بازگشت

الزفاف و مقدماته




وقعت فترة بين العقد و الزفاف بدون قصد بل إن علياً (عليه السلام) کان يستحي أن يطالب رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) بزوجته، و کان الرسول أيضاً يحافظ علي کرامة السيدة فاطمة فما ينبغي له أن يزف ابنته قبل مطالبة زوجها ذلک.

و طالت تلک الفترة شهراً أو شهوراً، و بقي الأمر مسکوتاً عنه، و أخيراً جاء عقيل إلي الامام علي يسأله عن سبب السکوت و القعود، و يستنهضه للقيام بمقدمات الزفاف و کان علي (عليه السلام) يستحي من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أن يطالبه أن يزفّ السيدة فاطمة و لکن عقيلاً ألح عليه، فخرجا يريدان الدخول علي الرسول للمذاکرة حول الموضوع.

التقت أم أيمن بهما، و سألت منهما عدم التدخل مباشرةً، و تکفّلت هي إنهاء الأمر،و لهذا ذهبت إلي أم سلمة فأعلمتها بذلک، و أعلمت نساء النبي، فاجتمعن عند الرسول فأحدقن به، و قلن: فديناک بآبائنا و أمهاتنا يا رسول الله! قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الأحياء لقرَّت بذلک عينها!!

فلما سمع النبي اسم خديجة بکي، ثم قال: خديجة! و أين مثل خديجة؟ صدَّقتني حين کذّبني الناس، و آزرتني علي دين الله، و أعانتني عليه بمالها!!


إن الله (عز و جل) أمرني أن أبشّر خديجة ببيت في الجنة من قصب الزمرد، لا صخب فيه و لا نصب.

قالت أم سلمة: فقلنا: فديناک بآبائنا و أمهاتنا يا رسول الله إنک لم تذکر من خديجة أمراً إلاَّ و قد کانت کذلک، غير أنها مضت إلي ربها، فهنَّأها الله بذلک، و جمع بيننا و بينها في درجات جنته و رضوانه و رحمته.

يا رسول الله! هذا أخوک في الدنيا، و ابن عمک في النسب، علي بن أبي طالب يحب أن تُدخل عليه زوجته فاطمة تجمع بها شمله.

و في رواية: إن المتکلمة هي أم أيمن قالت: يا رسول الله! لو أن خديجة باقية لقرَّت عينها بزفاف فاطمة، و إن علياً يريد أهله، فقرِّ عين فاطمة ببعلها، و اجمع شملهما، و قرِّ عيوننا بذلک.

فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): فما بال علي لا يسألني ذلک؟

قالت: الحياء منک يا رسول الله!!

فقال- لأم أيمن-: انطلقي إلي علي فائتيني به.

خرجت أم أيمن، فإذا علي ينتظر ليسألها عن جواب رسول الله، و حضر علي (عليه السلام) عند الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) و جلس مطرقاً رأسه نحو الأرض حياءً منه، فقال له: أتحب أن تدخل عليک زوجتک؟

قال: نعم، فداک أبي و أمي!

قال: نعم، و کرامة، أدخلها عليک في ليلتنا هذه أو ليلة غد إن شاءالله.

هيئ منزلاً حتي تحوِّل فاطمة إليه.

قال علي: ما هاهنا منزل إلاَّ منزل حارثة بن النعمان.

فقال النبي: لقد استحينا من حارثة بن النعمان، قد أخذنا عامة منازله!!


فوصل الخبر إلي حارثة، فجاء النبي و قال: يا رسول الله! أنا و مالي لله و لرسوله و الله ما شي ء أحبّ إلي مما تأخذه، والذي تأخذه أحب إليَّ مما تترکه!!

يا لروعة الإيمان بالله و الرسول.

يا لجمال الاعتقاد بالآخرة و الأجر و الثواب!!

جعل حارثة أحد منازله تحت تصرّف علي، و قام علي بتأثيث حجرة العرس و تجهيزها،فقد بسط کثيباً (رملاً) في أرض الحجرة، و نصب عوداً يوضع عليه القربة و اشتري جرّة و کوزاً، و نصبوا خشبة من حائط إلي حائط للثياب!!، و بسط جلد کبش، و مخدّة ليف!

هذا جميع ما کان يتمتع به علي (عليه السلام) من متاع الحياة الدنيا و زخرفها!!

