



پاورقي

[1] کشف الغمة: 1: 355.

[2] الانوار القدسية: للمرحوم الشيخ محمد حسين الاصفهاني.

[3] الجنة العاصمة: 148، مستدرک سفينة البحار: 3: 334، عن مجمع النورين: 14.

[4] البحار: 43: 105.

[5] ملتقي البحرين: 40.

[6] البحار: 43: 19.

[7] البحار: 43: 10 و11.

[8] البحار: 43: 10 ـ 11.

[9] دلائل الإمامة: 28.

[10] مصباح الانوار: 133، کشف الغمة 1: 472، فردوس الأخبار: 3: 418 ح 517.

[11] ينابيع المودة: 177، 181.

[12] ينابيع المودة: 436، منتخب الاثر: 192.

[13] البحار: 43: 143.

[14] شرح نهج البلاغة: 1: 10.

[15] فاطمة الزهراء ليلة القدر «للسيّد عادل العلوي».