بازگشت

في آيه الموده




في آيه الموده، و هي قوله تبارک و تعالي في آل حم الشوري: «قل لا أسألکم عليه أجرا الا الموده في القربي [1] و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا ان اللَّه غفور شکور. أم يقولون افتري علي اللَّه کذبا».

أجمع اهل البيت و تصافق أولياؤهم في کل خلف علي أن القربي هنا انما هم علي و فاطمه و أبناهما، و ان الحسنه في الآيه انما هي مودتهم، و ان اللَّه تعالي غفور شکور لأهل ولايتهم، و هذا عندنا من الضروريات المفروغ عنها. و فيه صحاح متواتره عن أئمه العتره الطاهره، و اليک ما هو مأثور عن غيرهم:


أخرج أحمد و الطبراني و الحاکم و ابن أبي حاتم عن ابن عباس کما نص عليه ابن حجر في تفسير الآيه 14 من الآيات التي أوردها في الفصل الاول من الباب 11 من صواعقه قال: لما نزلت هذه الآيه قالوا: يا رسول اللَّه من قرابتک هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال (ص): علي و فاطمه و ابناهما.... و هذا الحديث أخرجه عن ابن عباس أيضا ابن المنذر و ابن مردويه [2] و المقريزي [3] و البغوي و الثعلبي في تفاسيرهم و الجلال السيوطي [4] في دره المنثور، و الحافظ أبونعيم في حلتيه، والحمويني الشافعي في فرائده، و غيرهم من المفسرين و المحدثين.

و أرسله الزمخشري في کشافه و استدل علي اعتباره بروايات رواها في الکشاف عن رسول اللَّه (ص)، فمنها ما روي عن علي قال: شکوت الي رسول اللَّه (ص) حسد الناس لي فقال: أما ترضي أن تکون رابع أربعه أول من يدخل الجنه أنا و انت و الحسن و الحسين؟ و منها قوله (ص): حرمت الجنه علي من ظلم أهل بيتي و آذاني في عترتي. و منها قول رسول اللَّه (ص): من مات علي حب آل محمد مات شهيدا [5] ألا و من مات علي حب آل محمد مات مغفورا


له، ألا و من مات علي حب آل محمد مات تائبا، ألا و من مات علي حب آل محمد مات مؤمنا مستکمل الايمان، ألا و من مات علي حب آل محمد بشره ملک الموت بالجنه ثم منکر و نکير، ألا و من مات علي حب آل محمد يزف الي الجنه کما تزف العروس الي بيت زوجها، ألا و من مات علي حب آل محمد فتح له في قبره بابان الي الجنه، ألا و من مات علي حب آل محمد جعل اللَّه قبره مزار ملائکه الرحمه، ألا و من مات علي حب آل محمد مات علي السنه و الجماعه، ألا و من مات علي بغض آل محمد مات کافرا، ألا و من مات علي بغض آل محمد جاء يوم القيامه مکتوبا بين عينيه آيس من رحمه اللَّه،- الحديث. و اخرجه الامام الثعلبي في تفسيره الکبير عن جرير بن عبداللَّه البجلي، و أورده غير واحد من المحدثين و المفسيرين و مؤلفي المناقب.

و أنت تعلم ان هذه المنزله الساميه انما ثبتت لهم من اللَّه تعالي لانهم خلفاؤه في أرضه و أولياؤه في بسطه و قبضه و حججه البالغه و مناهل شرائعه السائغه و امناؤه بعد النبي (ص) علي وحيه و سفراؤه في أمره و نهيه، فالمحب لهم بسبب ذلک محب لله، و المبغض لهم مبغض لله، و من هنا قال فيهم الفرزدق:


من معشر حبهم دين و بغضهم

کفر و قربهم منجي و معتصم


ان عد أهل التقي کانوا أئمتهم

او قيل من خير أهل الارض قيل هم


و اخرج الحاکم کما في تفسير هذه الآيه من مجمع البيان بالاسناد إلي أبي أمامه الباهلي قال: قال رسول اللَّه (ص) ان اللَّه تعالي خلق الانبياء من اشجار


شتي و خلقت انا و علي من شجره واحده، فأنا أصلها و علي فرعها و فاطمه لقاحها و الحسن و الحسين ثمارها و اشياعها أوراقها، فمن تعلق بغصن من اغصانها نجا و من زاغ عنها هوي، و لو ان عبدا عبداللَّه ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتي يصير کالشن البالي و هو لا يحبنا کبه اللَّه علي منخريه في النار. ثم تلا «قل لا اسألکم عليه اجرا الا الموده في القربي»....