لقد مرّ عليک أن الصداق الذي استلمه النبي من علي (عليه السلام) قسّمه أثلاثاً: ثلثاً اشتري به المتاع، و ثلثاً للطيب بمناسبة الزفاف، و ثلثاً ترکه أمانة عند السيدة أم سلمة.

استرجع النبي الثلث الأخير من الصداق، و سلَّمه إلي علي کمساعدة، حيث أنه في مقتبل حياة جديدة، و الحاجة ماسَّة إلي المال کما لا يخفي، و قال: يا علي إنه لابدّ للعروس من وليمة.

يا لشرف الإنسانية!!

يا لعظمة الأخلاق!!

يا لصدق المحبة و العاطفة!!

و تقدّم بعض الأصحاب إلي علي ببعض الهدايا، و أمر النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) علياً أن يصنع طعاماً فاضلاً.

أمره بالوليمة لأن الله تعالي يحب إطعام الطعام، لأن الوليمة فيها خير


کثير، و فائدة عامة و منافع جمة، فهي إشباع البطون الجائعة، و غرس المحبة في القلوب، و قبل کل شي ء فيها رضي الله سبحانه.

و لکننا- يا للأسف- استبدلنا الوليمة بحفلة القِران و استبدلنا الإطعام بتناول بعض المرطبات و الحلويات التي لا تسمن و لا تغني من جوع!!

و من الضروري أن لا ننسي أن السيدة فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) قد ضربت الرقم القياسي في الإنفاق في سبيل الله، و الإيثار ابتغاء وجه الله، و لعلک لا تجد مثيلة لهذه المکرمة في تاريخ النساء! فقد روي الصفوري في (نزهة المجالس) ج 2 ص 226 عن ابن الجوزي أن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) اعد لها قميصاً جديداً ليلة عرسها و زفافها و کان لها قميص مرقوع و إذا بسائل علي الباب يقول: أطلب من بيت النبوة قميصاً خَلِقاً، فأرادت أن تدفع إليه القميص المرقوع، فتذکرت قوله تعالي: «لن تنالوا البرَّ حتي تنفقوا مما تحبون».فدفعت له الجديد، فلما قرب الزفاف نزل جبرئيل قال: يا محمد! إن الله يقرؤک السلام، وأمرني أن أسلِّم علي فاطمة، و قد أرسل لها معي هدية من ثياب الجنة من السندس الأخضر.. الي آخر الخبر.

لقد تهيأ طعام الوليمة، فلقد طبخ اللحم، واحضر الخبز، و التمر و السمن، و أقبل رسول العظمة (صلي الله عليه و آله و سلم) و حسر عن ذراعيه، و جعل يشدخ التمر في السمن ليکونا بمنزلة الحلويات و الفطائر، و أمر النبي علياً أن يدعو الناس إلي وليمته الزواج.

فأقبل الامام علي (عليه السلام) إلي المسجد، و المسجد غاص بالمسلمين و هناک أهل الصَّفة و هم المهاجرون الذين ما کانوا يملکون يومذاک شيئاً.

و هناک أهل المدينة من الأنصار و غيرهم ممن ليسوا من الأغنياء، فما يصنع علي (عليه السلام) بهذا العدد الکثير مع الطعام القليل؟!

و نفسيته الطاهرة الشريفة لا تسمح له أن يدعو قوماً و لا يدعو قوماً


آخرين فالکل يحبون أن يأکلوا من وليمة بنت رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و الجميع يرغبون إلي الحضور في تلک المأدبة المبارکة.

لکن إيمان علي (عليه السلام) بقدرة الله تعالي، و اعتقاده ببرکات يمين رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) هوَّن عليه کل شي ء، فصعد علي مکان عال، يسمعه کل أحد، و نادي: «أيها الناس أجيبوا إلي وليمة فاطمة بنت محمد».

فوصل صوت علي (عليه السلام) حتي إلي بساتين- المدينة و مزارعها، و أقبل الناس رجالاً و نساءً- و حتي أهل البساتين- يأکلون و يشربون، و يحملون معهم من ذلک الطعام.

و هنا ظهرت برکة رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) إذ أن الطعام لم ينفذ، بل و کأنه لم ينقص، و دعا رسول الله بالأواني فملئت بالطعام، و وجَّه بها إلي بيوت زوجاته و أخذ صفيحة (آنية) و قال: و هذه لفاطمة و بعلها!!

