بازگشت

هل في مصحف فاطمة أحكام شرعية؟




يزعم البعض: أن مصحف فاطمة يحوي أحکاما شرعية، و هو يستند في ذلک الي رواية عن الامام الصادق عليه السلام، تقول:

«و عندي الجفر الابيض، قال: قلت: فأي شي ء فيه؟! قال: زبور داود، و توراة موسي، و انجيل عيسي، و صحف ابراهيم عليهم السلام، و الحلال و الحرام، و مصحف فاطمة، ما أزعم ان فيه قرآنا، و فيه ما يحتاج الناس الينا، و لا نحتاج الي أحد، حتي فيه الجلدة و نصف


الجلدة، و ربع الجلدة، و أرش الخدش» [1] .

و نقول:

أولا: ان قوله: «و فيه ما يحتاج الناس الينا» ليس معطوفا علي قوله: «ما أزعم ان فيه قرآنا»، ليکون بيانا لما يحتويه المصحف، و انما هو معطوف علي قوله: زبور داود، و توراة موسي الخ.. أي ان في الجفر الابيض: زبور داود، و توراة موسي، و مصحف فاطمة، و فيه الحلال و الحرام، فيه ما يحتاج الناس الينا.

و ثمة رواية أخري عن عنبسة بن مصعب ذکرت: ان في الجفر سلاح رسول الله، و الکتب، و مصحف فاطمة [2] .

ثانيا: لقد روي الکليني عن: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبدالعزيز، عن حماد بن عثمان، عن الامام الصادق عليه السلام، حديثا ذکر فيه أنه کان ملک بعد وفاة النبي يحدث الزهراء، و يسلي غمها؛ فشکت ذلک الي أميرالمؤمنين، فقال لها: اذا أحسست بذلک، و سمعت الصوت قولي لي، فأعلمته ذلک، و جعل أميرالمؤمنين (ع) يکتب کل ما سمع حتي أثبت من ذلک مصحفا، ثم قال:

«أما انه ليس فيه شي ء من الحلال و الحرام، ولکن فيه علم ما يکون» [3] .


و قد ناقش البعض في هذا الحديث، فقال: «ان المفروض في الملک انه جاء يحدثها، و يسلي غمها، ليدخل عليها السرور، فکيف تشکو ذلک الي أميرالمؤمنين؟ مما يدل علي أنها کانت متضايقة من ذلک.

کما ان الظاهر منه ان الامام عليه السلام لا يعلم به، و أن المسألة کانت سماع صوت الملک، لا رؤيته». انتهي.

و نقول:

ليس ثمة مشکلة من حيث رؤيته الملک أو سماع صوته فقط، و لا في أن أميرالمؤمنين عليه السلام کان يعلم ذلک أو لا يعلم.

و ليس هذا هو محط النظر، و ان کان اثباته في غاية السهولة، لکن لا دور له في اثبات مصحف فاطمة أو نفيه، و لا في کونها أول مؤلفة في الاسلام أو عدمه؛ فلا لطرح الکلام بهذه الکيفية.

و أما تضايقها عليهاالسلام فلم يکن من حديث الملک معها، بل کان لأجل ان الملک کان يذکر لها أيضا ما سيجري علي ذريتها؛ ففي کتاب المحتضر: أن فاطمة (ع) لما توفي أبوها (ص) قالت لأميرالمؤمنين (ع): اني لأسمع من يحدثني بأشياء و وقائع تکون في ذريتي، قال: فاذا سمعتيه فأمليه علي، فصارت تمليه عليه، و هو يکتب. و روي أنه بقدر القرآن ثلاث مرات، ليس فيه شي ء من القرآن.

فلما کمله سماه «مصحف فاطمة» لأنها کانت محدثة


تحدثها الملائکة» [4] .

بل ان هذا المستشکل نفسه يذکر بعد کلامه السابق مباشرة رواية ابي عبيدة و فيها: «و کان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاءها علي أبيها، و يطيب نفسها، و يخبرها عن أبيها و مکانه، و يخبرها بما يکون بعدها في ذريتها، و کان (ع) يکتب ذلک، فهذا مصحف فاطمة [5] ».