و اخرج ابوالشيخ و غيره کما في الصواعق و غيرها عن علي (ع): فينافي آل حم آيه لا يحفظ مودتنا الا کل مؤمن، ثم قرأ «قل لا أسألکم عليه أجرا الا الموده في القربي و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا ان اللَّه غفور شکور» و الي هذا أشار الکميت بقوله:


وجدنا لکم في آل حم آيه

تأولها منا تقي و معرب


و أخرج البزاز و الطبراني و غيرهما کما في الصواعق و غيرها عن الامام أبي محمد الحسن السبط المجتبي (ع) بطرق مختلفه انه خطب خطبه قال فيها: و أنا من أهل البيت الذين افترض اللَّه عز و جل مودتهم و موالاتهم فقال فيما أنزل علي محمد (ص) «قل لا اسألکم عليه أجرا الا الموده في القربي و من يقترف حسنه نزد له حسنا». قال: واقترف الحسنه مودتنا أهل البيت....

و أخرج الطبراني کما في الصواعق و غيرها عن الامام زين العابدين علي ابن الحسين عليهماالسلام أنه لما أقيم بأبي هو و أمي اسيرا علي درج دمشق قال له بعض جفاه أهل الشام: الحمد لله الذي قتلکم. فقال له: اما قرأت قل لا أسألکم عليه أجرا الا الموده في القربي [6] ؟ قال: و انتم هم؟ قال: نعم....


و أخرج احمد بن حنبل کما في الصواعق أيضا عن ابن عباس في قوله تعالي «و من يفترف حسنه نزد له فيها حسنا» قال: هي الموده لآل محمد. و اخرجه ابن أبي حاتم کما في الشرف المؤبد [7] عن ابن عباس أيضا. و عن أبي حمزه الثمالي في تفسيره عن ابن عباس انه حين استحکم الاسلام بعد الهجره قالت الانصار: نأتي رسول اللَّه فنقول له قد تعروک أمور فهذه أموالنا تحکم فيها کيف شئت، فأتوه بذلک فنزلت الآيه فقرأها عليهم و قال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا مسلمين لقوله، و قال المنافقون ان هذا لشي ء أفتراه في مجلسه أراد به أن يذللنا لقرابته من بعده، فنزلت «أم يقولون افتري علي اللَّه کذبا» الحديث.

و قد أخرج الثعلبي و البغوي کما في الصواعق عن ابن عباس أيضا مثله. قاتل اللَّه الحسد يورد أهله الدرک الاسفل من النار. انظر کف خرج هؤلاء من الدين و کذبوا- حسدا لاولياء اللَّه- نبيهم و هو الصادق الامين، فأنزل اللَّه تعالي في نفاقهم قرآنا يلتوه المسلمون آناء الليل و اطراف النهار، و مع ذلک فان بذره أهل النفاق و الحسد قد اجذرت بتعاهد اولي السلطه لها من بني أميه و غيرهم بما يستوجب نموها، و جمهور المسلمين غافلون، فالتبس الامر و وقعت الشبهه.

