بازگشت

الزهراء في عبادتها




و اکبت الزهرا عليهاالسلام مسيرة الرسالة، و عاشت أجواء الوحي و النبوة، و رات النبي الاکرم صلي اللَّه عليه و آله و سلم و هو يجسّد أروع صور الانقطاع الي اللَّه عز و جل، لا في محرابه فقط، بل و في کل شؤون حياته، الصغيرة منها و الخطيرة.

و کان حظ الزهرا عليهاالسلام في مدرسه النبوة الا وفر، کيف لا و هي العارفه باللَّه تعالي، المحدّثه المختارة التي جعل اللَّه رضاها من رضاه، و سخطها من سخطه.

و مهما قلنا في عبادتها و طاعتها للَّه و اخلاصها له فلن نفي لها ببعض حقها فهي کما وصفها صلي اللَّه عليه و آله و سلم:

«کانت اذا قامت في محرابها زهر نورها لاهل السماء کما يزهر نور الکواکب لاهل الارض».


و ما ذلک إلّا بسبب انقطاعها و للَّه و اخلاصها له.

و وصفها لنا رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم فقال:

«يا سلمان إنّ ابنتي فاطمة ملأ اللَّه قلبها و جوارحها إيماناً الي مشاشها [1] تفرغت لطاعه اللَّه...».

و ما أجمل تعبير الحسن البصري حيث يقول:

«ما کان في هذه الامة أعبد من فاطمة عليهاالسلام کانت تقوم حتي تورم قدماها» [2] .

و مع ذلک فان ما يميز تلک العبادة، الطابع الاجتماعي لها بالرغم من کونها فردية و خاصة، فلما اعظم الفرق بين عابد يريد بعبادته نفسه فقط، و بين عابد يريد بعبادته نفع الآخرين قبل نفسه، مؤثراً اخوانه المومنين علي نفسه في الدعاء و التضرع الي اللَّه عز و جل. و هذه هي سيرة اهل البيت عليهم السلام العطاء العام و ايثار الناس علي انفسهم حتي في هذه المجالات.

يروي ابن أبي عمير عن زيد النرسي قال:

کنت مع معاويه بن وهب في الموقف و هو يدعو، فتفقدت دعائه فما رأيته يدعو لنفسه بحرف، و رايته يدعو لرجل رجل من الآفاق، و يسميهم و يسمي آبائهم حتي فاض الناس.

فقلت له: يا عم لقد رايت منک عجباً.

قال: و ما الذي أعجبک مما رأيت؟

قلت: إيثارک اخوانک علي نفسک في مثل هذا الموضع، و تفقدکَ رجلاً رجلاً.

فقال لي: لا تعجب من هذا يا ابن أخي فاني سمعت مولاي و مولاک و مولي کل مؤمن و مؤمنة، و کان واللَّه سيد من مضي و سيد من بقي بعد آبائه عليهم الصلاة و السلام، و الّا صُمتا أُذنا معاويه و عميتا عيناه، و لا نالته شفاعة محمد صلي اللَّه عليه و آله و سلم أن لم


اکن سمعته منه و هو يقول:

من دعا لأخبه في ظهر الغيب ناداه ملک من السماء الدنيا يا عبداللَّه و لکَ مائة الف ضعف مما دعوت، و ناداه ملک من السماء الثانيه يا عبداللَّه و لک مائتا الف ضعف مما دعوت، و ناداه ملک من السماء الثالثة يا عبداللَّه و لک ثلاثمائة ضعف مما دعوت، و ناداه ملک من السماء الرابعة يا عبداللَّه و لک اربعمائة الف ضعف مما دعوت، و ناداه ملک من السماء الخامسة يا عبداللَّه و لک خمسمائة الف ضعف مما دعوت، و ناداه ملک من السماء السادسة يا عبداللَّه و لک ستمائة الف ضعف مما دعوت، و ناداه ملک من السماء السابعة يا عبداللَّه و لک سبعمائة الف ضعف مما سألت، ثم يناديه اللَّه تبارک و تعالي انا الغني الذي لا افتقر يا عبداللَّه لک الف الف ضعف مما دعوت.

فأي الخطرين کبر يا ابن اخي ما اخترته انا لنفسي أو ما تأمرني به» [3] .

هذه هي الروح الحقيقية التي أراد اللَّه عز و جل أنّ تتسم بها العبادة النموذجية في اسمي صورها.

و کانت الزهراء و هي ام الأئمة قد جسدت هذا النموذج في اجلي صوره، فکانت تقوم الليل في محرابها، راکعه ساجده تدعو للمؤمنين و المؤمنات.

فعن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال:

«رأيت أمي فاطمة عليهاالسلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راکعة ساجدة حتي اتضح عمود الصبح، و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تکثر الدعاء لهم، و لا تدعو لنفسها بشي ء.

فقلت لها: يا اماه لم لا تدعين لنفسک کما تدعين لغيرک؟

فقالت: يا بُني الجار ثم الدار». [4] .


و عن الامام موسي بن جعفر عن ابيه عن آبائه علهيم السلام قال:

کانت فاطمة عليهاالسلام إذا دعت تدعو للمؤمنين و المؤمنات و لا تدعو لنفسها،فقيل لها: يا بنت رسول اللَّه انک تدعين للناس و لا تدعين لنفسک؟

فقالت: الجار ثم الدار» [5] .

و کانت سلام اللَّه عليها، و هي شجنه ممن وصفه ربه بانه کان بالمؤمنين رحيماً، قد جسدت هذه الرحمة ليس للاحياء من المؤمينن فقط، بل و لمن قضوا نحبهم من المؤمنين و المسلمين و الشهداء و الصالحين، و من هؤلاء سيد الشهداء و بطل الاسلام حمزة بن عبدالمطلب الذي کانت تذهب لزيارته غداة کل سبت کما جاء عن الامام الصادق صلي اللَّه عليه و آله أنه قال:

«إنّ فاطمة کانت تأتي قبور الشهداء في لکلّ غداة سبت، فتأتي قبر حمزة و تترحم عليه و تسغفر له». [6] .

و في ختام هذا الموضوع اقول أن ما يؤسف له، أن التاريخ حَرَم الأمة، من تسجيل ما کان يجب ان نعرفه عن عبادة الزهراء، فلا يجد الباحث الّا مقاطع قليلة، و هي و ان کانت عظيمة و معبّرة و کاشفة عما کانت عليه البتول، من تبحر في ذات اللَّه و أخلاص له ولکنها لا تعکس الحقيقة بشمولية تامه، فلقد کانت اعظم من کل ما ذکر، کيف لا و هي التي اذا قامت في محرابها زهر نورها لاهل السماء کما تزهر الکواکب لأهل الارض کما يقول المصطفي صلي اللَّه عليه و آله و سلم.


پاورقي

[1] المشاش هي رؤوس العظام اللينة.

[2] عن بيت الاحزان، لقمي:22 و بحارالانوار ج 84:43.

[3] عده الداعي لابن فهد الحلي:171.

[4] بحارالانوار ج 81:43.

[5] بحارالانوار ج 82:43.

[6] بحارالانوار ج 90:43.