الصبر و المواساة
عاشت الزهراء عليهاالسلام الحقبة الزمنية القاسية من تاريخ الاسلام، حقبة الفقر و العسر و المعانات و الشدة. و لم تکن هذه الحالة خاصة باحد بل عمّت جميع المسلمين فلم يکن من اليسير أن يتوفر لکل بيت أو فرد طعام يوم من زادٍ بسيط يسدّر مقهم. و سجل التاريخ صوراً لا تکاد تصدق لما کان يعانيه المسلمون من ضنک العيش و قله ما في اليد.
و الذي يظهر من النصوص المختلفه أن معانات البيت النبوي کانت مضاعفة، اولاً: للوضع الاقتصادي العام الذي کان يعيشه المسلمون و هم جزء منه. و ثانياً: للموضع القيادي الذي کان يمثله، فالنبي القدوة صلي اللَّه عليه و آله و سلم کان يؤثر غيره حتي بلقمة العيش البسيطة (و يوثرون علي انفسهم و لو کان بهم خصاصة) [1] .
و يشهد لذلکَ أيضاً ما روي عن سبب نزول سوره الدهر، و التي عکست صورة عن الوضع الاقتصادي الصعب، و معانات اهل بيت النبوة الطاهر الشديدة من ذلک،
و ايثارهم لغيرهم من المسلمين، مما جعلهم بلا طعا يسد رمقهم ثلاثة ايام نذروا صومها للَّه تعالي في القصة المعروفة التي بسببها نزلت سورةالدهر.
و قد نالت الزهراء قسطاً وافراً من تلک المعانات، يروي جابر بن عبداللَّه الانصاري قال:
خرج رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم يريد فاطمة عليهاالسلام و انا معه، فلما انتهينا الي الباب وضع يده فدفعه ثم قال:
السلام عليکم.
فقالت فاطمة: عليکَ السلام يا رسول اللَّه.
قال: ادخل؟
قالت: ادخل يا رسول اللَّه.
قال: أدخل انا و من معي؟
فقالت: يا رسول اللَّه ليس علي قناع.
فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتک فقنّعي به رأسک. ففعلت ثم قال: السلام عليکم.
فقالت: و عليک السلام يا رسول اللَّه.
قال: أدخل؟
قالت: نعم أدخل يا رسول اللَّه.
قال: انا و من معي؟
قالت: أنت و من معک.
قال جابر: فدخل رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم و دخلت انا و اذا وجه فاطمة أصفر کأنه بطن جرادة.
فقال رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم مالي اري وجهک أصفر؟
قالت: يا رسول اللَّه الجوع) [2] .
و کيف لا يکون وجهها کذلک و هي التي تقول: يا بني الجار قبل الدار، موثرة الناس بدعائها و طعامها علي نفسها.
لقد ربي رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم ابنته الطاهرة علي ابسط الوان العيش، و الاقتصار علي الحد الادني من ضروريات الحياة، و الابتعاد عن کل الوان الترف- إذا صح التعبير- و مواساة الطبقة الفقيرة من المسلمين. يروي ابن شاهين في مناقب فاطمة، و احمد في مسند الانصار باسنادهما عن أبي هريره و ثوبان انهما قالا:
کان النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم يبدأ في سفره بفاطمة و يختم بها، فجعلت وقتاً ستراً من کساء خيبرية لقدوم أبيها و زوجها فلما رآه النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم تجاوز عنها و قد عُرف الغضب في وجهه حتي جلس عند المنبر، فنزعت قلادتها و قرطيها و مسکتيها و نزعت الستر فبعثت به الي ابيها و قالت: اجعل هذا في سبيل اللَّه، فلما أتاه قال صلي اللَّه عليه و آله و سلم:
قد فعلت فداها ابوها- ثلاث مرات- مالآل محمد و للدنيا فانهم خلقوا للآخره و خلقت الدنيا لهم) [3] .
و عن الاام علي بن الحسين عليه السلام انه قال:
حدثتني اسماء بنت عميس قالت: کنت عند فاطمة عليهاالسلام إذ دخل عليها رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم و في عنقها قلادة من ذهب کان اشتراها لها علي بن أبي طالب عليه السلام من في ء فقال لها رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم:
يا فاطمة لا يقول- الناس- إنّ فاطمة بنت محمد تلبس لباس الجبابرة.
فقطعتها و باعتها و اشترت بها رقبة فاعتقتها. فسرّ بذلک رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم) [4] .
أنّ الزهراء لم تفعل مکروها، فالقلادة اشتراها علي من مالٍ له کان نصيبه من في ء، و له أن يتصرف به کيف شاء. و ما أحلَّ اللَّه الذهب إلّا للنساء و لکن
فزينها باجمل زينه علي مدي الزمن حين قال: فدها ابوها صلي اللَّه و سلم عليه و عليها.
پاورقي
[1] سورةالحشر:9.
[2] بحارالانوار ج 62:43، و قريب منه في حليةالاولياء ج 2 ص 42.
[3] بحارالانوار ج 86:43.
[4] بحارالانوار ج 81:43.