و انما دخل البلاء بأعتماد الجمهور علي کل من کان في الصدر الاول، و بنائهم علي عداله کل فرد ممن کانت له صحبه، مع ما يتلونه في الکتاب و السنه من شؤون المنافقين [8] و تربصهم الدوائر بسيد النبيين و المرسلين (ص)


و اشتد البلاء بالمنع من الخوض في تلک الاحوال و سدهم باب البحث عن حقائق اولئک الرجال، فضيعوا علي أنفسهم کثيرا من الحقائق. و ربما نسجوا من حيث لا يقصدون علي منوال کل منافق، و لذلک اختلفوا في هذه الآيه، مع ما سمعت بعضه من النصوص الجليه في نزولها بموده العتره الزکيه، و الذي عرفناه من أقوال المخالفين أربعه مذاهب:

(الاول) ان اللَّه تعالي أمر نبيه صلي اللَّه عليه و آله أن يقول لمشرکي قريش «لا اسألکم عليه أجرا الا الموده في القربي» يعني الا أن تودوني في قرابتي منکم و تصلوا الرحم التي بيني و بينکم، و هذا مردود بوجوه: «أحدها» أن الآيه مدنيه کما سمعته قريبا عن تفسير البغوي و الثعلبي و ستسمعه عن غيرهم أيضا، فأين مشرکو قريش عنها؟ «ثانيها» أن سبب نزولها بحکم ما سمعته و ما ستسمعه من الاخبار، انما هو عرض الانصار أموالهم علي رسول اللَّه (ص) أو مفاخرتهم لبني هاشم، فيکون الخطاب معهم لامع مشرکي قريش. «ثالثها» انه لا يصح ان يکون الخطاب مع المشرکين، اذ يقبح من الحکيم أن يطلب الاجر علي أداء الرساله ممن کفر بها و بلغ الغايه في جحودها و تکذيبها، و انما يحسن ذلک ممن آمن بها. و عدها نعمه عليه. «رابعها» أن هذا القول مخالف لما سمعته من النص علي أنها نزلت في موده علي و فاطمه و ابنائهما. «خامسها» أنه انما هو قول عکرمه و تبعه فيه جماعه من صنائع بني اميه و اعداء أهل البيت،


کما کنا أوضحناه في کتابنا سبيل المؤمنين، و هؤلاء لا تقبل أقوالهم و لا سيما في مثل المقام، و قد عرفت أن عکرمه من دعاه الخوارج و کذبه المحدثين، کما بيناه في الفصل السابق. و أخطأ من نسب هذا القول الي ابن عباس اعتماد علي خبر رواه البخاري في باب قوله «الا الموده في القربي» من کتاب تفسير القرآن من صحيحه عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر، و هما ضعيفان باجماع الاماميه، و وافقهم يحيي بن معين- کما في ميزان الاعتدال- علي تضعيف محمد بن بشار، بل کذبه الفلاس فراجع.

و کيف يقول ابن عباس في تفسير القربي غير الذي قلناه، مع ما سمعته من في الاحاديث الثابته عنه في تفسير القربي بعلي و فاطمه و ابنائهما و تفسير الحسنه بمودتهم؟

(الثاني) من مذاهب المخالفين في تفسير الآيه أن معناها قل لا اسألکم عليه أجرا الا أن تودوا القربي من اللَّه عز و جل بالاعمال الصالحه.

(الثالث) أن معناها الا أن تودوا قرابتکم و تصلوا أرحامکم. و انت تعلم أن اصحاب هذه الاقاويل ما أرادوا بها غير التمويه و التضليل، و حسبهم في ردها أنها في مقابل النص و الدليل، و حسبنا اللَّه و نعم الوکيل نعم المولي و نعم النصير.

(الرابع) ان الآيه منسوخه بقوله تعالي في سوره سبأ: «قل ما سألتکم عليه من أجر فهو لکم» و هذا من أغرب الاقاويل و اعجب الاباطيل، لان وجوب موده القربي بکل المعاني مستمر الي يوم القيام بحکم الضروره من دين الاسلام، فما معني هذا النسخ يا مسلمون؟ علي انه لا تنافي بين الآيتين لتکونا من قبيل الناسخ و المنسوخ، فان معني آيه الشوري لا اسألکم علي اداء رسالتي شيئا


