بازگشت

الزواج




کانت الصديقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام في محلها الذي اختصها اللّه به من العظمة تکتنفها فضائل جمة تقاعست عن مداها کافة البشر و انحط عن دراها ذوو المئاثر منذ بدء الخليقة کيف لا و قد جاء بها النبي صلّي اللّه عليه و آله للمباهلة (قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم و نساءنا نساءکم و نساءکم و أنفسنا و أنفسکم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه علي الکاذبين) و کانت خامسة أصحاب الکساء المعنيين بآية التطهير (انّما يريد اللّه ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهّرکم تطهيراً) و لم يفت ء والدها الأقدس ينوه بفضلها و يصحر بشرفها الوضاح في ملأ من أصحابه و علي رؤوس الأشهاد کقوله ان اللّه يغضب لغضب فاطمة و يرضي لرضاها [1] و هي سيّدة نساء العالمين:


و ان مريم أحصنت فرجها

و جاءت بعيسي نبي الهدي


فقد أحصنت فاطم بعدها

و جاءت بسبطي نبي الهدي [2] .


إلي الکثير من کلماته التي تنم عن مستوي مجدها الباذخ فکانت لها الميزة الخاصة علي نساء العالمين حتي علي أخواتها اللائي هنّ أکبر منها في السنّ


(زينب و رقية و اُم کلثوم) فإن نبي الإسلام لم ينبي ء عنهنّ و لا ببعضه و لما علمت الصحابة ان ما حازته فاطمة من القداسة والرفعة لم تنلها أي امرأة حتي بنات الأنبياء کانت لهم مطامع طامحة إلي مصاهرة النبي صلّي اللّه عليه و آله منها تهالکاً منهم في الحصول علي ذلک الخطر الشامخ والحظوة بالإقتران بمثلها من (حوراء إنسية و محدثة مرضية) غير ان هيبة النبوّة کانت تصدّهم عن مذاکرة النبي صلّي اللّه عليه و آله لا سيّما بعد أن شاهدوا ردّ من خطبها معلّلاً بأنه ينتظر في أمر فاطمة الوحي الإلهي. [3] .

مع انه لم يرد أحداً خطب أخواتها و ليس ذلک إلّا لعلمه بأن خلفاءه علي الاُمة لابدّ و أن يکونوا منها و ان أبا الأوصياء لا يکون رجلاً عادياً من غمار الناس و ان تلک النطف الطاهرة لا يقلها أي صلب إلا من سبق العلم الأزلي بأن يکون و عاءلها حتي ينقلها إلي أمثاله من رحم طاهرة لا يخالطها نجس الشرک و لا سفاح الکفر.

کما ان اختيارهم لهاتيک المنصات لا يکون إلّا بنص من مبدع کيانهم و مودع العصمة فيهم و إلا فنبي العظمة لم يزل يهتف في اُمته بأن المسلم کفؤ المسلم مکتسحاً بذلک عادات الجاهلية و مفاخراتهم و لم يبرح عاملاً به و آمراً قومه بالعمل به فزوّج المقداد بن الأسود من ضباعة بنت عمه الزبير بن عبدالمطلب [4] و زوّج زيد بن حارثة من زينب بنت حجش ابنة عمته اميمة بنت عبدالمطلب إلا ان أمر فاطمة فوق ذلک الأمر العادي کما يقول الإمام الصادق: «لو


لا علي لما کان لفاطمة کفؤ من آدم فمن دونه» [5] .

و لأجله صدر التکليف الخاص بسيد الوصيّين عليه السلام أن لا يتزوّج امرأة مادامت فاطمة موجودة [6] فلم يتزوّج أميرالمؤمنين امرأة حتي ماتت فاطمة کما ان النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يتزوّج حتي توفّيت خديجة و قال السيّد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية هذا التحريم من خصائص فاطمة [7] .


لأنها قطب رحي الوجود

في قوسي النزول والصعود


مهجة قلب عالم الإمکان

و بهجة الفردوس في الجنان


و مرکز الخمسة من أهل العبا

و محور السبع علواً و إبا


و في محياها بعين الأوليا

عينان من ماء الحياة والحيا


بل وجهها الکريم وجه الباري

و قبلة العارف بالأسرار


روح النبي في عظيم المنزلة

و في الکفاء کفؤ من لا کفؤ له [8] .


و بينا النبي صلّي اللّه عليه و آل يرد کل من أتاه خاطباً لها حتي ساءه عبدالرحمن بن عوف حين غالي في المهر فمد النبي صلّي اللّه عليه و آله يده المبارکة إلي حصي و تناوله فإذا هو درّ و مرجان و قال: ان من يقدر علي هذا لا يهمّه کثرة المهر [9] .

