بازگشت

النقاط المعادة




و من النقاط التي ذکرناها في مقال سابق، و نشرناها، نختار ما يلي:

1- ان طرح الاحاديث المتشابهة، أو التي يصعب فهمها علي الناس، ثم الاصرار علي الاستمرار في هذا الطرح، من دون تقديم التفسير المعقول و المقبول، ليس بالامر المرضي، و لا هو محمود العواقب، خصوصا اذا کان ذلک من قبل أناس يتوقع الناس منهم حل المشکلات، و توضيح المبهمات.

و علي الاخص اذا کانت هذه الاحاديث، أو القضايا المشکلة لا تطرح علي أهل الاختصاص من أهل الفکر، و انما علي الناس السذج و البسطاء، بمن فيهم الصغير و الکبير، و المرأة و الرجل، و العالم و الجاهل. و ذلک عبر وسائل الاعلام العامة، و في الهواء الطلق.

2- ان اثارة المسائل الحساسة، و طرح التساؤلات علي أولئک الذين لا يملکون من أسباب المعرفة ما يمکنهم من حل العقدة بصورة سليمة و قويمة. و من دون تقديم اجابات کافية، أو حتي من دون اجابات أصلا، ان ذلک يفرض علي العلماء المخلصين أن يبادروا الي رفع النقيصة، و سد الثغرات، و تقديم الاجوبة الصحيحة، بکل ما يتوافر لديهم من وسائل، لئلا يقع الناس الابرياء الغافلون في الخطأ الکبير و الخطير.

مع الحرص الاکيد علي الاقتصار علي الفکرة، و دون أن تصدر أية اساءة، أو تجريح شخصي، أو انتقاص لاي کان من الناس.


و انما مع حفظ الکرامة و السؤدد، و بالاسلوب العلمي المهذب و الرصين.

مع التذکير و الالماح الي أن تبعة اثارة هذا المواضيع تقع علي عاتق مثيرها الاول. لا علي الذين تصدوا للتصحيح و التوضيح.

و ليس من الانصاف أن تثار هذه الامور في الهواء الطلق، ثم يطلب من الآخرين أن يسکتوا عن التعرض لها، الا في الخفاء، و بين جدران أربع، و خلف أبواب مغلقة أو مفتوحة، فان طلبا کهذا لا بد أن يفهم علي أنه أمر بالسکوت، بصورة جبرية، بل هو ابتزاز و حصر لحق الکلام بصاحب السيادة أو السماحة دون سواه. 3- انه لا مجاملة في قضايا الدين و العقيدة، فلا يتوقعن ذلک أحد من أي کان من الناس، حتي لو کان قريبا و حبيبا، و مهما کان موقعه و دوره، فان الحق و الدين فوق کل الاعتبارات.

4- ان قضايا الدين و العقيدة ليست حکرا علي فريق بعينه، بل هي تعني کل الناس علي اختلاف حالاتهم و مستوياتهم، فمن حق کل أحد أن يظهر حساسية تجاه أي مقولة تمس هذه القضايا، و لا بد أن يلاحق ذلک باهتمام بالغ و مسؤول، ليحدد موقفه. ولکن ضمن حدود الاتزان، و بالاسلوب العلمي الموضوعي و الرصين و المسؤول.

و يتأکد هذا الامر اذا عرفنا:

أ- ان قضايا العقيدة لا يجوز التقليد فيها، بل لا بد لکل فرد من الناس أن يلتمس الدليل المقنع و المقبول.. فليست مسائل العقيدة علي حد مسائل الفقه التي يرجع فيها الجاهل الي العالم ليأخذ الفتوي. استنادا الي الادلة العامة علي لزوم التقليد.


و ليس من الجائز منع الناس من العرض لمثل هذه القضايا، و لا يصح أن يطلب منهم مجرد الاخذ الاعمي لها، و تقليد الآباء و الاجداد، أو هذا العالم أو ذاک بها. کما لايصح، بل لايجوز استغلال غفلتهم، و طهرهم و عرض هذه القضايا لهم بصورة ناقصة، و غير متوازنة، فان ذلک لايتوافق مع الامانة العلمية و الشرعية التي لا بد من مراعاتها.