و غابت الشمس من ذلک اليوم، واقترب زفاف السيدة فاطمة إلي دار زوجها.

فهنا اتخذ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) جميع التدابير اللازمة لزفاف ابنته فاطمة.

و بالرغم من أن زواج السيدة فاطمة کان يمتاز بالبساطة و السهولة و الابتعاد عن التکليف و الترف، و ما أشبه ذلک إلاَّ أنه کان محاطاً بآيات العظمة و الجلالة و الجمال، حتي روي الهيثمي في (مجمع الزوائد) عن جابر أنه قال: حضرنا عرس علي و فاطمة رضي الله عنهما فما رأينا عرساً کان أحسن منه... الي آخره.

أمر رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) زوجاته بتزيين السيدة


فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) استعداداً للزفاف، فقامت النسوة فضمَّخنها بالطيب،و ألبسنها الحلي، فکانت إحداهن تمشط شعرها، و الأخري بتزيينها و لبست الحلَّة التي جاء بها جبرئيل من الجنة، و کانت الحلَّة لا تُقوَّم بقيمة، و لا تثمَّن.

و إنما بذل الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) هذه العناية الخاصة، و خصَّ ابنته السيدة فاطمة الزهراء بعواطفه الغزيرة دون سائر بناته لأسباب، منها:

فضائلها الشخصية، و مزاياها النفسية.

شخصيه زوجها علي بن أبي طالب.

فهو صاحب المواهب و السوابق و هو ابن عم الرسول، و اخوه و وزيره و خليفته و حامل لوائه و لم يکن في أصهاره من له تلک القرابة القريبة و المنزلة الخصيصة.

و أن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) يعلم أن ابنته الطاهرة ستشملها آية التطهير و آية المباهلة و القربي.

و أنها أم الأئمة الطاهرين إلي يوم القيمة.

لقد جاءت تلک الليلة التي ستشعر السيدة فاطمة بأنها يتيمة، و تشعر بفقدان أمها خديجة، و الأم لها دور مهم في ليلة عرس ابنتها، و لکن أين خديجة هذه الليلة؟

و لما انصرفت الشمس نحو الغروب دعا الرسول بابنته الطاهرة و دعا بصهره العظيم فأقبلت السيدة فاطمة و قد لبست ثوباً طويلاً، تجرّ ذيلها علي الأرض، و قد تصبّبت عرقاً حياءً من أبيها سيد الأنبياء.

و قد شاءالله تعالي أن يکون زواج السيدة فاطمة ممتازاً من جميع الجوانب و النواحي و هکذا أراد رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أن


لا تشعر ابنته العزيزة باليتم، و لهذا، و لغير ذلک- أتي النبي ببغلته الشهباء، و ثني عليها قطيفة، و قال لفاطمة: ارکبي.

و أمر النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) سلمان أن يقود البغلة، و کان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) يسوقهاِ [1] .

بالله عليک- أيها القارئ- هل سمعت أو قرأت في تاريخ عظماء الدنيا- من أنبياء و ملوک و وزراء و سلاطين- أن بنتاً تزف إلي دار زوجها، و سيِّد الأنبياء يسوق بغلتها؟

نعم، لقد اشترک أهل السماء مع أهل الأرض في زفاف الإنسية الحوراء.

فقد روي الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد ج 5 ص 7) و الجويني في (فرائد السمطين) و الذهبي في (ميزان الاعتدال) و العسقلاني في (لسان الميزان) و القرماني في (أخبار الدول) و القندوزي في (ينابيع المودة) عن ابن عباس أنه قال: لمّا زفت فاطمة إلي علي کان النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) قُدامها، و جبرئيل عن يمينها، و ميکائيل عن يسارها، و سبعون ألف ملک خلفها، يسبّحون الله و يقدّسونه حتي طلع الفجر.

وروي عن الامام موسي بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: «... فلما کانت ليله الزفاف اتي النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) ببغلته الشهباء [2] و ثني عليها قطيفه، و قال: ارکبي


و امر سلمان ان يقودها، و النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) يسوقها.

فبينما هو في بعض الطريق اذ سمع النبي و جبه فاذا هو بجبرئيل في سبعين الفا،و ميکائيل في سبعين الفا.

