زيارة فاطمة الحسين في مقتله
3187/ 1- روي عن يوسف بن يحيي، عن أبيه، عن جدّه، قال:
رأيت رجلاً بمکّة شديد السواد له بدن و خلق غابر، و هو ينادي: أيّها الناس! دلّوني علي أولاد محمّد صلي الله عليه و آله.
فأشار (إليه) بعضهم، و قال: ما لک؟
قال: أنا فلان بن فلان.
قالوا: کذبت، إنّ فلاناً کان صحيح البدن، صبيح الوجه، و أنت شديد السواد، غابر الخلق.
قال: و حقّ محمّد صلي الله عليه و آله إنّي لفلان، اسمعوا حديثي:
اعلموا! أنّي کنت جمّال الحسين عليه السلام فلمّا أن صرنا إلي بعض المنازل برز للحاجة و أنا معه، فرأيت تکّة لباسه- و کان أهداها له ملک فارس حين تزوّج بنت أخيه «شاه زنان» بنت يزدجرد- فمنعني هيبته أسأله إيّاها، فدرت حوله لعلّي أسرقها، فلم أقدر عليها.
فلمّا صار القوم بکربلا، و جري ما جري، و صارت أبدانهم ملقاة تحت سنابک الخيل، أقبلنا نحو الکوفة راجعين.
فلمّا أن صرت إلي بعض الطريق ذکرت التکّة، فقلت في نفسي: قد خلا ما عنده، فصرت إلي موضع المعرکة، فقربت منه، فإذا هو مرمّل بالدماء، قد حُزّ رأسه من قفاه، و عليه جراحات کثيرة من السهام و الرماح.
فمددت يدي إلي التکّة، و هممت أن اُحلّ عقدها، فرفع يده و ضرب بها
يدي، فکادت أوصالي و عروقي تتقطع، ثمّ أخذ التکّة من يدي.
فوضعت رجلي علي صدره، وجهدت جهدي، لاُزيل إصبعاً من أصابعه، فلم أقدر، فأخرجت سکّيناً کان معي، فقطعت أصابعه.
ثمّ مددت يدي إلي التکّة، و هممت بحلّه ثانية، فرأيت خيلاً أقبلت من نحو الفرات، و شممت رائحة لم أشمّ رائحة أطيب منها.
فلمّا رأيتهم قلت: (إِنّا للَّهِ وَ إنّا إلَيهِ راجِعُون) إنّما أقبلوا هؤلاء لينظروا إلي کلّ إنسان به رمق (فيجهزوا عليه).
فصرت بين القتلي، و غاب عنّي عقلي من شدّة الجزع.
فإذا رجل يقدمهم- کأنّ وجهه الشمس- وهو ينادي: أنا محمّد رسول اللَّه؛
والثاني ينادي: أنا حمزة أسد اللَّه؛
والثالث ينادي: أنا جعفر الطيّار؛
والرابع ينادي: أنا الحسن بن عليّ.
وأقبلت فاطمة عليهاالسلام و هي تبکي، و تقول: حبيبي و قرّة عيني! ءأبکي علي رأسک المقطوع، أم علي يديک المقطوعتين، أم علي بدنک المطروح، أم علي أولادک الاُساري؟
ثمّ قال النبيّ صلي الله عليه و آله: أين رأس حبيبي، و قرّة عيني الحسين؟
فرأيت الرأس في کفّ النبيّ صلي الله عليه و آله، فوضعه علي بدن الحسين عليه السلام، فاستوي جالساً، فاعتنقه النبيّ صلي الله عليه و آله و بکي... إلي أن قال:
قال: فمن قطع أصابعک؟
فقال الحسين عليه السلام: هذا الّذي يختبي ء يا جدّاه...
فقال: يا عدوّ اللَّه! ما حملک علي قطع أصابع حبيبي، و قرّة عيني الحسين؟...
ثمّ قال النبيّ صلي الله عليه و آله: إخسأ يا عدوّ اللَّه، غيّر اللَّه لونک.
فقمت، فإذا أنا بهذه الحالة. [1] .
3188/ 2- عن بعض کتب المناقب المعتبرة مرسلاً: إنّ رجلاً کان بلا أيد و لا أرجل، و هو يقول: ربّ نجّني من النار.
