بازگشت

تتميم كلام في توضيح مرام




(صور الوضع اللفظي)

اعلم انّ المؤنث تطلق عرفاً علي ماهيّة يکون لها ما هي معروفة به عرفاً، بالوضع العام للموضوع له العام بالنسبة الي هذا المعني الکلّي بملاحظة افراده الواقعة تحته، و بالوضع الخاصّ للموضوع له الخاص بملاحظة کونها ماهيّة متميّزة عمّا سواها من الماهيّات و غيرها.

و أرباب القواعد العربيّة اللفظيّة ذکروا انّ للوضع صوراً أربعة، لأنّ اللفظ الذي اُريد وضعه امّا ان يلاحظ في مقابله معني کلّي أو جزئيّ في ابتداء وضع اللفظة، فان کان المعني المتصوّر کلّياً فإنْ وُضِعَ اللفظ بازاء هذا المتصوّر الکلّي کان الوضع عامّاً و الموضوع له عامّاً أيضاً، کالانسان و الحيوان و سائر أسماء الأجناس، و التسمية بعموم الوضع انّما هي باعتبار المعني المتصوّر عنده، نظير الوصف بحال المتعلّق، و امّا عموم الموضوع له فوجهه واضح بملاحظة الکلّيّة الموجودة فيه.

و إن وضع بازاء أفراد هذا الکلّي الملحوظ بجعله عنواناً للأفراد و مرآة لملاحظتها، فالوضع عامّ لما ذکر و الموضوع له خاصّ، کوضع المبهمات الثلاثة أي المضمرات، و الموصولات، و أسماء الاشارة، فيکون کلّ من الأفراد هنا بخصوصه موضوعاً له لا نفس الکلّي، غاية الأمر انّه لمّا کانت الأفراد غير محصورة جعل الکلّي مرآة لها عند الملاحظة.

و إنْ کان المعني المتصوّر جزئيّاً کذات زيد المشخّصة، و وضع اللفظ بازائه، فالوضع خاصّ و الموضوع له خاصّ، و إنْ جُعل الجزئي الخاص مرآة لملاحظة کلّيّة کالانسان و عنواناً له، وُضع اللفظ بازائه، کان الوضع خاصّاً و الموضوع له عاماً.

و هذه هي الشقوق المتصوّرة في المرحلة، و کان مذهب القدماء صحّة شقّين منها، و هما الوضع العام و الموضوع له العام، و الوضع الخاص و الموضوع له الخاص، حتي جعلوا المبهمات أيضاً من باب الوضع العام و الموضوع له العام، و جعلوا استعمالها في الأفراد من باب استعمال الکلّي في الفرد کالانسان في زيد


مثلاً، زعماً منهم انّ کلّ معني لوحظ في حال الوضع لابدّ أن يکون هو الموضوع له، و لا معني بل لا وجه في تصوّر معني هناک، و جعله عنواناً لمعني آخر و وضع اللفظ بازائه.

فبقي الأمر کذلک الي زمان السيد الشريف، الملقّب باستاذ البشر، و العقل الحادي عشر، فجوّز هو الوضع العام و الموضوع له الخاصّ، بملاحظة صحّة جعل الکلّي عنواناً لأفراده الغير المحصورة، و جعل منه المبهمات الثلاثة.

و اشتهر هذا بعده في کلمات المتأخّرين، فأجمعوا علي صحّة الأقسام الثلاثة، و علي عدم صحّة القسم الرابع، أي الوضع الخاص و الموضوع له العام، بملاحظة انّ الخاص أمر جزئي لا يمکن أن يکون آلة لملاحظة الکلّي بخلاف عکس القضيّة، فانّ الکلّي لکونه أمراً عاماً شاملاً لأفراده يجوز جعله آلة لملاحظة جزئيّاته، و تفصيل الحال محقّق في الاصول.

و لکن الحکماء بنوا علي صحّة القسم الرابع أيضاً، بأنّه يجوز أن يجعل الجزئيّ عنواناً للکليّ أيضاً، مثلاً بأن يجعل قطرة من الماء أو کوز منه عنواناً لملاحظة کلّي الماء، فانّ الجزئيّ بعد طرح مشخّصاته اعتباراً يکون هو الکلّي لا محالة، فانّ زيداً بعد عدم اعتبار خصوصيّته بلا اعتبار عدمها يرجع الي کلّي الماهيّة الانسانيّة.

و لذا ذکر في مقدّمات التفسير الصافي انّ الألفاظ موضوعة للمعاني الکلّيّة، فقال: انّ لکلّ معني من المعاني حقيقة و روحاً، و له صورة و قالب، و قد يتعدّد الصور و القوالب لحقيقة واحدة، و انّما وضعت الألفاظ للحقائق و الأرواح، و لوجودهما في القوالب تستعمل الألفاظ فيهما علي الحقيقة لا تحاد ما بينهما.