فقال النبي: ما اهبطکم الي الارض؟ قالوا: جئنا نزف فاطمه الي علي بن ابي طالب.فکبر جبرئيل، و کبر ميکائيل، و کبرت الملائکه، و کبر محمد (صلي الله عليه و آله و سلم).

فوقع التکبير علي العرائس من تلک الليله [3] .

و هکذا اجتمع رجالات بني هاشم يمشون في موکب السيدة. و أمر النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) بنات عبدالمطلب (عماته) و نساء المهاجرين و الأنصار أن يرافقن فاطمة في تلک المسيرة و کانت زوجات الرسول (صلي الله عليه وآله) يمشين قُدَّامها، و يرجزن فکانت أم سلمة تقول:


سِرنَ بعون الله جاراتي

و اشکرنه في کل حالات


و اذکرن من أنعم رب العلي

من کشف مکروه و آفات


فقد هدانا بعد کفر، و قد

أنعشنا ربّ السموات


و سرن مع خير نساء الوري

تُفدي بعمَّاتٍ و خالات


يا بنت من فضله ذو العلي

بالوحي منه و الرسالات


ثم قالت عائشة:


يا نسوة استترن بالمعاجز

و اذکرن ما يحسن في المحاضر


و اذکرن ربِّ الناس إذ يخصنا

بدينه مع کل عبد شاکر


و الحمد لله علي أفضاله

و الشکر لله العزيز القادر





و سرن بها فالله أعطي ذکرها

و خصّها منه بطهر طاهر


ثم قالت حفصة:


فاطمة خير نساء البشر

و من لها وجه کوجه القمر


فضَّلک الله علي کل الوري

بفضل من خصَّ بآي الزمَّر


زوَّجک الله فتيً فاضلاً

أعني علياً خير من في الحضر


فَسرن جاراتي بها إنها

کريمة بنت عظيم الخطر


ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ:


أقول قولاً فيه ما فيه

و أذکر الخير و أبديه


محمد خير بني آدم

ما فيه من کبرٍ و لا تيه


بفضله عرَّفنا رشدنا

فالله بالخير يجازيه


و نحن مع بنت نبي الهدي

ذي شرف قد مکنت فيه


في ذروة شامخة أصلها

فما أري شيئاً يدانيه


و کانت النسوة يرجّعن أول بيت من کل رجز، و دخلن الدار، ثم أنفذ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) إلي علي و دعاه ثم دعا فاطمة فأخذ يدها و وضعها في يد علي و قال: بارک الله في ابنة رسول الله.

يا علي! هذه فاطمة و ديعتي عندک!!

يا علي! نعم الزوجة فاطمة!

و يا فاطمة! نعم البعل علي!!

اللهم بارک فيهما، و بارک عليهما، و بارک لهما في شبيلهما، اللهم إنهما أحب خلقک إلي فأحبهما، و اجعل عليهما منک حافظاً، و إني أعيذهما بک و ذريتهما من الشيطان الرجيم.

ثم دعا بماءٍ فأخذ منه جرعة فتمضمض بها، ثم مجها في القعب، ثم صبّها علي رأس فاطمة و علي صدرها و بين کتفيها ثم دعا علياً فصنع به


کما صنع بها.

و أمر رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) النساء بالخروج فخرجن، و بقيت أسماء بنت عميس، فلما أراد رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أن يخرج رأي سواداً فقال: من أنت؟

قالت: أسماء بنت عميس!

قال: ألم آمرک أن تخرجي؟

قالت: بلي يا رسول الله! فداک أبي و أمي، و ما قصدت خلافک، و لکني أعطيت خديجة عهداً- و حدثَتْه- فبکي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) إذ هاجت عواطفه من حديث خديجة، و إنها کانت تتفکر حول تلک الليلة، و أن فاطمة- الليلة- منکسرة القلب.

فقال لها: بالله لهذا وقفت؟

قالت أسماء: نعم، و الله!

فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): يا أسماء، قضي الله لک حوائج الدنيا و الآخرة.



پاورقي

[1] بحارالانوار ج 43.

[2] کان النبي (صلي الله عليه و آله) قد سمي ناقته: العضباء و بغلته: الشهباء، و عصاه: الممشوق، و عمامته:السحاب. و هکذا.

[3] امالي الطوسي ج 1 ص 263.