بازگشت

ان فدك رمز يرمز إلي المعني العظيم




أقول: و يستفاد من الرّوايات و الأخبار أنّ عنوان فدک يطلق علي فدکين: فدک خاصّ، و فدک عامّ.

أمّا فدک الخاصّ؛ فهو فدک المعروف يعني الأراضي نواحي خيبر إلي نواحي المدينة الّذي أخذها أبوبکر بالقهر والتجبّر علي شهادة الزّور، و ادّعي أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لا يورّث، و أقامت فاطمة الزهراء عليهاالسلام حجّة وبيّنة الحقّ، ولکن ردّها أبوبکر عناداً و تجبّراً.

و أمّا فدک العامّ؛ فيستفاد من تحديد موسي بن جعفر عليهماالسلام، و من روايات اُخري أنّ الأرض کلّها نحلة لفاطمة عليهاالسلام و مهرها، و أنّ الأرض يرثها اللَّه عباده الصالحون.

ففي الواقع؛ الخلافة علي الأرض والولاية لها حقّ الزهراء و بعلها و أبنائها المعصومين عليهم السلام، و هي المعني الثاني، و المقصود الأصلي من عنوان فدک في النزاع بين الزهراء عليهاالسلام و أبي بکر و صاحبه.

قال صاحب «فدک في التأريخ»: ففي الواقع کانت مطالبة فدک رمز، و الحقيقة مطالبة حقّ علي عليه السلام يعني الولاية والخلافة، و علي هذا کانت فدک معني رمزيّاً يرمز إلي المعني العظيم، و لايعني تلک الأرض الحجازيّة المسلوبة.

بل يتجلّي منها مفهوم أوسع من ذلک ينطوي علي غرض طموح يبعث إلي الثورة، ويهدف إلي استرداد حقّ مسلوب، و عدل ضائع، و مجد عظيم، و تعديل اُمّة انقلبت علي أعقابها.


أدرس ما شئت من المستندات التأريخيّة الثابتة للمسألة فهل تري نزاعاً ماديّاً؟ أو تري اختلافاً حول فدک بمعناها المحدود و واقعها الضيّق؟ أو تري تسابقاً علي غلات أرض مهما صعد بها المبالغون وارتفعوها؟

فليست شيئاً يحسب له المتنازعون حساباً.

کلّا؛ بل هي الثورة علي أسس الحکم والصرخة الّتي أرادت فاطمة عليهاالسلام أن تقتلع بها الحجر الأساسي الّذي بني عليه التأريخ بعد يوم السقيفة.

و يکفينا لإثبات ذلک أن نلقي نظرة علي الخطبة الّتي خطبتها الزهراء عليهاالسلام في المسجد أمام الخليفة و بين يدي الجمع المحتشد من المهاجرين والأنصار، فإنّها دارت أکثر ما دارت حول امتداح عليّ عليه السلام والثناء علي مواقفه الخالدة في الإسلام و تسجيل حق أهل البيت عليهم السلام...

فالمسألة إذن ليست مسألة ميراث و نحلة إلّا بالمقدار الّذي يتّصل بموضوع السياسة العليا، و ليست مطالبة بعقار أو دار، بل هي في نظر الزهراء عليهاالسلام مسألة إسلام و کفر، و مسأله إيمان و نفاق، و مسألة نصّ و شوري... [1] .

أقول: اختصرت وأخذت مقدار الحاجة، فراجع المأخذ.

ففدک تعبير ثاني عن الخلافة الإسلامية، والزهراء عليهاالسلام جعلت فدکاً مقدّمة للوصول إلي الخلافة، فأرادت استرداد الخلافة عن طريق استرداد فدک، فلم تبق فدک قرية زراعية محدودة بحدودها في عصر الرسول صلي الله عليه و آله، بل صار معناها الخلافة والرقعة الإسلاميّة بکاملها.

و ممّا يدلّ علي هذا تحديد الأئمة عليهم السلام لفدک، فقد حدّها عليّ عليه السلام في زمانه:... حدّ منها جبل أحد، و حدّ منها عريش مصر، و حدّ منها سيف البحر، و حدّ منها دومة الجندل.


أمّا الإمام الکاظم عليه السلام؛ فقد حدّها للرشيد بعد أن ألحّ الرشيد أن يأخذ فدکاً... قال عليه السلام:

الحدّ الأوّل عدن، والحدّ الثاني سمرقند، والحدّ الثالث أفريقية، والحدّ الرابع سيف البحر ممّا يلي الخزر وأرمينية.

و هذه الحدود التقريبية للعالم الإسلامي آنذاک، و آنذاک.

و ممّا يدلّ علي هذا تصريحات الزهراء عليهاالسلام في خطبتها بحقّ عليّ عليه السلام و کفاءته و جهاده. [2] .

و کذا خطبتها الثانية حين اجتمع عندها نساء من المهاجرين والأنصار.

أقول: و يحتمل في علّة ترک أميرالمؤمنين عليه السلام فدک و لم يأخذها لمّا ولّي الناس، لأنّه عليه السلام أخذ الخلافة والولاية، و وصل إلي ما طلبته الزهراء عليهاالسلام في الأيّام الماضية، فأخذ ما هو الهدف من مطالبتها فدک في تلک الأيّام.

و هذا حديث وجدته بخطّ بعض المشايخ رحمهم الله ذکر أنّه وجده في کتاب لأبي غانم الأعرج- و کان مسکنه بباب الشعير- وجد بخطّه علي ظهر الکتاب له حين مات،و هو:

3641/ 1- أنّ عائشة بنت طلحة دخلت علي فاطمة عليهاالسلام، فرأتها باکية، فقالت لها: بأبي أنت و اُمّي؛ ما الّذي يبکيک؟

فقالت لها: أتسأليني عن هنة حلّق بها الطائر، و خفي بها السائر، و رفعت إلي السماء أثراً، ورزئت في الأرض خبراً: إنّ قحيف تيم، وأُحَيْول عدي جاريا أباالحسن عليه السلام في السباق، حتّي إذا تفرّيا بالخناق، أسرّا له الشنان، وطوياه الإعلان.

فلمّا خبا نورالدين، و قبض النبيّ الأمين صلي الله عليه و آله نطقا بفورهما، ونفثا


بسورهما، و أدلّا بفدک، فيا لها کم من ملک ملک، أنّها عطيّة الربّ الأعلي لنجيّ الأوفي، و لقد نحلنيها للصبيّة السواغب من نجله و نسلي، و أنّها لبعلم اللَّه و شهادة أمينه. فإن انتزعا منّي البلغة و منعاني اللمظة فاحتسبها يوم الحشر زلفة، و ليجدنّها آکلوها ساعرة حميم في لظي جحيم. [3] .

أقول: وللعلّامة المجلسي رحمه الله توضيح للکلمات واللغات المشکلة للحديث، فراجع «البحار». [4] .

أقول: اُنظر إلي هذا الخبر کيف تصرّح عليهاالسلام في کلامها:

«أنّ قحيف تيم وأحيول عدي جاريا أباالحسن عليه السلام في السباق».

و هذا الکلام صريح بأنّ هدفها مطالبة حقّ عليّ عليه السلام في ثورتها و صرختها، و أرادت فاطمة عليهاالسلام أن تقتلع بها الحجر الأساسي الّذي بني عليه التأريخ بعد يوم السقيفة.



پاورقي

[1] فدک في التأريخ: 48- 49.

[2] فدک (ملحقاته): 167.

[3] البحار: 29/ 182 ح 38، عن أمالي الطوسي.

[4] البحار: 29/ 183.