بازگشت

تأويل النصوص




و حين تواجه البعض، هذه النصوص الکثيرة في أمر کهذا، فيقع في حيرة من أمره، حيث لا مجال له لردها، لأنها متواترة أو تکاد، فانه يقول لک: ان اللازم هو تأويل هذه النصوص، تماما کما هو الحال بالنسبة للنصوص الدالة علي الرجعة، أو غيرها..

و نقول:

انه لا مجال للتأويل، لا في هذه النصوص و لا في تلک، بل علينا- اذا لم نستطع فهمها- ان نرد علمها الي الله، کما قاله الخواجوئي المازندراني؛ و هو يتحدث عن موضوع الرجعة، و اليک عبارتة:

«و ليس ينبغي ان يعجب من ذلک، فالامور المجهولة العلل لا يعجب منها. ألا يري الي قول سيدنا أميرالمؤمنين صلوات الله عليه- و قد سبق-: هذا علم يسع الناس جهله، ورد علمه الي الله؟!

علي ان بعضه کفوز الأولياء بثواب النصرة و المعونة، و بهجتهم بظهور الدولة و السلطنة، و کالانتقام من الاعداء، و نيل بعض ما يستحقونه من العقاب و العذاب في الدنيا، الي غير ذلک، مذکور في


الاخبار الخ.. [1] ».

نعم لا مجال للتأويل، و ذلک لما يلي:

1- ان النص اذا تضمن أمرا توقيفيا، لا مسرح للعقل فيه، و لا يخالف الثوابت العقلية و لا الدينية، فلا بد من قبوله.

2- اذا لم نفهم نحن هذا النص، و لم نستطع ادراک الحکمة فيه، فليس لنا أن نرده، و ليس لنا أن نأوله، اذ قد يأتي زمان تترقي فيه قوانا الفکرية، و عقولنا، و يزيد فيه علمنا، و نعرف الحکمة فيه. و قد تمر عشرات السنين بل المئات ليقطع البشر شوطا بعيدا في التقدم الفکري و العلمي ليمکن لنا أن تتحقق من السر أو من الحکمة، أو من المعني الدقيق لبعض النصوص.

و نحن انما فهمنا العديد من معاني آيات القرآن الکريم، کالآيات الکونية و سواها في هذا القرن العشرين، و في خصوص هذين العقدين الأخرين و ما لم نفهمه أکثر.

3- ان تأويل النص انما يتم في صورة ما لو جاء مخالفا في ظاهره البدوي لما يحکم به العقل، أو مخالفا للثوابت و المسلمات الشرعية و غيرها؛ شرط ان يکون هذا التأويل مقبولا و معقولا و ممکنا.

4- اذا کان النص الوارد غير قابل للتأويل المقبول عند أهل اللسان. و کان نصا صريحا مخالفا للمسلمات، العقلية و الشرعية، و مخالفا لصريح القرآن، فلا بد حينئذ من رفضه، ورده، و ضربه علي الجدار، للعلم حينئذ بأن المعصوم لم يقله، و لم يتفوه به.


و هکذا يتضح: أن الاستناد الي الاستبعادات و الاستحسانات في أمور ترتبط بالغيب، و ما لا طريق لنا الي الاطلاع عليه، و کذا عدم القدرة علي تعقل او فهم بعض الامور، الواردة في النصوص، لا يبرر رفض النص، و لا يلزمنا بتأويله، و ذلک واضح و ظاهر الرجعة المثال الآخر:

و يشبه ما نحن فيه، ما يقوله البعض عن موضوع الرجعة أيضا و ذلک لأن من الواضح ان هناک أمورا تثبت بالاجماع أو بالدليل العقلي، و هما دليلان لبيان و لا مجال للتأويل في الدليل اللبي، کما ذکره السيد المرتضي (قدس سره) ردا علي من قال بلزوم تأويل أحاديث الرجعة برجوع الدولة، و الامر و النهي، حيث قال ما لفظه:

«ان قوما من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرجعة، و بيان جوازها و أنها تنافي التکليف عولوا علي هذا التأويل للاخبار الواردة بالرجعة.

و هذا منهم غير صحيح، لأن الرجعة لم تثبت بظواهر الاخبار المنقولة، فيطرق التأويلات عليها، فکيف يثبت ما هو مقطوع علي صحته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم؟

و انما المعول في اثبات الرجعة علي اجماع الامامية علي معناها، بأن الله تعالي يحيي أمواتا عند قيام القائم (ع)، من أوليائه و أعدائه علي ما بيناه، فکيف يطرق التأويل علي ما هو معلوم» رسائل الشريف المرتضي ج 1 ص 126.

فالسيد المرتضي رحمه الله يقول اذن:

1- ان الرجعة ثابتة باجماع الامامية.

2- ان الاجماع دليل لبي، و الدليل اللبي غير قابل للتأويل، لأنه ليس من النصوص ليمکن تأويله.

3- ان الذين خالفوا، انما خالفوا بعد القطع بتحقق اجماع الامامية علي هذا الامر، فلا تضر مخالفتهم بالاجماع، بل هو يحتج عليهم به، و يلزمهم ب.موافقته، و باعتماده.

4- ان الرجعة ليست من المدرکات العقلية، ليحتکم فيها الي العقل، أو لکي يسأل العقل عنها، بل هي أمر غيبي لا يعرف الا بالنقل أو الاجماع الکاشف عن ابلاغ المعصوم لهذا الامر للناس، و اجماع المجمعين- کما يقول السيد المرتضي- قد کشف لنا عن معرفتهم بهذا الامر التوقيفي، الذي أخدوه عن المعصومين (ع).

