بازگشت

الزواج من خديجة


کانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن کلاب ابن مرة بن کعب بن لوي بن غالب امرأة حازمة جلدة شريفة غنية من أوسط قريش نسباً و أعظمهم شرفاً و کانت ذات مال کثير تستأجر الرجال من قريش و تضاربهم علي شي ء من الربح و لما بلغها عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله صدق الحديث و کرم الأخلاق والمحافظة علي الأمانة عرضت عليه الخروج إلي الشام ليتاجر لها علي أن تعطيه أفضل ما تعطي غيره [1] .

فخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مع غلام لها يقال له «ميسرة» إلي سوق حباشة بأرض اليمن بينه و بين مکة ست ليال کانوا يتبايعون فيه ثلاثة أيام من أول رجب کل عام فابتناع بزاً و رجعا إلي مکة و ربح ربحاً حسناً و في السفرة الثانية أرسلته مع «ميسرة» إلي الشام فربح أکثر مما ربح غيره و أخبرها الغلام بما شاهده من الآيات الباهرة و ايمان الرهبان به و اخبارهم بما يکون من أمره [2] .

فأوقفت ابن عمّها ورقة بن نوفل علي ما أخبر به ميسرة فأکد ذلک لأنه قارئاً للکتب الإلهية فازدادت رغبتها في التزويج من النبي صلّي اللّه عليه و آله


بعد أن ردت الکثير من أشراف قريش الذين رغبوا في الإقتران بها فلم تجد من الرسول صلّي اللّه عليه و آله التباعد عما رغبت فيه و قد أعلم عمه أباطالب بما أرادته خديجة فذهب مع أشراف قومه إلي عمها عمرو بن أسد بن عبدالعزي لأن أباها مات قبل حرب الفجار [3] فقال أبوطالب في خطبته:

الحمد للّه الذي جعلنا من ذريّة إبراهيم و زرع اسماعيل و ضئضي ء معد و عنصر مضر و جعلنا حضنة بيته وسواس حرمه و جعله لنا بيتاً محجوجاً و حرماً آمناً و جعلنا حکام الناس و ان ابن أخي هذا محمد بن عبداللّه لا يوازن برجل إلّا رجح عليه شرفاً و نبلاً و فضلاً و عقلاً و إن کان في المال قل فإن المال ظل زائل و أمر حائل و عارية مسترجعه و هو واللّه بعد هذا له نبؤ عظيم و خطر جليل و قد خطب إليکم رغبة في کريمتکم «خديجة» و بذل لها من الصداق ما عاجله و آجله اثنتي عشر اوقية و نشا [4] .

فقال ابن عمها ورقة بن نوفل: الحمد للّه الذي جعلنا کما ذکرت و فضّلنا علي ما عددت فنحن سادة العرب و قادتها و أنتم أهل ذلک کله لا ينکر العرب فضلکم و لا يرد أحد من الناس فخرکم و شرفکم و رغبتنا في الإتصال بحبلکم و شرفکم فاشهدوا علي معاشر قريش اني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبداللّه و ذکر المهر.

و رغب أبوطالب مصادقة عمها علي هذا فقال عمرو بن أسد عم خديجة: اشهدوا علي معاشر قريش اني قد أنکحت محمد بن عبداللّه خديجة


بنت خويلد.

فتهلّل وجه أبي طالب فرحاً و قال: الحمد للّه الذي أذهب عنّا الکرب و دفع عنا الغموم [5] .

و نثر حمزة بن عبدالمطلب دراهم علي من حضر مجلس الخطبة و خرجت جواري من الدار فنثرن علي من حضر و ألقي علي الناس طيب لا يعرفون من طيبهم به حتي ان الرجل يقول لصاحبه من أين لک فلا يدري به غير انه يقول هذا طيب «محمد» و بعد هذا ظهر الحديث بأن الملقي عليهم جبرئيل عليه السلام و قال أبوجهل: رأينا الرجال يمهرون النساء و لم تسمع بأن النساء يمهرن الرجال فصاح به أبوطالب يا لکع الرجال مثل «محمد» يعطي و يهدي إليه و مثلک يهدي فلا يقبل منه.

فقال عبداللّه بن عثم کما في الکافي في باب خطبة التزويج:


هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جري

لک الطير فيما کان منک بأسعد


تزوجته خير البرية کلها

و من ذا الذي في الناس مثل محمد


و بشر به البران عيسي بن مريم

و موسي بن عمران فياقرب موعد


أقرت به الکتاب قدماً بأنه

رسول من البطحاء هاد و مهتد


ثم ان خديجة قالت لابن عمها ورقة أعلن بأن جميع ما تحت يدي من مال و عبيد فقد و هبته «لمحمد» يتصرف فيه کيف شاء فوقف ورقة بين زمزم والمقام و نادي بأعلا صوته: يا معاشر العرب ان خديجة تشهدکم علي انها و هبت «لمحمد» نفسها و مالها و عبيدها و جميع ما تملکه يمينها إجلالاً له و إعظاماً لمقامه و رغبة فيه وانفذت إلي أبي طالب غنماً کثيراً و دنانيراً و دراهم و ثياباً و طيباً ليعمل الوليمة.