إذ هبط الأمين جبرئيل معه سنبل و قرنفل من الجنة أهداهما اللّه إليه و أعلمه بما أمر اللّه به من تزويج علي عليه السلام من فاطمة بخمسمائة درهم تکون سنّة لاُمته و قد فرض اللّه سبحانه لها خمس الدنيا و ثلثي الجنة و أربعة أنهار في


الأرض الفرات و دجلة و نيل مصر و نهر بلخ و أخبره بأنه إذا زوّجها من علي عليه السلام جري منهما أحد عشر إماما لکل اُمة إمام في زمانهم يتعلّمون منه کما علم قوم موسي مشربهم [10] .

و انه سبحانه أمر الملائکة أن يزيّنوا الجنان و أمر الحور العين بقرائة طاها و ياسين و حمسعق و أرسل سحابة نثرت الدرّ والياقوت و اللؤلؤ والسنبل والقرنفل فالتقطت الملائکة [11] والحور و تهادين به [12] .

و انه تعالي شأنه قال: الحمد ردائي والعظمة کبريائي والخلق کلهم عبيدي و إمائي [13] يا ملائکتي و سکان جنّتي بارکوا علي علي بن أبي طالب حبيب محمد و علي فاطمة بنت محمد فإني قد بارکت عليهما و قد زوّجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرجال إليّ من النبيّين والمرسلين.

فقال راحيل: يا رب و ما برکتک عليهما بأکثر مما رأينا لهما في جنانک؟ فقال عزّ و جل: ان من برکتي عليهما اني أجمعهما علي محبّتي و أجعلهما حجّة علي خلقي و عزّتي و جلالي لأخلقنّ ذريّة منهما أجعلهم خزاني في أرضي و معادن علمي و دعاة إلي ديني بهم أحتجّ علي خلقي بعد النبيّين والمرسلين [14] .

و خطب راحيل في البيت المعمور فقال:

الحمد للّه الأول قبل أولية الأولين الباقي بعد فناء العالمين نحمده إذ جعلنا ملائکة روحانيين و بربربيته مذعنين و له علي ما أنعم شاکرين حجبنا من الذنوب و سترنا من العيوب و أسکننا في السماوات و قربنا في السرادقات و حجب عنا


النهم والشهوات و جعل نهمتنا في تسبيحه و تقديسه، الباسط رحمته الواهب نعمته جلّ عن الإلحاد أهل الأرض من المشرکين و تعالي بعظمته عن إفک الملحدين و ان الملک الجبّار اختار صفوة کرمه و عبد عظمته علي بن أبي طالب لأمته سيدة النساء بنت خير النبيّين و سيّد المرسلين و إمام المتّقين فوصل حبله بحبل رجل من أهل المصدق دعوته و المبادر إلي کلمته (علي الوصول) بفاطمة البتول) ابنة الرسول محمد صلّي اللّه عليه و آله.

و ان اللّه سبحانه و تعالي أنشأ في شجرة طوبي صکاکاً بعدد ما يعلمه من محبي علي و فاطمة فيها فکاکهم من النار و خلق ملائکة تحتها فلما هز رضوان تلک الشجرة تساقطت الصکاک فحفظتها الملائکة و في يوم القيامة لا يبقي محب لهما إلا و يأتيه الملک و بيده صک فيه خلاصه من النار [15] .

و في حديث الباقر عليه السلام: انها نثرت الدرّ والياقوت والزبرجد الأحمر والأخضر والأصفر و مناشير و مخطوطة بالنور فيها أمان مذخور إلي يوم القيامة [16] .

و هبط علي النبي صلّي اللّه عليه و آله ملک يقال له محمود مکتوب بين کتفيه محمد رسول اللّه علي وصيّه فقال: يا رسول اللّه ان اللّه بعثني أن اُزوّج النور من النور أعني فاطمة من علي [17] .

و لما علم النبي صلّي اللّه عليه و آله بما حکم اللّه به دعا ابنته الزهراء و أوقفها علي ما اختاره اللّه و قضاه و سألها عن رغبتها فيه فسکتت فصاح النبي: اللّه


أکبر سکوتها إقرارها و سأل أميرالمؤمنين عما يجده من الصداق فقال: لا أجد إلا درعي و سيفي و فرسي و ناضحي فأمره صلّي اللّه عليه و آله ببيع الدرع حيث لا غناء له عن السيف والفرس والناضح [18] فکان قيمتها خمسمائة درهم [19] .