مثلاً لفظ القلم انّما وضع لالة نقش الصور في الألواح، من دون أن يعتبر فيها کونها من قصب أو حديد أو غير ذلک، بل و لا أن يکون جسماً، و لا کون النقش محسوساً أو معقولاً، و لا کون اللوح من قرطاس أو خشب، بل مجرّد کونه منقوشاً فيه و هذا حقيقة اللوح وحدّه و روحه، و إن کان في الوجود شي ء يتسطّر بواسطته نقش العلوم في ألواح القلوب فأخلق به أن يکون هو القلم، فانّ اللَّه تعالي علّم


بالقلم، علّم الانسان ما لم يعلم، بل هو القلم الحقيقي حيث وجد فيه روح القلم و حقيقته وحدّه من دون أن يکون معه ما هو خارج عنه.

و کذلک الميزان مثلاً فانّه موضوع لمعيار يعرف به المقادير و هکذا، و له معني واحد هو حقيقته و روحه، و له قوالب مختلفة و صور شتّي بعضها جسمانيّ و بعضها روحانيّ، کما يوزن به الأجرام و الأثقال مثل ذي الکفّتين و القبان و ما يجري مجراهما، و ما يوزن به الشعر کالعروض، و ما يوزن به الفلسفة کالمنطق، و ما يوزن به بعض المدرکات کالحسّ و الخيال، و ما يوزن به العلوم و الأعمال کما يوضع ليوم القيامة، و ما يوزن به الکلّ کالعقل الکامل، الي غير ذلک من الموازين.

و بالجملة ميزان کلّ شي ء يکون من جنسه، و لفظة الميزان حقيقة في کلّ منها باعتبار حدّ و حقيقة فيه، و علي هذا القياس کلّ لفظ و معني. انتهي ما ذکره [1] .

و أنا أقول: يمکن أن يقال انّ جميع الصور الثلاثة التي صحّحها القوم کلّها باطلة، و ليس وضع الألفاظ مطلقاً الّا من باب الوضع الخاصّ و الموضوع له العام الذي أبطلوه بالمرّة، مثلاً لوحظ في وضع الانسان أوّلاً فرد من أفراده أو أکثر، و جعل الملحوظ عنواناً لکلّيّة فوضع لفظ الانسان بازاء هذا الکلّي، إذ بدون رؤية شي ء من أفراده لا يتصوّر الصورة النوعيّة الکلّيّة.

و عند وضع لفظ (هذا) مثلاً لوحظ فرد مشار اليه، و وضع اللفظ بازاء کلّيّه، و لو بملاحظة اعتبار تحقّق الکلّي في ضمن کلّ فرد منه بعد ذلک، و لوحظ في وضع لفظ (زيد) مثلاً هذا الشخص الخاص، و وضع اللفظ بازاء کلّي هذا الشخص باعتبار تعدّد حالاته في الأزمنة و الأمکنة و غير ذلک، و لذا يصدق لفظ (زيد) حقيقة عليه في کلّ من الحالات المختلفة.

و صدق القرآن حقيقة علي جميع هذه الأفراد الملفوظة أو المکتوبة انّما هو مبتن علي المقدّمة المذکورة، إذ القرآن النازل أوّلاً من القلم الي اللوح لوحظ علي هيئة الخاصّة، و وُضع لفظ القرآن لکلّ ذلک الفرد الملحوظ، و لو باعتبار وجوده في


ضمن الأفراد الجزئيّة، فيکون حقيقة في کلّ من الأفراد الموجودة الي يوم القيامة.

فلا يبقي الاشکال حينئذٍ في ترتيب الآثار الشرعيّة من الثواب المقرّر، أو الأمر بقراءته، أو العقاب علي مسّه بلا طهارة و نحو ذلک عليه، و الّا فيحتاج الي ادّعاء الحقيقة العرفيّة في المراتب المتأخّرة، أو جعله مجازاً مشهوراً من باب الاستعارة، إذ الکلام الصادر من زيد مثلاً الذي هو صورته، لا يصدق عليه الکلام المنزل علي سبيل الاعجاز حقيقة، الّا أن يجعل المراد الکلام المنزل فرد منه و نحو ذلک، و ذلک تکلّف البتة، و ليس وضعه مثل وضع (زيد) الصادق في حالات مختلفة، فانّ الفرد الشخصي المنزل منه أوّلاً ليس هو الدائر في الألسنة.