فأقام أبوطالب لأهل مکة وليمة عظيمة ثلاثة أيام حضرها الحاضر والبادي و لما تمّ ما صنعته خديجة من معداة الزواج أرسلت إلي أبي طالب تعلمه بذلک


و تطلب منه زفاف محمد فخرج النبي صلّي اللّه عليه و آله بين أعمامه و عليه ثياب من قباطي مصر و غلمان بني هاشم بأيديهم الشموع والمصابيح والناس ينظرون إلي النور الإلهي يسطع إلي عنان السماء من غرّته و جبينه والعبّاس بن عبدالمطلب بينهم يقول:


يا آل فهر و غالب

أبشروا بالمواهب


و افخروا يا قومنا

بالثنا والرغائب


قد فخرتم بأحمد

زين کل الأطايب


فهو کالبدر نوره

مشرق غير غايب


قد ظفرت خديجة

بجليل المواهب


بفتي هاشم الذي

ماله من مناسب


جمع اللّه شملکم

فهو ربّ المطالب


أحمد سيّد الوري

خير ماش و راکب


فعليه الصلاة ما

سار عيسي براکب


و أحضرت لديه خديجة و کانت امرأة طويلة عريضة بيضاء لم ير في عصرها ألطف منها و لا أحسن و علي رأسها تاج مرصّع بالدّر والجواهر و في رجليها خلخالان من ذهب فيهما فيروزج و في عنقها قلائد من زبرجد و ياقوت فقالت صفية بنت عبدالمطلب کما في البحار ج 6 ص 1017 إلي ص 1019:


جاء السرور مع الفرح

و مضي النحوس مع الترح


به محمد المذکور في

کل المفاوز والبطح


و لقد بدا من فضله

لقريش أمر قد وضح


تم السعود لأحمد

والسعد عنه ما برح


بخديجة بنت الکمال

و بحر نايلها طفح




و کان التزويج منها في العاشر من ربيع الأول و عمره الشريف خمس و عشرون و لخديجة أربعون سنة [6] .

و لم يتزوّج عليها امرأة حتي ماتت و ولدت له ذکرين و أربع بنات و أول من ولدته القاسم و به کني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مات لسبعة أيام من ولادته و عبداللّه ولد بعد البعثة فلقّب بالطيّب والطاهر [7] .

و أول البنات زينب ولدت قبل النبوّة بعشر سنين و بعد ثلاث سنين من ولادتها ولدت رقية [8] ثم اُم کلثوم و اسمها آمنة [9] و کانت تعق عن الغلام شاتين و عن الجارية شاة [10] .

و اتّفق المؤرخون إلّا من شذ علي ان هؤلاء الأولاد ولدتهم خديجة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.

و ممن تعرض لذلک ابن جرير في التأريخ ج 2 ص 197 و ج 3 ص 175 وابن الأثير في الکامل ج 2 ص 14 و أبو الفدا في المختصر ج 1 ص 153 و ابن کثير في البداية ج 2 ص 294 وابن قتيبة في المعارف ص 61 و أبوالحسن في تاريخ الخميس ج 1 ص 308 والمسعودي في مروج الذهب ج 1 ص 46 و ص 407 والسبط في تذکرة الخواص ص 172 والمحب الطبري في ذخائر العقبي ص 151 والحاکم في المستدرک ج 3 ص 161 والشبراوي في الاتحاف بحب الأشراف ص 46 وابن العربي الأندلسي في أحکام القرآن ج 2 ص 207 وابن عبدالبر في الإستيعاب وابن حجر في الإصابة بترجمتهنّ و نثر اللئالي للآلوسي ص 162.


و اعترف به من علماء الإمامية الشيخ الکليني في الکافي في باب مولد النبي صلّي اللّه عليه و آله و لم يتعقب عليه الفيض في الوافي و قال به الطبرسي في اعلام الوري ص 86 وابن شهر آشوب في المناقب ج 1 ص 110 والمجلسي بعد أن اختاره في مرآة العقول ج 1 ص 352 حکاه عن خصال الصدوق و عن المنتقي و رواه ابن عبّاس.


پاورقي

[1] سيرة ابن هشام بهامش الروض الانف ج 1 ص 161 و فيها ص 122 ان «اُم خديجة» فاطمة بنت زائد بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر «و اُم فاطمة» هالة بنت عبدمناف ابن الحرث بن عمرو بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر ابن لؤي بن غالب بن فهر «و اُم هالة» قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن کعب بن لؤي بن غالب بن فهر، و في الروض الانف ج 1 ص 124 «و اُم قلابة» اميمة بنت عامر بن الحرث بن فهر.

[2] السيرة الحلبية ج 1 ص 161 في باب السفر إلي الشام ثانياً.

[3] السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية ج 1 ص 106 و فيها المتفق عليه ان المزوج لها عمها عمرو و ذکر في السيرة الحلبية ج 1 ص 164 جمعاً بين الأقوال و هو حضور کل مر عمها و أخيها عمرو وابن عمها ورقة فلذلک نسب التزويج إلي کل واحد منهم ولکن الصحيح ان المزوج هو عمها.

[4] في السيرة الحلبية ج 1 ص 165 کان الصداق من ذهب و مجموعه خمسمائة درهم شرعي لأن الاوقية تساوي أربعين درهماً والنش نصف اوقية.

[5] السيرة النبوية لابن دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 1 ص 106.

[6] مسار الشيعة للشيخ المفيد و تقويم المحسنين للفيض.

[7] تأريخ الخميس ج 1 ص 308.

[8] الإستيعاب بترجمتها.

[9] مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 110 ط ايران.

[10] السيرة الحلبية ج 6 ص 346 في باب أولاده.