ادبها مع ابيها
محمد صلي اللَّه عليه و آله و سلم سيد الانبياء و المرسلين، و سيد ولد أدم أجمعين فکيف لا يحق للزهرا عليهاالسلام ان تعتز و تفتخر به فَمَن مثلُ محمد، و مَنْ يَعدِل محمداً، و من وصل الي ما وصل اليه محمد من کمال و سمو و هو الذي قال عنه رب العالمين:
(و انک لعلي خُلق عظيم ( [1] .
و مع ذلک نري الزهرا عليهاالسلام تنظر الي ابيها صلي اللَّه عليه و آله و سلم نظرة المؤمن المتعبّد، السامع المطيع.
لم تقع عليهاالسلام تحت تأثير البُنوة له، فتتصرف معه کما يتصرف الابناء مع الآباء، رغم علمها بحجم حبه و مودته لها، و هي التي کانت تسمعه يقول: فاطمة بضعة مني، فاطمة روحي التي بين جنبي.
نظرت اليه کرسول لرب العالمين، قبل ان تنظر اليه کوالد، و تعاملت معه کما يتعامل المؤمنون مع الرُسل، و لم تسمح لروابط البُنوه بتجاوز آداب النبوة.
و کان رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم يحب ان يري وحيدته الصديقة تتعامل معه کأب، يسمع منها ما يسمع الآباء من ابنائهم، و تتصرف معه کما يتصرفون، خاصة و هو يعلم انها استکملت الايمان، فلا يمکن ان يصدر منها ما لا يليق و شأن الانبياء.
و مع ذلک بقيت محتفظة بقدسية النبوة و آدابها، تنظر الي ابيها کنبي، قبل ان تنظر اليه کأب، فلم تقل له يا ابه و انما يا رسول اللَّه، مما دعاه صلي اللَّه عليه و آله و سلم الي ان يقول لها: «قولي: يا أبه فإنّها احيي للقلب». فقد روي القاضي ابومحمد الکرخي في کتابه عن الصادق عليه السلام قال: قالت فاطمة:
لما نزلت (و لا تجعلوا دعاءَ الرسول بينکم کدعاء بعضکم بضعاً) [2] هبتُ رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم ان اقول له: يا أبه فکنت اقول: يا رسول اللَّه فأعرض عني مرة أو اثنتين أو ثلاثاً ثم أقبل عليَّ فقال:
يا فاطمة إنها لم تنزل فيک، و لا في اهلک و لا في نسلک، أنت مني و أنا منک إنما نزلت في اهل الجَفاء و الغِلظة من قريش اصحاب البذخ و الکبر قولي: يا أبه فإنّها احيي للقلب و ارضي للرب». [3] .
و بهذا تعطي الزهراء عليهاالسلام درساً بليغاً في مستوي و طبيعة العلاقة بين القائد و ابنائه، فهي کما شهدنا لم تغلّب عاطفتها کبنت، علي ما لمقام النبوة من جلال و احترام، و قدّمت ايمانها بابيها کرسول لربّ العالمين علي کونها بنتاله خوفاً من ان يکون ندائها له بيا أبتي مشمول بقوله تعالي (و لا تجعلوا دعاءَ الرسول بينکم کدعاء بعضکم بعضاً)، و جاء الرسول صلي اللَّه عليه و آله و سلم ليؤکد حقيقة تحمل من المعاني الکثير، و تدلل علي ما للزهراء من مکانة سامية عنداللَّه و رسوله فيقول لها: يا فاطمة انها لم تنزل فيک و لا في اهلک و لا في نسلک، لانک جزء من الشخصية النبوية «أنت مني و أنا منک»، فلا يشملک الخطاب «فقولي يا أبه فإنّها احيي للقلب و ارضي للرب».
لقد علمتنا کيف يجب ان نقف عند الحدود، و کيف نحترم القيم، و کيف نتعامل مع انفسنا و مع الناس، و کيف نجعل الايمان کابحاً للغرور و الطيش، فها هي فاطمة بنت محمد صلي اللَّه عليه و آله و سلم سيد الانبياء و المرسلين و الناس اجمعين، لم تتخذ من مکانتها و مقامها
وسيلة للاستعلاء علي الناس، أو التکبر عليهم، و بقيت کما هي في سيرتها تنظر الي نفسها کواحدة من المسلمين، من دون امتيازات خاصة، أو استثناءات فردية تميزها عن الآخرين، رغم انها صلوات اللَّه و سلامه عليها تستحق اعظم الوان التکريم و التقدير.
پاورقي
[1] القلم:4.
[2] النور:63.
[3] بحارالانوار ج 32:43.