بازگشت

القسمت 34




جلست حفصة قرب عائشة کما تجلس الجارية عند سيدتها أو المريد عند استاذه يتعلّم منه أو يراقب حرکاته و سکناتة ولعلّ الصداقة التي تربط بين الأبوين قد بخّرت تماماً ما تضمره المرأة لضرّتها وأزاحت بعيداً ذلک التنافس المرير في التفوّق وهاهي الأيام تمرّ لتوحّد بينهما، تضاعفت خلوات عمر بأبي بکر وزادت الأواصر بين عائشة و حفصة...

و قد جلست المرأتان فيما يشبه الاحتفال بالنصر... أو التفکير لجولة قادمة...

کانت عائشة تغالب شعوراً بالتشفي والانتقام وها هو أبوها يحقق أول انتصار علي منافسه.

منذ سنوات و أبوبکر يفعل المستحيل ليبقي في الصدارة... فهو صاحب النبي في الغار و هو الملازم له في العريش... هو و عليّ فرسا


رهان ولکن ماذا يفعل و عليّ السبّاق في کل شي ء.. ماذا تتذکر عائشة.. «خيبر» «ذات السلاسل».. سورة براءة...

لشدّ ما تمقت عليّاً... انّها لا تستطيع أن تنسي کلماته و هو ينصح النبي بطلاقها يوم «الافک».. وفاطمة التي تغار منها و من اُمّها.. خديجة.. ولکن ما تبغي وهاهو أبوها يمسک بالزعامة والخلافة.

امّا عليّ فهو جليس داره وحيد ليس معه من يؤازره أحد... و فاطمة التي لا تفتأ تبکي أباها ليل نهار.

عائشة هادئة البال تنعم بالمجد.. لقد کانت زوجة أعظم رجل في الجزيرة وهاهي اليوم بنت رجل يهابه الجميع..

کانت عائشة مستغرقة في خيالات الماضي و المستقبل عندما دخل أبوها و کان معه عمر..

بدا أبوبکر مهموماً... لقد جاء أبوسفيان و هو يخشي صولته.

قال عمر و قد أدرک ما يجول في خاطره:

-الأمر بسيط يا خليفة رسول اللَّه.. أنا أعرفه.. اترک ما في يده من الزکوات.. اننا نحتاج إلي بني اُمية للوقوف بوجه بني هاشم.. نشغل بعضهم ببعض فتصفولک الاُمور.

- ارحتني يا عمر من همّ وبقيت هموم.

- أتعني عليّاً و أصحابه... و اللَّه لأجعلنهم يبايعون.. طائعين أو


کارهين... ولسوف أمضي اليهم بنفسي فان تعلّلوا أحرقت عليهم البيت.

- إنّ فيه فاطمة يا عمر.

- و إنْ.

تداعت الذکريات في خيال أبي بکر. تذکر يوم خطب فاطمة فردّه الرسول. انّه لن يغفر لها ذلک... کما لن يغفر لها ما سببته من آلام لإبنته. کانت عائشة لا تطيق رؤيتها و لا رؤية زوجها.. هو أيضاً کان لايرتاح لفاطمة و کان يشعر بالحسرة لما تقاسيه ابنته.

قال عمر و هو يرمق صاحبه بنظرة ذات معني:

- يا له من حديث أصبت به مقتلاً... أنا أيضاً أذکر ان النبي قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث.. ما ترکناه صدقة».

ابتسم أبوبکر... و کأنه يقول و ما في وسعي أن أفعل غير ذلک.. امامنا جولات و جولات.. و فاطمة ما تزال تقارم..

قال أبوبکر متوجّساً:

- أنا أخشي فاطمة.. انّها ثائرة ولن تسکت.. و کيف تسکت و هي بنت محمد.. و زوج عليّ.

- لا تخشَ شيئاً يا صاحبي سينتهي کلّ شي ء.. ما هي إلّا امرأة.. و ليس معها أحد.


قال أبوبکر و قد استيقظت في أعماقه بقايا ضمير:

- ماذا لو نسلّمها «فدکاً» و نرتاح من کلّ هذا العناء.

- ماذا تقول يا صاحبي اذا أعطيتها فدکاً اليوم فستأتي غدا لتطالب بالخلافة إلي بعلها.. و أنت تعرف ان فدکاً لديها ليست فاکهة أو نخيل و لا أرض انّها الخلافة.. لا لا.. لا تفعل ذلک أبداً.

- ألا تخشي غضبها يا أباحفص.. غضبها يعني غضب اللَّه و رسوله.. الجميع يعرف ذلک.

- و هذه أيضاً ستمرّ کما تمرّ العاصفة.. سوف نزورها ذات يوم فتصفح عنا و ينتهي کل شي ء.. انّک لتصوم و تصلّي و تحجّ و تجاهد فلا تقلق.

-اتمني أن يکون ذلک.

کانت عائشة تصغي بصمت إلي حديث أبيها تدرک ما يموج في أعماقه من رقة تکاد تنقض کل صلابته لولا صاحبه الذي لا يعرف غير الاندفاع کالزوبعة... و لولاه ما وقف أبوها کلّ هذه المواقف... وعائشة تدرک جيداً ان عمر يحلب لأبيها ليأخذ شطراً منه غداً. علي هذا تعاهدا و معهما «الجرّاح».

عائشة لا ترتاح لتردد أبيها. انّها تريد منه أن يکون قوّياً هذه المرّة... و قد غاب «محمّد» فليندفع ليهزم «عليّاً» أمام عيني


«فاطمة»، لشدّ ما يسعدها أن تري فاطمة کسيرة مغلوبة تندب المجد الذي ولّي و العزّ الذي مضي.

- لا لا يا عائشة لا تکوني قاسية إلي هذا الحدّ...

أرجوک إذا مررت بشجرة محطمة فلا تدوسي ثمارها.. أو حمامة مهيضة الجناح فلا تستلّي السکين لتذبحيها.. أليس هناک مکان للحبّ.. للَّه؟

- أتريدني اشفق علي فاطمة.. فاطمة التي استحوذت علي قلب زوجي... لا لا لن أغفر لها ذلک.. و علي الذي ود طلاقي.. کلّا لن أغفر لهما أبداً.

تلاشي الدويّ وخفتت نداءات الإنسان.. وانتصر النمر المتوثّب في الأعماق ليطلّ من عينين يکاد بريقهما ينفذ في الضلوع.