و خرج رسول اللّه إلي أصحابه يعلمهم بالوحي الإلهي فقال: أيها الناس انما أنا بشر مثلکم أتزوّج فيکم و ازوّجکم إلا فاطمة فإن تزويجها نزل من السماء [20] و هذا جبرئيل يخبرني عن اللّه تعالي انه أشهد ملائکته علي انه زوّج فاطمة من علي و أمرني أن اُزوّجهما في الأرض و اشهدکم علي ذلک [21] .

ثم رقي صلّي اللّه عليه و آله المنبر فقال:

الحمد للّه الذي رفع السماء فبناها و بسط الأرض فدحاها و أثبتها بالجبال


فأرساها و أخرج منها ماءها و مرعاها الذي تعاظم عن صفات الواصفين و تجلّل عن لغات الناطقين و جعل الجنّة ثواب المتّقين والنار عقاب الظالمين [22] الحمد للّه المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه و سطوته، النافذ أمره في سمائه و أرضه، الذي خلق الخلق بقدرته و ميّزهم بأحکامه و أعزّهم بدينه و أکرمهم بنبيّه محمد صلّي اللّه عليه و آله [23] .

عباد اللّه انکم في دار أمل و عدو أجل و صحة و علل دار زوال و تقلّب أحوال جعلت سبباً للإرتحال فرحم اللّه امرءاً قصر من أمله و جدّ في عمله و أنفق الفضل من ماله و أمسک الفضل من قوته ليوم فاقته يوم يحشر فيه الأموات و تخشع له الأصوات و تذهل الاُمهات و تري الناس سکاري و ما هم بسکاري يوم يوفيهم اللّه دين الحق و يعلمون ان اللّه هو الحق المبين يوم تجد کل نفس ما عملت من خير محضراً و ما عملت من سوء تود لو انّ بينها و بينه أمداً بعيداً و من يعمل مثقال ذرّة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّة شراً يره يوم تبطل فيه الأنساب و تقطع الأسباب و يشتد الحساب فمن زحزح عن النار و اُدخل الجنّة فقد فاز و ما الحياة الدينا إلا متاع الغرور [24] .

ثم ان اللّه جعل المصاهرة نسباً لاحقاً و أمراً مفترضاً نسخ بها الآثام و أوشج بها الأرحام و ألزمها الأنام فقال عزّ من قائل: (و هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً و کان ربّک قديراً).

فأمر اللّه يجري إلي قضائه و قضاؤه يجري إلي قدره و قدره يجري إلي أجله فلکلّ قضاء قدر و لکل قدر أجل کتاب يمحو اللّه ما يشاء


و يثبت و عنده اُم الکتاب.

أيها الناس ان الأنبياء حجج اللّه في أرضه الناطقون بکتابه العاملون بوحيه و ان اللّه أمرني أن اُزوّج فاطمة من علي بن أبي طالب فإن اللّه قد زوّجه في السماء بشهادة الملائکة و اُشهدکم اني زوّجته من فاطمة [25] و التفت إلي علي عليه السلام قائلاً: أرضيت يا علي؟

فقال عليه السلام: رضيت عن اللّه و عن رسوله.

فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: جمع اللّه شملکما و أسعد جدّکما و بارک عليکما و أخرج منکما کثيراً طيّباً [26] .

و أمره النبي صلّي اللّه عليه و آله أن يخطب فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: الحمد للّه الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين و أنار بثواقب عظمته قلوب المتّقين و أوضح بدلائل أحکامه طرق السالکين و أبهج بابن عمّي المصطفي العالمين حتي علت دعوته دواعي الملحدين و استظهرت کلمته علي بواطل المبطلين و جعله خاتم النبيين و سيد المرسلين فبلغ رسالة ربّه و صدع بأمره و أنار من اللّه آياته، الحمد للّه الذي خلق العباد بقدرته و أعزّهم بدينه و أکرمهم بنبيّه محمد صلّي اللّه عليه و آله و رحم و کرم و عظم و شرف الحمد للّه علي نعمائه و أياديه الحمد للّه الذي قرب من حامديه و دنا من سائليه و وعد الجنّة من يتّقيه و أنذر بالنار من يعصيه نحمده علي قديم إحسانه و أياديه حمد من يعلم انه خالقه و باريه و مميته و محيه و مسائله عن مساويه و نستعينه و نستهديه و نؤمن به و نستکفيه و نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريک له شهادة تبلغة و ترضيه و انّ محمداً عبده و رسوله صلي اللّه عليه صلاة تزلفه و تحظيه و ترفعه و تصطفيه والنکاح مما أمر اللّه به و يرضيه و اجتماعنا مما قدره اللّه و أذن فيه.


