بازگشت

القسمت 37




لفّت فاطمة خمارها، واشتملت بردائها و الازار و نهضت بأمر اللَّه.

مابين دار فاطمة و المسجد خطوات، قطعتها ثابتة الخطي لکأنها محمّد و عاد يصحح مسار الإنسان من جديد.. يقوده إلي منابع النور والخلود.

جاءت فاطمة تحفها نسوة و بنات دخلت المسجد.. لتقول کلمتها للاُمّة و التاريخ.

و أنّت من وراء حجاب... انّة هي أنّة هابيل

قبل ان يموت... فيها عذابات «آسية»... و حزن «مريم».

ولوعة «يوکابد»...

بکي المهاجرون و بکي الأنصار واهتزّ قلب کالصخر ولان.

قالت بنت آخر الأنبياء وقرينة مؤسس البلاغة في العرب:

- الحمد للَّه علي ما أنعم وله الشکر علي ما ألهم والثناء بما قدّم


من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها و تمام منن أولاها، جمّ عن الاحصاء عددها، ونأي من الجزاء أمدها و تفاوت عن الادراک أبدها. وأشهد ان لا إله الّا اللَّه وحده لا شريک له، کلمة جعل الاخلاص تأويلها، و ضمن القلوب موصولها، و أنار في التفکير معقولها، الممتنع عن الأبصار رؤيته، و من الألسن صفته و من الأوهام کيفيته، ابتدع الأشياء لا من شي ء کان قبلها، و أنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، کوّنها بقدرته و ذرأها بمشيئته.

وأشهد ان أبي محمّداً عبده و رسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مکنونة، و بستر الأهاويل مصونة، و بنهاية العدم مقرونة.

ابتعثه اللَّه اتماماً لأمره و عزيمة علي امضاء حکمه و انفاذاً لمقادير حتمه، فرأي الاُمم فرقاً في أديانها عکفاً علي نيرانها، عابدة لأوثانها، منکرة للَّه مع عرفانها، فأنار اللَّه بأبي محمّد ظُلمتها و کشف عن القلوب بهمها و جلّي عن الأبصار غممها... ثم قبضه اللَّه اليه قبض رأفة و اختيار و رغبة و ايثار.

محمد من تعب هذه الدار في راحة، قد خصّ بالملائکة الأبرار، و رضوان الربّ الغفار، و مجاورة الملک الجبّار، صلّي اللَّه علي أبي وأمينه و خيرته من الخلق و صفيّه والسّلام عليه و رحمة اللَّه و برکاته.


وقف التاريخ مذهولاً لکلمات سماوية لکأنها حورية هبطت الأرض تحمل لها قبساً من نجوم السماء.

سکتت فاطمة هنيهةً واستجمعت قوّتها لتهزّ النخلة علّها تساقط رطباً جنيا:

أيّها الناس، اعلموا أنّي فاطمة و أبي محمد أقول عوداً و بدواً، و لا أقول ما أقول غلطاً، و لا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزيز عليه ما عنتم حريص عليکم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزوه و تعرفوه تجدوه أبي من دون نسائکم، و أخا ابن عمي دون رجالکم، ولنعم المعزّي إليه، فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة ماثلاً عن مدرجة المشرکين، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأکظامهم داعياً إلي سبيل ربّه بالحکمة و الموعظة الحسنة يجفّ الأصنام و ينکث الهام، حتي انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتي تفري الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين.

و کنتم علي شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، و نهزة الطامع، و قبسة العجلان، موطئ الأقدام، تشربون الطرق، و تفتاتون القدّ، أذلّة خاسئين، تخافون أن يتخطفکم الناس من حولکم، فأنقذکم اللَّه تبارک و تعالي بمحمّد صلي اللَّه عليه و آله بعد اللتيا والتي.

ودوّت صرختها توقظ الضمير الذي أخلد إلي الأرض:


أيها المسلمون: أأغلب علي إرثي! يا ابن أبي قحافة، أفي کتاب اللَّه ترث أباک و لا أرث أبي، لقد جئت شيئاً فريّاً، أفعلي عمد ترکتم کتاب اللَّه ونبذتموه وراء ظهورکم، إذ يقول:(وورث سليمان داوود).

و قال في ما اقتص من خبر يحيي بن زکريا إذ قال: (فهب لي من لدنک ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب).

و قال: (و أولي الأرحام بعضهم أولي ببعض في کتاب اللَّه).

و قال: (يوصيکم اللَّه في أولادکم للذکر مثل حظّ الانثيين).

و قال: (إن ترک خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً علي المتّقين). ة

وزعمتم أن لا حظوة لي و لا إرث من أبي و لا رحم بيننا، أفخصّکم اللَّه بآية أخرج أبي منها؟! أم هل تقولون: إنّا أهل ملّتين لا يتوارثان أولست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمي.

فدونکها مخطومة مرحولة، تلقاک يوم حشرک، فنعم الحکم اللَّه، والزعيم محمّد، و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون.

و لا ينفعکم إذ تندمون، ولکلّ نبأ مستقر، و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم.


لقد مات الضمير... دفنه رهط من المدينة في أرض فدک، فراحت البتول تحذّرهم أيام اللَّه:

فدونکموها فاحتقبوها، دبرة الظهر، نقبة الخفّ، باقية العار، موسومة بغضب الجبّار، و شنار الأبد، موصولة بنار اللَّه الموقدة التي تطّلع علي الأفئدة، فبعين اللَّه ما تفعلون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، وأنا ابنة نذير لکم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنّا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون.

غادرت الزهراء المسجد وقد زلزلت الأرض زلزالها و صرخ رجل غصب ميراث الأنبياء:

- اقيلوني بيعتي...

و نظر الرجال الي حيث کشفت فاطمة آفاق المستقبل فإذا السحب الحمراء مخزونة بالرعود و الأرض ملغومة بالزلازل و أنهار من دمّ، و جماجم وضحايا. وفرّ الإنسان.. ألقي أمانة تهيبت السماوات والأرض عن حمْلها و حمَلها الإنسان انه کان ظلوماً جهولا.