و قد وصف المجلسي الأول هذه الرواية بأنها صحيحة [6] .

فحکم البعض علي هذه الرواية بالضعف موضع نظر و تأمل، اذ أن الظاهر ان المراد بابي عبيدة هو أبوعبيدة الحذاء أي زياد بن ابي رجاء، و هو ثقة، و لا ندري السبب في استظهار البعض: انه المدائني!! مع اننا لم نجد لابن رئاب رواية عن المدائني هذا، و لم يرو عن المدائني سوي رواية واحدة فيما يظهر. و لعلها من الاشتباه في النسبة من قبل الرواة.

فاذا اطلق ابوعبيدة فالمقصود هو الحذاء، لا سيما مع تعدد رواية ابن رئاب عنه، و مع عدم وجود شي ء ذي بال يرويه عن المدائني [7] .

و الملفت للنظر أيضا: ان هذا البعض قد علق علي هذا الحديث


بأنه «ظاهر في اختصاص العلم بما يکون في ذريتها فقط، بينما الرواية الأخري تتحدث عن الأعم من ذلک، حتي انها تتحدث عن ظهور الزنادقة في سنة ثمان و عشرين و مئة، و هو ما قرأه الامام (ع) في مصحف فاطمة». انتهي.

و نقول:

غاية ما هناک: أن الرواية قد أثبتت أن جبرائيل (ع) قد حدث فاطمة بما يکون في ذريتها، و ليس فيها ما يدل علي نفي وجود اخبارات غيبية أخري فيه.

و من الواضح: أن اثبات شي ء لا ينفي ما عداه.

و ليس في الرواية ايضا ما يدل علي أنها في مقام نفي وجود علوم و أمور أخري في المصحف، لکنها أرادت ان تنبه علي شي ء جعل فاطمة عليهاالسلام تهتم له، و تذکره لعلي، لکونه يتعلق بما سيجري علي ذريتها.

ثالثا: هناک حديث حبيب الخثعمي، الذي يذکر: أن المنصور کتب الي محمد بن خالد: ان يسأل أهل المدينة عن مسألة في الزکاة، و منهم الامام الصادق عليه السلام؛ فأجاب الامام عليه السلام، عن السؤال، فقال له عبدالله بن الحسن: من أين اخذت هذا؟

قال: قرأت في کتاب أمک فاطمة [8] .

و قد علق هذا البعض علي هذا الحديث بقوله:

«ظاهر هذا الحديث ان کتاب فاطمة- و هو مصحف


فاطمة- يشتمل علي الحلال و الحرام».

و نقول:

أولا: ان هذا الحديث ضعيف السند.

ثانيا: ان التعبير ب: «کتاب فاطمة» قد ورد أيضا في رواية فضيل بن سکرة، عن الامام الصادق (عليه السلام) [9] و ليس بالضرورة أن يکون المقصود به «مصحف فاطمة» الذي هو موضع البحث، فضلا عن الجزم بذلک، ثم ارساله ارسال المسلمات، اذ قد کان فاطمة عليهاالسلام کتب أخري غير المصحف.

1- فقد روي الکليني في الکافي عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن اسحاق بن عبد العزيز، عن زرارة، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال:

جاءت فاطمة تشکو الي رسول الله صلي الله عليه و آله بعض أمرها فأعطاها رسول الله صلي الله عليه و آله کربة [10] و قال تعلمي ما فيها، و اذا فيها:

«من کان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره، و من کان يؤمن بالله و اليوم الآخر، فليکرم ضيفه، و من کان يؤمن بالله و اليوم الآخر، فليقل خيرا او ليسکت [11] ».


2- و روي في دلائل الامامة بسنده عن ابن مسعود، قال: جاء رجل الي فاطمة عليهاالسلام.

فقال: يا ابنة رسول الله، هل ترک رسول الله عندک شيئا تطرفينيه؟

فقالت: يا جارية، هات تلک الحريرة، فطلبتها، فلم تجدها.