و بالجملة فاذا عرفت هذه المقدّمة، فاعلم انّه قد وقع في عبارات بعض أهل الحکمة اطلاق لفظ المؤنث أو المرأة بالنسبة الي الأئمة (عليهم السّلام)، فاستنکر ذلک أهل الشريعة، و استوحشوا منه، و نسبوا صاحب العبارة الي الکفر و الزندقة، و رموه بشي ء لعلّه بري ء منه في الحقيقة.

قال بعض من يدّعي کونه من أهل الباطن، الذين قطعوا أنظارهم عن الظاهر: انّ ظاهر هذا الاطلاق و إن کان مستهجناً في الأنظار الجليّة، الّا انّ ايجابه الکفر و الزندقة لا وجه له، و ذلک لأنّ لفظة (المرأة) أو ما في معناها انّما وضعت لهذا المعني الظاهري باعتبار معني التأثّر و الانفعال الموجود فيها بالنسبة الي الرجل، لا من جهة کونه بهذه الخصوصية.

فاطلاق لفظ (المرأة) علي النوع المعروف باعتبار وجود هذا المعني الکلّي، أي معني المنفعل و المتأثّر في هذا النوع، و کذلک اطلاق الرجل علي هذا النوع باعتبار معني التأثير و الفعل فيما تحته لا لکونه ذا خصوصيّة معروفة مثلاً، فکلّ مؤثّر في العالم مذکّر، و کلّ متأثّر مؤنّث.

و قد يکون الشي ء متأثّراً بالنسبة الي ما فوقه، و مؤثّراً بالنسبة الي ما تحته، فمعني الرجل و المرأة هو المؤثّر و المتأثّر، ففي نحو «کسرت الکوز فانکسر»


الکاسر مذکّر و المکسور مؤنّث و هکذا، و لهذا يُطلق علي الأفلاک الآباء العلويّة، و علي الاسطقسّات الامّهات السفليّة.

و ورد قوله (صلّي اللَّه عليه و آله): «أنا و عليّ أبوا هذه الامّة» [2] أي أنا أبو الامّة و عليّ اُمّها.

و علي هذا يُحمل الخبر المشهور «الشقيّ شقيّ في بطن امّه» [3] أي يظهر شقاوة الشقي بالولاية مثلاً علي وجه من الوجوه، إذ هناک وجوه اُخر أيضاً، مثل أن يکون المراد من الامّ هو الامکان، أو الماهيّة، أو الطبيعة، أو امّ الکتاب، أو الامّ الانسانيّة، أو الدنيا، أو الأرض و بطنها هو القبر، بل الامّهات کثيرة، و کلّ مرتبة سابقة اُمّ بالنسبة الي اللاحقة لتولّدها من السابقة تولّد النتيجة من المقدّمة، بل کلّ قشر اُمّ بالنسبة الي اللّب، و کلّ ظاهر اُمّ بالنسبة الي الباطن، و هکذا.

و لذا قيل:


تن چو مادر طفل جان را حامله

مرگ درد زادن است و زلزله


و بالجملة، فکذا علي الاصطلاح السابق ما روي «انّ المؤمن أخو المؤمن، أبوه النور و امّه الرحمة» [4] ، و ما ذکروا في الحکمة من انّ الوجود مذکّر، و الماهيّة مؤنّث، الي غير ذلک.

و قد فسّر بعضهم بيتي المثنوي المعنوي، و هما قوله في ديباجة النسخة:


بشنو از ني چون حکايت مي کند

وز جدائيها شکايت مي کند


کز نيستان تا مرا ببريده اند

از نفيرم مرد و زن ناليده اند


بقوله:


کيست مرد اسماء خلّاق ودود

کآن فاعل در اطوار وجود





چيست زن أعيان جمله کائنات

منفعل گشته ز أسماء و صفات


چون همه أسماء و أعيان بي قصور

وارد اندر رتبه انسان ظهور


جمله را در ضمن انسان ناله هاست

که چرا هر يک ز أصل خود جداست


شد گريبان گيرشان حبّ الوطن

اين بود سرّ نفير مرد و زن


فعلي هذا إذا کان النبي (صلّي اللَّه عليه و آله) أعلي مرتبة من عليّ (عليه السّلام) و مؤثّراً فيه بکونه مخلوقاً بوساطته، و کذا سائر الأئمة بالنسبة الي عليّ، و فاطمة (عليهاالسّلام) بالنسبة الي الأئمة- بناءً علي تدرّج المراتب في الفضيلة- أمکن الاطلاق المذکور بحسب الاصطلاح المسطور، و لا يلزم من ذلک قدح و لا کفر البتة، إذ لا مشاحّة في الاصطلاح، و لکن نعم ما قيل: «رُبّ اصطلاح ليس بصلاح».