من الاجر الا موده قرابتي، و معني آيه سبأ اني ما سألتکم علي اداء رسالتي شيئا من عرض الدنيا، و الذي طلبته منکم في سوره الشوري اجرا عليه من موده قرابتي فانما هو لکم لا لي لان قرابتي حجج اللَّه البالغه لديکم و نعمه السابغه عليکم، و هم أمان اهل الارض و باب حطه و سفينه نجاه هذه الامه، و هم کالقرآن الحکيم فمودتهم لازمه لکم و منافعهما انما هي عائده عليکم، فارجع البصر هذاک اللَّه و أمعن النظر في الآيتين، و هما قوله تعالي: (قل لا اسألکم عليه أجرا الا الموده في القربي» و قوله سبحانه: «قل ما سألتکم عليه من أجر فهو لکم» تجد الثانيه مؤکده لمفاد الاولي و مشوقه اليه کما لا يخفي.

و بقي للقوم اعتراضان: (احدهما) انهم قالوا: لو أراد اللَّه من الآيه موده القربي، قال: «الا موده القربي. او الا الموده القربي». و الجواب أن هذا تغافل عما لا يغفل عنه ذو حط من فهم، و تجاهل بما لا يجهله الخبير بمواقع الکلام، لان الاضافه و اللام هنا لا يفيدان ما أفادته في من المبالغه بموده القربي [9] بجعلهم موضع الود و الموالاه کما يعلمه جهابذه الکلام العربي و يشهد به أئمه البلاغه. قال الزمخشري في کشافه بعد تفسير القربي بمن ذکرناهم عليهم السلام: فان قلت فهلا قيل الا موده القربي أو الا الموده للقربي، و ما معني قوله الا الموده في القربي؟ قلت: جعلوا مکانا للموده مقرا لهما، کقولک: «لي في آل فلان موده. و لي فيهم هوي و حب شديد» تريد أحبهم و مکان حبي و محله، و ليست في بصله الموده کاللام اذا قلت الا الموده للقربي، انما هي متعلقه بمحذوف تعلق الظرف به في قولک «المال في الکيس»، و تقديره


الا الموده ثابته في القربي و متمکنه فيه. هذا کلام الزمخشري بعين لفظه، و لله دره ما أوفر نصيبه من الاحاطه بالاسرار التي لا تتناهي البلاغه و لا يتم الاعجاز إلا بها.

(ثانيهما) أنهم قالوا هذه الآيه في سوره الشوري و هي مکيه، و الحسنان ولدا في المدينه فلا يمکن ارادتهما منها.

و الجواب: أن هذه الآيه و ما بعدها الي آخر ثلاث آيات مدنيه قطعا بحکم الاخبار المتظافره من طريق العتره الطاهره، و قد روي ذلک صاحب مجمع البيان عن ابن عباس و قتاده، و يدل عليه ما سمعته قريبا عن أبي حمزه الثمالي و تفسيري الثعلبي و البغوي، و حسبک ما ذکره الامام الواحدي في کتابه «اسباب النزول» حيث قال: ابن عباس لما قدم رسول اللَّه (ص) المدينه کانت تنوبه نوائب و حقوق، و ليس في يده لذلک سعه، فقال الانصار: ان هذا الرجل قد هداکم اللَّه به، و هو ابن أختکم و تنوبه نوائب و حقوق و ليس في يده لذلک سعه، فاجمعوا له من أموالکم مالا يضرکم فأتوه به ليعينه علي ما ينوبه، ففعلوا ثم أتوه به فقالوا: يا رسول اللَّه انک ابن أختنا و قد هدانا اللَّه تعالي علي يديک و تنوبک نوائب و حقوق و ليس لک سعه، فرأينا ان نجمع لک من اموالنا فنأتيک به فتستعين علي ما ينوبک و هو هذا. فنزلت «قل لا اسألکم عليه أجرا الا الموده في القربي»... و هذا الحديث موجود أيضا في الکشاف و غيره من التفاسير المعتبره و الکتب المؤلفه في اسباب النزول.