ب- ان تحسس الناس لقضايا الدين و العقيدة، و متابعتهم لها بحيوية و حماس لهو من علامات العافية، و دلائل السلامة، و من المفترض تشجيعه و تنميته فضلا عن لزوم الحفاظ عليه.

و لا يصح مهاجمته، و مواجهته بالاتهامات الکبيرة، و الخطيرة، بهدف کبته و القضاء عليه، بل اللازم هو تأکيده، و تحصينه، و توجيهه بصورة قويمة و سليمة، لتصبح تلک العقيدة أکثر رسوخا، و أعمق تأثيرا في السلوک و في الموقف، لا سيما في مواجهة التحديات.

5- ان العلوم الاسلامية کثيرة، و فيها سعة و شمولية ظاهرة، بالاضافة الي أنها بالغة الدقة في کثير من تفاصيلها، فلا غضاضة علي العالم أن يتريث في الاجابة علي کثير من الاسئلة التي توجه اليه في کافة العلوم، اذ ليس بمقدوره الاجابه علي جميع الاسئلة، الا أن يکون في مستوي الانبياء و الائمة. و قد قيل: رحم الله امرءا عرف حده فوقف عنده.

فاذا کان المسؤول لم ينجز بحث تلک المسائل و تحقيقها، و دراستها بصورة دقيقة و وافية، تمکنه بعد ذلک من أن يعرضها علي الناس بدقة و شمولية فليس له ان يصدر فيها أحکاما قاطعة. و لا يجوز له أن يتصدي للاجابة عنها، و ان کان لابد من ذلک؛ فعليه أن يلتزم


حدود العرض و البراءة من العهدة، و تقديم العذر بعدم التوفر علي دراستها و تمحيصها.

و لا غضاصة عليه لو اکتفي بعرض ما توافق عليه أعاظم علماء المذهب و أساطينه، من دون التفات الي ما تفرد به هذا العالم أو ذاک، حيث لا يمکن التزام الشاذ، و ترک المشهور و المنصور.

أما أن يثير کل ما يخطر علي باله، أو يجيب علي کل سؤال بطريقة تشکيکية، تحقق له الهروب [1] ، و توحي للناس بأنه عالم بکل تفاصيل القضايا، و بأنه يثير التساؤلات حولها من موقع الخبرة، و المسؤولية، و الاطلاع الدقيق، و الفکر العميق، مع أنه ربما لم يطلع علي النص أصلا، فضلا عن أن يکون قد درسه أو حقق فيه- ان هذا الاسلوب- غير مقبول، و غير منطقي و لا معقول.

6- انه ليس من حق أحد أن يطلب من الناس أن يقتصروا في ما يثيرونه من قضايا علي ما ورد عن النبي (ص) و الأئمة (ع) بأسانيد صحيحة، وفق المعابير الرجالية في توثيق رجال السند... لأن ذلک معناه أن يسکت الناس کلهم عن الحديث في جل القضايا و المسائل، دينية کانت أو تاريخية أو غيرها.

بل ان هذا الذي يطلب ذلک من الناس، لو أراد هو أن يقتصر في کلامه علي خصوص القضايا التي وردت بأسانيد صحيحة عن المعصومين، فسيجد نفسه مضطرا الي السکوت، و الجلوس في بيته، لأنه لن يجد الا النزر اليسير الذي سيستنفده خلال أيام أو أقل من


علي أننا نقول، و هو أيضا يقول: ان ثبوت القضايا لا يتوقف علي توفر سند صحيح لها برواية عن المعصومين، فثمة قرائن أخري تقوي من درجة الاعتماد أحيانا، ککون الرواية الضعيفة قد عمل بها المشهور، و استندوا اليها مع وجود ذات السند الصحيح أمام أعينهم، ثم لم يلتفتوا اليها و کذا لو کان النص يمثل اقرارا من فاسق بأمر يدينه أو يناقض توجهاته، فانه لا يصح ان يقال: ان هذا فاسق فلا يقبل قوله. و علي هذا، فلابد من ملاحظة القرائن المختلفة في قضايا الفقه، و الاصول، و العقيدة و التاريخ و غيرها من قبل أهل الاختصاص، حيث يستفيدون منها في تقوية الضعيف سندا، أو تضعيف القوي، بحسب الموارد و توفر الشواهد.