و اذا کانت الرجعة ثابتة بالأخبار المتواترة، فان ما ذکرناه من عدم جواز الالتجاء الي تأويل أخبارها، الا اذا صادمت الحکم العقلي الفطري، و هي لا تصادمه، قطعا، غاية ما هناک عجز بعضهم عن ادراک مغزاها، و ذلک لا يبرر تأويل أخبارها کما قلنا.

ان هذا الذي ذکرناه جار هنا و لا مجال لانکاره.

و للتدليل علي ما ذکرناه من ثبوت الرجعة بالدليل القطعي، نذکر هنا کلام بعض الاعلام.

فنقول:

قال ابن البراج في کتابه جواهر الفقه ص 250، و هو يعدد العقائد الجعفرية: يرجع نبينا و أئمتنا المعصومون في زمان المهدي مع جماعة من الامم السابقة و اللاحقة، لاظهار دولتهم و حقهم، و به قطعت المتواترات من الروايات و الآيات.

و يقول السيد عبدالله شبر في کتابه حق اليقين ص 2 و 3:

اعلم ان ثبوت الرجعة مما اجتمعت عليه الشيعة الحقة و الفرقة المحقة، بل هي من ضروريات مذهبهم، و قال العلامة المجلسي رحمه الله: أجمعت الشيعة علي ثبوت الرجعة في جميع الاعصار و اشتهرت بينهم کالشمس في رابعة النهار حتي نظموها في أشعارهم و احتجوا بها علي المخالفين في جميع أمصارهم و شنع المخالفون عليهم في ذلک و أثبتوه في کتبهم و أسفارهم منهم الرازي و النيشابوري و غيرهما. و کيف يشک مؤمن بحقية الأئمة الاطهار فيما تواتر

عنهم في قريب من مائتي حديث صريح رواها نيف و أربعون من الثقاة العظام و العلماء الاعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم کثقة الاسلام الکليني و الصدوق محمد بن بابويه و الشيخ أبي جعفر الطوسي و السيد المرتضي و النجاشي و الکشي و العياشي و علي ابن ابراهيم و سليم الهلالي و الشيخ المفيد و الکراجکي و النعماني و الصفار و سعد بن عبدالله و ابن قولويه و علي بن عبدالحميد و السيد علي بن طاوس و ولده صاحب کتاب زوائد الفوائد و محمد بن علي بن ابراهيم و فرات بن ابراهيم و مؤلف کتاب التنزيل و التحريف و أبي الفضل الطبرسي و أبي طالب الطبرسي و ابراهيم بن محمد الثقفي و محمد بن العباس بن مروان و البرقي و ابن شهر اشوب والحسن بن سليمان و القطب الراوندي و العلامة الحلي و السيد بهاءالدين علي بن عبدالکريم و أحمد بن داود بن سعيد و الحسن بن علي بن أبي حمزة و الفضل بن شاذان و الشيخ الشهيد محمد بن مکي والحسين بن حمدان والحسن بن محمد بن جمهور والحسن بن محبوب و جعفر بن محمد بن مالک الکوفي و طهر بن عبدالله و شاذان بن جبرئيل و صاحب کتاب الفضائل و مؤلف الکتاب العتيق و مؤلف کتاب الخطب و غيرهم من مؤلفي الکتب التي عندنا و لمم نعرف مؤلفه علي التعيين.

و اذا لم يکن مثل هذا متواترا ففي أي شي ء دعوي التواتر مع ما روته کافة الشيعة خلفا عن سلف و ظني ان من يشک في أمثالها فهو شاک في أئمة الدين و لا يمکنه اظهار ذلک من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملة القويمة بالقاء ما يتسارع اليه عقول المستضعفين من استبعادات المتفلسفين و تشکيکات الملحدين (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره و لو کره الکافرون) و قد صنف جماعة من القدماء کتبا في حقية الرجعة فمنهم أحمد بن داود بن سعيد الجرجاني قال الشيخ في الفهرست له کتاب المتعة و الرجعة و منهم الحسن بن علي بن أبي حمزة البطايني وعد النجاشي من جملة کتبه کتاب الرجعة. و منهم الفضل بن شاذان النيشابوري ذکر الشيخ في الفهرست و النجاشي ان له کتابا في اثبات الرجعة و منهم الصدوق محمد بن علي ابن بابويه فانه عد النجاشي من کتبه کتاب الرجعة. و منهم محمد بن مسعود النجاشي ذکر النجاشي و الشيخ في الفهرست کتابه في الرجعة. و منهم الحسن بن سليمان و ستأتي الرواية عنه.

(أقول) و لذا تضافرت الاخبار عن الائمة الاطهار (ع): ليس منا من لم يؤمن برجعتنا ففي الفقيه عن الصادق (ع) قال: ليس منا من لم يؤمن بکرتنا و يستحل متعتنا.

و الرجعة عبارة عن حشر قوم عند قيام القائم ممن تقدم موتهم من أوليائه و شيعته ليفوزوا بثواب نصرته و معونته و يبتهجوا بظهور دولته و قوم من أعدائه لينتقم منهم و ينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب و القتل علي أيدي شيعته و ليبتلوا بالذل و الخزي بما يشاهدون من علو کلمته و هي عندنا تختص بمن محض الايمان و محض الکفر و الباقون مسکوت عنهم کما وردت به النصوص الکثيرة و يدل علي ثبوتها مضافا الي الاجماع بل ضرورة المذهب، الکتاب و السنة.



پاورقي

[1] الرسائل الاعتقادية: ص 115