و في الکشاف و غيره روايه أخري في سبب نزولها، جاء فيها ان الانصار فاخروا بعض بني هاشم، فعاتبهم النبي (ص) بذلک، فحبثوا علي الرکب و قالوا: أموالنا و ما في أيدينا لله و لرسوله، فنزلت الآيه فقرأها عليهم.

أليست هذه الاخبار کلها صريحه بنزول الآيه في المدينه و ان المخاطبين فيها


انما هم الانصار؟ و لا ينافي ذلک کونها في سوره مکيه، لان ترتيب الکتاب العزيز في الجمع ليس علي حسب ترتيبه في النزول اجماعا و قولا واحدا [10] و من ثمه کان أغلب السور المکيه لا يخلو من آياته مکيه، بحکم أئمه السلف و الخلف من الفريقين [11] و وصف لسوره بکونها مکيه أو مدنيه تابع لأغلب آياتها، کما صرح به أئمه هذا الفن من اهل المذاهب کلها، علي انه لا مانع من تناول الآيه الکريمه للحسنين (ع) حتي لو فرضنا نزولها بمکه قبل ولادتهما، لان الموده فيها غير مقصوره علي من کان القربي موجودا حين نزولها بل هي ثابته فيهم، و هم


علي الاطلاق مکانها کما سمعت.

و بناءاً علي هذا تکون الآيه نظير قوله تعالي: «يوصيکم اللَّه في أولادکم» أتري أحدا من المسلمين قصر هذه الوصيه علي من کان موجودا من الاولاد حين نزولها. کلا بل لم يتوهم ذلک ابن أنثي، فليت شعري ما الفرق بين الآيتين؟!

و أما ما سمعته من قول النبي (ص) في تفسير القربي «هم علي و فاطمه و ابناهما» فيجوز أن يکون متأخرا عن نزولها، او أنه خبر من اللَّه عز و جل بالغيب فيکون من اعلام النبوه. و لا غرو فقد اخبر عن خلفائه و انهم أثنا عشر، و اخبر عن يوم الجمل و کلاب الحواب و عن الفئه الباغيه و قتلها عمارا، و عن الذين مرقوا من الذين کما يمرق السهم من الرميه، و عن الناکثين و القاسطين و المارقين، و عن الضغائن لعلي في نفوس قوم و انهم لا يبدونها له الا بعد فقده، و عن اشقي الآخرين و ضربه سيد الوصيين بالسيف علي هامته و ان شيبته الکريمه تخضب من دم رأسه، و عن حال بضعته الزهراء من بعده و انها أول بيته لحوقا به، و عن محنه الحسن و الذعاف الذي تجرعه، و عن مصائب سيدالشهداء في طف کربلاء، و عما لقيه اهل بيته من الاثره و البلاء و القتل و التشريد و التطريد في البلاد، و عن ولاه الجور الذين يملکون من بعده أمر هذه الامه، و عن بوائق بني اميه و بني مروان و ان مدتهم تکون ألف شهر، و عن بني العباس و ملکهم، و عن فتنه نجد و طلوع قرن الشيطان منها الي مالا يحصي من اخباره عن اللَّه تعالي بالمغيبات. و قد رأتها الامه بعد ذلک مثل فلق الصبح، فعلم اللَّه الازلي الذي وسع کل شي ء قبل ان يکون شي ء لا يضيق عن تولد الحسنين من علي و فاطمه قبل ان يخلقهما تبارک و تعالي، و ليس علي اللَّه بعزيز أن يبشر بهما نبيه (ص) و يفترض مودتهما علي الامه قبل ولادتهما، لکرامتهما عليه و قرب منزلتهما منه سبحانه و تعالي، کما بشر اللَّه و آدم و نوحا و ابراهيم و موسي و عيسي


و سائر النبيين و المرسلين بمحمد (ص) و علهيم اجمعين، و عرفهم جلاله قدره و عظم شأنه فآمنوا به و بخعوا لفضله.