فقالت: ويحک اطلبيها، فانها تعدل عندي حسنا و حسينا.

فطلبتها؛ فاذا هي قد قممتها في قمامتها، فاذا فيها:

قال محمد النبي (ص): ليس من المؤمنين، من لم يأمن جاره بوائقه، و من کان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذي جاره، و من کان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو يسکت.

ان الله يحب الحليم المتعفف، و يبغض الفاحش الضنين السأل الملحف.

ان الحياة من الايمان، و الايمان في الجنة، و ان الفحش من البذاء، و البذاء في النار [12] .

و هذه الرواية أيضا و سابقتها أيضا لا تدل علي انها (ع) هي التي کتبت و ألفت. بل في الرواية الاولي دلالة علي عکس ذلک، لأنها ذکرت: انه (صلي الله عليه و آله و سلم) أعطاها «کربة» مکتوبة


من عنده، و قال: تعلمي ما فيها.

3- و روي الصدوق بسنده الي أبي نضره، عن جابر، رواية مفادها: انه دخل علي فاطمة عليهاالسلام ليهنئها بمولودها الحسين (ع)، فاذا بيدها صحيفة [13] بيضاء، درة، فسألها عنها، فأخبرته: أن فيها أسماء الأئمة من ولدها، و انها قد نهيت عن ان تمکن أحدا من أن يمسها الا نبي، أو وصي، أو أهل بيت نبي، ولکنه مأذون أن ينظر الي باطنها من ظاهرها، فنظر اليها، وقرأ.. ثم ذکر ما قرأه [14] .


پاورقي

[1] الکافي: ج 1 ص 240 و البحار: ج 26 ص 37 باب 1 حديث 68 و بصائر الدرجات: ص 150.

[2] بصائر الدرجات: ص 154 و 156. و البحار: ج 26 ص 45 و 42 و ج 47 ص 271.

[3] الکافي: ج 1 ص 240 و بصائر الدرجات: ص 157، و بحارالانوار: ج 26 ص 44، و ج 43 ص 80 و ج 22 ص 45 باب 2، حديث 62 و عوالم العلوم: ج 11 القسم الخاص بالزهراء.

[4] عوالم العلوم: ج 11 ص 583 (مسند فاطمة) عن المحتضر: ص 132.

[5] الکافي: ج 1 ص 240 و 241 و 457 و 458. و البحار: ج 22 ص 545 و راجع المناقب لابن شهر آشوب: ج 3 ص 337 ط المطبعة العلمية- قم- ايران.

[6] روضة المتقين: ج 5 ص 342 و مرآة العقول ج 3 ص 59 و ج 5 ص 134.

[7] و لا بأس بمراجعة معجم رجال الحديث: ج 21 ص 233/ 236.

[8] البحار: ج 47 ص 227 باب: 7 حديث: 17.

[9] الکافي: ج 1 ص 242.

[10] کرب النخل: أصول السعف، أمثال الکتف.

[11] عوالم العلوم: ج 11 (الجزء الخاص بالزهراء (ع): ص 187 و الکافي: ج 2 ص 667 ح 6 و راجع: ص 285 ح 1. و البحار: ج 43 ص 51 ح 52، و الوسائل: ج 8 ص 487 ح 3 و في الجنة الواقية: ص 508 قطعة منه.

[12] دلائل الامامة: ص 1 و عوالم العلوم: ج 11 ص 188 و 620 و 261. (الجزء الخاص بالزهراء (ع). و في هامشه عن مسند فاطمة (ع): ص 113.

و راجع مستدرک الوسائل: ج 18 و سفينة البحار: ج 1 ص 229 و 231 و المعجم الکبير للطبراني: ج 22 ص 413 مع اختلاف في اللفظ.

[13] عبرت بعض النصوص الواردة في المصادر التي في الهامش باللوح.

[14] عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 40 و 44 و 46. و الاختصاص ص 210 و الامالي للطوسي ج 1 ص 297 و الخصال ج 2 ص 477/ 478 و کمال الدين ص 305- 313.