بازگشت

القسمت 08




مرّت أيام و أيام، و علي لايفتأ يذکر فاطمة.. يعيش خيالها الشفاف؛ روحها الطاهرة؛ عينيها المضيئتين؛ مشيتها وهي تخطر علي الأرض هونا...

قال و هو يحدق في عينيه:

- في عينيک سؤال.

- يا عمّ ذکرت أهلي.

- ما تنتظر إذن.. هيا بنا إلي منزل النبي.

في الطريق لاحت لهما «أُم أيمن» و قد أدرکت علي الفور ما يدور في خلد علي فکفتهما مؤونه ذلک.

انطلقت «اُم أيمن» و کان النبي في بيت اُم سلمة.

قالت اُم أيمن و قد عرفت کيف تستأذن قلب الرسول:

- يا رسول اللَّه لو أنّ خديجة باقية لقرّت عينها بزفاف فاطمة..


و إن عليّاً يريد أهله.. فقر عين فاطمة ببعلها و أجمع شملهما وقِرّ عيوننا بذلک. قال النبي:

- فما بال علي لا يطلبها مني؟

- يمنعه الحياء يا رسول اللَّه...

کانت علينا النبيّ تبحثان عن خديجة... تجمعت في عينيه الدموع کغيوم ممطرة:

- خديجة... وأين مثل خديجة، صدّقتني حين کذبني الناس و آزرتني علي دين اللَّه و أعانتني عليه..

وقفت اُم أيمن تنتظر رسول اللَّه:

- انطلقي إلي علي فأتيني به.

خفت اُم أيمن إلي حيث ينتظر الفتي:

- ما وراءک يا اُم أيمن؟

- الخير کله؛ رسول اللَّه يدعوک.

کان علي مطرقاً برأسه يحدّق في الأرض، قال النبي مشجّعاً:

- أتحب أن تدخل عليک زوجک؟

- نعم فداک أبي و اُمّي.

- نعم وکرامة يا أباالحسن أُدخلها عليک في ليلتنا هذه أو في ليلة


غد إن شاءاللَّه.

نهض الفتي و هو يطير فرحاً. لقد حلّت لحظة اللقاء؛ لقاء قلبين طاهرين.. روحين صافيتين...

تمايلت سعفات النخيل طرباً.. تألّقت في السماء النجوم؛ وظهر القمر يزدهي بهالته.. والسماء تتطلع إلي عرس في الأرض. تألقت فاطمة فبدت بين النسوة کوکباً درّياً؛ حتي اذا استوت فوق الناقة، ارتفع صوت الدفوف، وبدأ موکب الزفاف يسير الهويني.

فاطمة تحفها بنات عبدالمطلب و نساء المهاجرين و الأنصار، أخذ عمار بزمام الناقة و کان الرسول و بصحبته حمزة و الرجال يمشون خلفها.

وملأت الزغاريد الفضاء وانطلق صوت اُم سلمة يشدو فرحاً:


سرن بعون اللَّه جاراتي

واشکرنه في کل حالات


واذکرن ما أنعم رب العلي

من کشف مکروه وآفات


فقد هدانا بعد کفر و قد

انعشنا ربُّ السماوات




وارتفع صوت حفصة:


فاطمة خير نساء البشر

ومن لها وجه کوجه القمر


فضلک اللَّه علي کلِّ الوري

بفضل من خصّ بآي الزمر


زوّجک اللَّه فتيً فاضلاً

أعني علياً خير من في الحضر


فسرن جاراتي بها أنها

کريمة بنت عظيم الخطر


في المسجد کان اللقاء، أخذ النبي يدي فاطمة، و وضعها في يدي علي، و تمتم الرسول بخشوع:

- اللهم انهما أحب خلقک إلي، فاحبهما، و اني أعيذهما بک و ذريتهما من الشيطان الرجيم.

شهد البيت الصغير ولاده حبّ عميق عمق البحر، طاهراً کقطرات الندي، متدفقاً کالينبوع. لم تعثر فاطمة في بيتها علي فراش وثير لکنها وجدت قلباً دافئاً ينبض بالحب، و لم تجد فاطمة في منزلها الجديد جواهر أو لؤلؤاً منثوراً لکنها وجدت انساناً يموج بقيم تتألق سموّا و تشع رحمة، وجدت فاطمة ما تنشده المرأة في أعماقها...


وجدت کل ذلک قرب عليّ.

و وجد علي في فاطمة قبساً من اُمه، فالزهراء تکاد تذوب رقة، وجد فيها رفيق دربه، ففاطمة شوق و حنين، ووجد فيها الخصب والحياة ففاطمة کوثر محمد.

طلب علي يد فاطمة؛ واطرقت فاطمة، وکان صمتها، و حمرة الحياء تقولان نعم لعلي، و بارکت الملائکة لقاء الشطرين ليؤلّفا کياناً جديداً فيه صفات حواء و خصال آدم.

وذات صباح جاء النبي زائراً و سأل فتاه:

- کيف وجدت أهلک؟

أجاب علي وعيناه تنطقان ثناءً.

- نِعم العون علي طاعة اللَّه.

و التفت النبي إلي فتاته:

- و کيف وجدتِ بعلک؟

فقالت بکلمات تقطر حياءً و حبّاً:

- خير بعل.

رمق النبي السماء. عَبَرت الأفلاکَ کلماتُه الدافئة:

- اللهم ألّف بين قلبيهما و ارزقهما ذرية طاهرة.

و عندما همَّ بالنهوض قال الأب لفتاته:


- يا بنية نعم الزوج زوجک... لا تعصي له أمراً، ثم شد علي يد فتاه و قال بهدوء:

- الطف بزوجتک وارفق بها فان فاطمة بضعه مني يؤلمني ما يؤلمها و يسرّني ما يسرّها.

شي ء ما ولد في قلب علي تجذّر في أعماقه، شي ء يشبه العهد... الميثاق ألّا يغضب فاطمة أو يکرهها علي أمر ما إلي الأبد.

و في قلب فاطمة ولد الحب، تفجر نبعه و عند ما يحب المرء ينسي کلّ شي ء سوي الطاعة للحبيب.

وهکذا عاش عليّ و فاطمة. و تمرّ الأيام.