و نحن مهما شککنا فلا نشک في أن العتره و الکتاب ثقلا رسول اللَّه اللذان لا يضل من تمسک بهما، و أن کلا منهما يفرغ عن الآخر لانهما لن يفترقا حتي يردا عليه الحوض، و قد تواترت الاخبار عنهم في تفسير القربي بما کرناه. و ناهيک بذکل حجه علي ما قلناه علي أن تفسير القربي هنا بعلي و فاطمه و ابنائهما هو الذي ذهبت اليه جماهير اهل السنه و قطعت به أکابرهم [12] و حسبک قول امام الخلف منهم و السلف محمد بن أدريس الشافعي رحمه اللَّه.


يا أهل بيت رسول اللَّه حبکم

فرض من اللَّه في القرآن أنزله [13] .


کفاکم من عظيم القدر أنکم

من لم يصل عليکم لا صلاه له


و قول الشيخ ابن العربي:


رأيت ولائي آل طه فريضه

علي رغم اهل البعد يورثني القربي


فما طلب المبعوث اجرا علي الهدي

بتبليغه الا الموده في القربي


و قال لمعاصر النبهاني:


آل طه يا آل خير نبي

جدکم خيره و أنتم خيار


أذهب اللَّه عنکم الرجس أهل

البيت قدما فأنتم الاطهار


لم يسل جدکم علي الدين أجرا

غير ود القربي و نعم الاجار


و حيث ثبت هذا عن أئمه السنه و جماهير الامه، فلا مبالاه اذن بمخالفه


من خالف و لا بمجازفه من جازف، من اشار النبهاني اليهم في کتابه الشرف المؤبد، حيث ذکر بعضهم في خطبه الکتاب فقال: و من هذا القبيل ما وقع في عصرنا في القسطنطينيه سنه سبع و تسعين و مائتين و ألف هجريه من قوم جهال غرقوا من أحوال البغضاء لآل محمد في أوحال فأخذوا يتأولون بجهلهم ما ورد من الآيات و الاخبار في فضل اهل بيت النبوه و معدن الرساله و مهبط الوحي و منبع الحکمه، و يخرجونها عن ظواهرها بأفهامهم السقيمه و آرائهم الذميمه، و مع ذلک فقد زعموا أنهم لاهل البيت من اهل المحبه و الوداد، و لم يعلموا أنهم هائمون من الخذلان في کل واد... الي آخر ما قال فيهم و فيمن نسجوا علي منوالهم ممن تقدمهم فراجع.

و قال في المقصد الثالث من الکتاب المذکور: فقد رأينا من اذا سمع بذکر مزيه أمتاز بها أهل البيت أو مقبه أسندت اليهم، و وصفوا بها من اللَّه و رسوله (ص) أو السلف الصالح أو علماء الامه أو اوليائها، يقطب وجهه و يتغير خلقه و يود بلسان حاله أن تلک المزيه لم تکن لهم، و قد يتکلف الاقاويل الواهيه و الاخبار الموضوعه، و الآثار المصنوعه ليطفي ء بها نور اللَّه و اللَّه متم نوره ولو کره الکافرون. هذا کلامه بعين لفظه (والحق ينطق منصفا و عنيدا).

نسأل اللَّه الهدايه و التوفيق لنا و لجميع المسلمين بمنه و کرمه انه أرحم الراحمين.


پاورقي

[1] القربي مصدر کالزلفي و البشري و هي بمعني القرابه، و الاستثناء هنا متصل، و المعني لا أسألکم علي أداء الرساله شيئا من الاجر الا أن تودوا قرابتي، فهو علي حد قول القائل:



و لا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الکتائب



و يجوز أن يکون الاستثناء منقطعا، أي لا أسألکم عليه أجرا قط و لکن أسألکم أن تودوا قرابتي، و کيف کان فمودتهم فريضه.

[2] فيما نقله عنهما النبهاني في أربعينه.

[3] فيما نقله النبهاني عنه في الشريف المؤبد.

[4] فيما نقله عنه في الشريف المؤبد.