فقيل له: لم تبق لک عقوبة و مع ذلک تسأل النجاة من النار.
قال: کنت فيمن قتل الحسين عليه السلام بکربلاء، فلمّا قتل، رأيت عليه سراويل و تکّة حسنة بعد ما سلبه الناس، وأردت أن أنزع منه التکّة، فرفع يده اليمني و وضعها علي التکّة، فلم أقدر علي دفعها، فقطعت يمينه.
ثمّ هممت أن آخذ التکّة، فرفع شماله، فوضعها علي تکّته، فقطعت يساره.
ثمّ هممت بنزع التکّة من السراويل، فسمعت زلزلة، فخفت و ترکته، فألقي اللَّه عليّ النوم، فنمت بين القتلي.
فرأيت کأنّ محمّداً صلي الله عليه و آله أقبل، و معه عليّ عليه السلام و فاطمة عليهاالسلام، فأخذوا رأس الحسين عليه السلام.
فقبّلته فاطمة عليهاالسلام.
ثمّ قالت: يا ولدي! قتلوک، قتلهم اللَّه، من فعل هذا بک؟
فکان يقول: قتلني شمر، و قطع يدي هذا النائم، و أشار إليّ.
فقال فاطمة عليهاالسلام لي: قطع اللَّه يديک و رجليک، و أعمي بصرک، و أدخلک النار.
فانتبهت و أنا لا أبصر شيئاً، و سقطت منّي يداي و رجلاي، و لم يبق من دعائها إلّا النّار. [2] .
3189/ 3- وروي في الکتاب المذکور- (يعني بعض مؤلّفات أصحابنا)- عن سعيد بن المسيّب، قال:
لمّا استشهد سيّدي و مولاي الحسين عليه السلام، و حجّ الناس من قابل، دخلت علي عليّ بن الحسين عليه السلام، فقلت له: يا مولاي! قد قرب الحجّ، فماذا تأمرني؟
فقال: امضي علي نيّتک، و حجّ.
فحججت، فبينما أطوف بالکعبة، و إذا أنا برجل مقطوع اليدين، و وجهه کقطع الليل المظلم، و هو متعلّق بأستار الکعبة و هو يقول:
اللهمّ ربّ هذا البيت الحرام، اغفر لي و ما أحسبک أن تفعل و لو تشفّع فيّ سکّان سماواتک وأرضک، و جميع ما خلقت لعظم جرمي... إلي أن قال:
أنا کنت جمّالاً لأبي عبداللَّه عليه السلام، و کنت أراه إذا أراد الوضوء للصلاة يضع سراويله عندي، فأري تکّة تغشي الأبصار بحسن إشراقها، و کنت أتمنّاها تکون لي، إلي أن صرنا بکربلا، و قتل الحسين عليه السلام
... إلي أن قال: فمدّ يده اليمني، و قبض علي التکّة، فدعتني النفس الملعونة إلي أن أطلب شيئاً أقطع به، فوجدت قطعة سيف مطروح... فإذا و قائل يقول: وا ابناه! وا حسيناه! يا بنيّ! قتلوک و ما عرفوک.
و إذا بثلاث نفر وامرأة، و حولهم خلائق، و إذا بالحسين عليه السلام قد جلس و هو يقول: يا جدّاه! يا رسول اللَّه! و يا أبتاه! يا أميرالمؤمنين! و يا اُمّاه! يا فاطمة الزهراء!
... إلي أن قال: فرأيتهم يأخذون من دم شيبه، و تمسّح به فاطمة عليهاالسلام ناصيتها، والنبيّ صلي الله عليه و آله و عليّ عليه السلام والحسن عليه السلام، الخبر. [3] .
أقول: الخبر طويل، أخذت منه خلاصة، و موارد الحاجة إليه، فراجع «البحار».
پاورقي
[1] مدينه المعاجز: 239، عنه مسند فاطمه الزهراء عليهاالسلام: 325 و 326.
[2] دار السلام للنوري: 248، عنه مسند فاطمه الزهراء عليهاالسلام: 326، و البحار: 45/ 311 و 312، و فيه زياده: «و هو اعمي».
[3] البحار: 45/ 316- 319.