هر کسي را سيرتي بنهاده ام

هر کسي را اصطلاحي داده ام


هنديان را اصطلاح هند مدح

سنديان را اصطلاح سند مدح


و لا يناسب أن يتفوّه العاقل بما يتسارع العقول الي انکاره و إن أمکنه اعتذاره، و قال (صلّي اللَّه عليه و آله): «نحن معاشر الأنبياء لا نکلّم الناس علي قدر عقولنا بل علي قدر عقولهم» [5] و في خبر آخر: «کلّموا الناس علي قدر عقولهم»، و علي أيّ حال فمعلوم انّ الجاهل بل المجنون لا يطلق علي من هو مذکّر بالمعني العرفيّ انّه مؤنث کذلک فضلاً عن العالم العاقل.

فعلي ما ذکر هذا القائل تکون فاطمة (عليهاالسّلام) مع تأنيثها بالمعني العرفي في ظاهر الصورة مذکّر بالمعني السابق في الحقيقة، أي بمعني المؤثّر بالنسبة الي الموجودات السافلة، لما مرّ من کون الأنبياء مخلوقين من نورها (عليهاالسّلام)، أي من نور جسدها الشريف و جسمها اللطيف.


فهم (عليهم السّلام) من جملة أشعّة ظهورها، و موادّهم العالية من بعض ذرّات نورها، لکونها آخر جزء من السلسلة النوريّة في الدائرة العالية التي لا دائرة فوقها من الدوائر الکونيّة، و انّ أجزاء تلک الدائرة و قسيّها متدرّجة في التقدّم و التأخّر الموجب للتدرّج في الفضيلة.

فهي (عليهاالسّلام) مذکّر مؤثّر بالنسبة الي ما تحت تلک الدائرة من المراتب السافلة، و هي النور المتأخّر في تلک المرتبة المتقدّمة، و الجزء الأخير من العلّة التامّة، و مؤنّث متأثّر بالنسبة الي سائر الأنوار العالية أي متأثّرة منها في تلک المرتبة، و لذا ظهرت في صورة المؤنّث في هذه النشأة السافلة الصوريّة.

فاذا کان أنوار المعصومين (عليهم السّلام) بهذه المثابة، و کان أشعّة أجسامهم الشريفة موادّ خلقة الأنبياء العظام و الرسل الکرام، و يدخل في جملة أجسامهم لحومهم و دماؤهم و جلودهم و عظامهم، فکلّ هذه الأجزاء منهم أنوار طيّبة صافية تصوّرت بتلک الصور الصوريّة البشريّة، و ليس من شأن الأنوار أن يعرض عليها الظلمة و الأکدار، أو الخباثة و الکثافة، أو ما ينافي اللطافة، و لذا لم يکن يقع للنبي (صلّي اللَّه عليه و آله) ظلّ بالمرّة، بل لسائر المعصومين(عليهم السّلام) أيضاً، و إن کان يقع لهم في بعض الأحيان ظلّ في الجملة للفرق بين النبي و الأئمة.

فهذه الأنوار الشعشعانيّة من اشراقات شمس الأزل، طلعت في العالم الکونيّة دون أن يعرض عليها الکدورات النفسانيّة، و الخباثات البشريّة الجسمانيّة، و إن نزلوا في هذه النشأة.


نور خورشيد ار بيفتد بر حدث

آن همايون نپذيرد زو خبث


ارجعي بشنود نور آفتاب

سوي أصل خويش باز آمد شتاب


ني ز گلخنها بر او ننگي بماند

ني ز گلشنها بر او رنگي بماند


بل الحقّ انّ للنور مقاماً شامخاً، و محلاًّ باذخاً لا يتنزّل منه الي المراتب السافلة، و إن تُروئي في النظر انّه وقع علي الحجر و المدر، فتدبّر و تبصّر.


اين سخن را درنيابد هيچ فهم ظاهري

گر ابونصر استي و گر بوعلي سيناستي





پاورقي

[1] تفسير الصافي 1: 31، المقدمة الرابعة.

[2] مفردات راغب: 7/ مادة: (أبا)، عنه مناقب ابن شهرآشوب 3: 105/ في انّه المعنيّ بالوالد، عنه البحار 36: 11 ح 12 و في معاني الأخبار: 52 ح 3، علل الشرائع: 127 ح 2 باب 106.

[3] البحار 5: 153 ح 1، عن أمالي الصدوق.

[4] المحاسن 1: 223 ح 396، عنه البحار 67: 75 ح 6، و نحوه بصائر الدرجات: 99 ح 1 و 2.

[5] نحوه الکافي 1: 23 ح 15، عنه البحار 16: 280 ح 122، و في المحاسن 1: 310 ح 615، عنه مستدرک الوسائل 11: 208 ح 12759.