و هذا رسول اللّه زوّجني ابنته فاطمة علي خمسمائة درهم و قد رضيت فاسألوه واشهدوا [27] .


پاورقي

[1] منتخب کنزالعمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 96 و 97 و مستدرک الحاکم ج 3 ص 153.

[2] في البحار ج 10 ص 16 انهما لحسان.

[3] في منتخب کنزالعمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 99 والسيرة الحلبية ج 2 ص 217 والصواعق المحرقة ص 84 و ذخائر العقبي ص 30 و تاريخ الخميس ج 1 ص 407 ان النبي صلّي اللّه عليه و آله ردّ أبابکر و عمر لمّا خطباها و قال: اني أنتظر أمر السماء.

[4] من الغريب يخرج منهما عبداللّه فيحارب علياً عليه السلام يوم الجمل و يکون المهاجر بن خالد بن الوليد معه يوم صفين.

[5] الکافي والکليني والتهذيب للطوسي في باب الکفائة.

[6] أمالي الطوسي ص 27 و مناقب ابن شهر آشوب ج ص 93 و بشارة المصطفي ص 136.

[7] السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 12.

[8] من اُرجوزة آية اللّه الحجة الشيخ محمد حسين الاصفهاني (قده).

[9] مدينة المعاجز ص 144 والبحار ج 10 ص 33.

[10] دلائل الإمامة لابن جرير ص 18.

[11] تفسير فرات ص 157.

[12] کشف الغمة ص 142 و مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 105.

[13] مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 106.

[14] روضة الواعظين ص 126.

[15] الصواعق المحرقة ص 103 و تاريخ بغداد ج 4 ص 210 و اسدالغابة ج 1 ص 206 و الإصابة ج 1 ص 82 بترجمة سنان بن شفعلة و مناقب الخوارزمي و رشفة الصادي ص 28 و کشف الغمة ص 137.

[16] دلائل الإمامة ص 18 ط نجف.

[17] أمالي الصدق ص 353 مجلس 86 والمحتضر ص 133.

[18] کفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للکنجي الشافعي ص 166.

[19] المروي في دلائل الإمامة ص 135 کانت قيمتها أربعمائة ولکن المتحصل مما يؤثر في تقدير مهر السنة الذي لا يتخطاه المؤمن اثنا عشر اوقية و نشا يساوي من الدراهم المضروبة خمسمائة درهم و علي هذا مشي الشارع الأقدس في نسائه و بناته و قرره للاُمة و ما أثبته التاريخ من صداق اُم حبيبة بنت أبي سفيان بأنه أربعة آلاف درهم لا ينقض ذلک الأساس الرصين فلقد أعلمنا أئمة الدين من آل الرسول صلّي اللّه عليه و آله خطبها و هي في الحبشة و ان النجاشي ساق إليهما ذلک المهر إذاً فمن الراجح المؤکد ترجيح القول بأن مهر فاطمة خمسمائة درهم و هو مهر السنّة کما صحّحه ابن شهر آشوب في المناقب ج 2 ص 408 والمجلسي في البحار ج 20 ص 33 فلا يعبؤ بما في ذخائر العقبي و منتخب کنزالعمال ج 5 ص 99 بهامش مسند أحمد ج 5 والصواعق المحرقة ص 85 من تقدير مهر فاطمة بأربعمائة مثقال.

و أما ما رواه في الکافي من ان مهر فاطمة في السماء خمس الأرض و في المناقب لابن شهر آشوب اضافة ثلث الجنة و أربعة أنهار الأرض فهو من الخصائص الخارجة عن مستوي الإدراک يرجع علمه إلي آل الرسول صلّي اللّه عليه و آله و لا يرمي بالرد بعد أن کان علمهم صعب مستصعب لا يتحمله إلا ملک مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه بالإيمان.

[20] البحار ج 10 ص 42 عن الکافي.

[21] بشارة المصطفي ص 179.

[22] التهذيب.

[23] الصواعق المحرقة ص 84 و مدينة المعاجز ص 147.

[24] تاريخ الخميس ج 1 ص 408 و ذخائر العقبي ص 30 والصواعق ص 84 و دلائل الإمامة ص 16.

[25] مدينة المعاجز ص 147.

[26] تاريخ الخميس ج 1 ص 408.

[27] مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 108.