7- انه ليس أسهل علي الانسان من أن يقف موقف المشکک و النافي للثبوت، و المتملص من الالتزام بالقضايا، و الهروب من تحمل مسئوولياتها. و ليس ذلک دليل علمية و لا يشير الي عالمية في شي ء.

و العالم المتبحر، و الناقد، و المحقق هو الذي يبذل جهده في تأصيل الاصول، و تأکيد الحقائق. و اثبات الثابت منها، و ابعاد المزيف.

8- ان نسبة أي قول الي فئة أو طائفة، انما تصح اذا کان ذلک القول هو ما ذهب اليه، و صرح به رموزها الکبار، و علماؤها علي مر الاعصار، أو أکثرهم، و عليه استقرت آراؤهم، و عقدوا عليه قلوبهم.

و يعلم ذلک بالمراجعة الي مجاميعهم، و مؤلفاتهم، و کتب عقائدهم، و تواريخهم.

أما لو کان ثمة شخص، أو حتي أشخاص من طائفة، قد شذوا في بعض آرائهم، فلا يصح نسبة ما شذوا به الي الطائفة بأسرها، أو


الي فقهائها، و علمائها. فکيف اذا کان هؤلاء الذين شذوا باقوالهم من غير الطليعة المعترف بها في تحقيق مسائل المذهب.

و کذا الحال لو فهم بعض الناس قضية من القضايا بصورة خاطئة و غير واقعية و لا سليمة، فلا يصح نسبة هذا الفهم الي الآخرين بطريقة التعميم، لکي تبدا عملية التشنيع بالکلام الملمع و المزوق و المرصع و المنمق، مع تضخيم له و تعظيم، و تبجيل و تفخيم، يؤدي الي احتقار علماء المذهب و تسخيف عقولهم، بلا مبرر او سبب. ثم هو يدقم البديل الذي اعده و مهد له بالکلام المعسول مهما کان ذلک البديل ضعيفا و هزيلا.

9- ان طرح القضايا التي يطلب فهيا الوضوح، علي الناس العاديين باساليب غائمة، و ان کان ربما يسهل علي من يفعل ذلک التخلص و التملص من تبعة طروحاته الي حد ما..

ولکنه لا يعفيه من مسوولية تلقي الناس العاديين للفکرة علي انها هي کل الحقيقة، و هي الراي الصواب الناشي ء عن البحث و الدراسة، و ما عداه خطا.

نعم، لا يعفيه من مسؤولية ذلک، ما دام ان الکل يعلم: ان لاناس يفهمون الامور ببساطة، فلا يلتفتون الي کلمة: ربما، لعل، لنا ان نتصور، يمکن ان نفهم، نستوحي، علينا ان ندرس، و ما الي ذلک..

و بعد...

فاننا نحترم و نقدر جهود العاملين و المخلصين، و ندعو لهم بالتوفيق و التسديد، و نشکر کل الاخوة العاملين المخلصين الذين بذلوا جهدا في سبيل انجاح هذا الکتاب، و اخص منهم بالذکر الاخ العلامة


الجليل الشيخ رضوان شرارة، فشکر الله سعي الجميع، و حفظهم رعاهم. و وفقنا واياهم لسداد الراي، و خلوص العمل. و هو ولينا، و هو الهادي الي الرشاد و السداد.



پاورقي

[1] کقوله: اذا سئل عن أمر ورد في نص: هذا غير ثابت. أو صحة الرواية غير معلومة. أو يوجد أحاديث لم تثبت صحتها.