[5] المراد من آل محمد في هذا الحديث و نحوه مجموعهم من حيث المجموع باعتبار أئمتهم الذين هم خلفاء رسول اللَّه (ص) و أوصياؤه و وارثو حکمه و أولياؤه، و هم الثقل الذي قرنه بالقرآن و نص علي أنهما لا يفترقان فلا يضل من تمسک بهما و لا يهتدي من اعرض عن احدهما، و ليس المراد هنا من الآل جميعهم علي سبيل الاستغراق و الشمول لکل فرد فرد، لان هذه المرتبه الساميه لاولياء اللَّه خاصه. نعم تجب محبه جميع أهل بيته و کافه ذريته لانتسابهم اليه صلي اللَّه عليه و آله و سلم، و في ذلک تحصل الزلفي لله تعالي و الشفاعه من رسوله صلي اللَّه عليه و آله.

[6] رواه النبهاني في المقصد الثالث من کتابه الشرف المؤبد عن السدي عن أبي الديلم.

[7] راجع منه صفحه 95.

[8] و حسبهم من الکتاب سورتا التوبه و الاحزاب، فان فيهما الذکري لاولي الالباب «و من أهل المدينه مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم» و ناهيک من السنه باب الحوض من کتاب الرقاق من صحيح البخاري، و باب قوله تعالي «و اتخذ اللَّه ابراهيم خليلا» و هو في کتاب بدء الخلق من الصحيح المذکور أيضا، و ما أخرجه أحمد بن حنبل في آخر الجزء الخامس من مسنده عن ابي الطفيل فراجع. «و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابکم و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر اللَّه شيئا و سيجزي اللَّه الشاکرين».

[9] قال النبهاني حيث أورد الآيه في الشرف المؤبد: القربي مصدر بمعني القرابه، و هو علي تقدير مضاف، أي ذو القربي يعني الاقرباء. قال: و عبر بفي و لم يعبر باللام لان الظرفيه ابلغ و آکد للموده....

[10] ألا تري أن الاغلب من أواخره مکي و الاکثر من أوائله مدني، فلو کان مرتبا علي حسب نزوله لوجب تقديم بعض ما أخر و تأخير بعض ما قدم و لکانت سوره العلق في أوائله و سوره براءه في آخره. بناءا علي ما رواه البخاري عن سلميان بن حرب عن شعبه، و رواه مسلم عن بندار عن غندر عن شبعه أيضا. و لکانت آخر آيه من آياته قوله تعالي «واتقوا يوما ترجعون فيه الي اللَّه»، أو آخر آيه من سوره النساء، أو قوله تعالي «لقد جاءکم رسول من أنفسکم» الآيه. کما لا يخفي علي من راجع الکتب المؤلفه في هذا الموضوع.

[11] فراجع ان شئت التفصيل اوائل السور من مجمع البيان في تفسير القرآن أو من تفسيري الطبري و الرازي الکبيرين أو من الکشاف، أو أول کل من المائده و الاعراف و الرعد و الاسراء و الکهف و مريم و الحج و الشعراء و القصص و الروم و لقمان و سبأ و الزمر و الزخرف و الدخان و الرحمن و المجادله من کتاب تفسير القرآن من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري و سائر المؤلفات في هذا الموضوع، و بعد التتبع قل لي کيف الغي المعترضون صحاح الاهخبار المفسره للقربي بما قلناه و صرفوا الآيه عن اهلها بمجرد کونها في سوره يقال عنها مکيه؟ و من أوحي اليهم انها ليست کأغلب الملکيات و صفت بهذا الوصف باعتبار الغلبه؟ (ان يتبعون الا الظن و ما تهوي الانفس و قد جاءهم من ربهم الهدي)...

[12] کما صرح به غير واحد من الاعلام کالسيد الامام أبي بکر بن شهاب الدين في کتابه رشفه الصادي.

[13] البيتان الاولان نسبهما الي الامام الشافعي ابن حجر في صواعقه و النبهاني في شرفه، و هما مشهوران عنه منتشران سائران، و قد نسب البيتين الاخيرين الي ابن العربي صحب الصواعق و غيره.