بازگشت

الزهراء و وفاة النبي




لقد أحبت الزهراء أباها النبي حباً جماً، فقد کان بالنسبة لها النبع المتدفق بالحنان، کان لها طوال حياتها الأب الحنون، ثم کان لها بعد وفاه أمها، الأب الشفوق و الأم الرؤوم ثم کان لها بعد البعثة أباً و نبياً، و الداً و رسولاً، فکانت تحبه حب البنت البارة بأبيها، و حب المسلمة الصادقة لنبيّها، فهو الأب، و هو النبي، و من ثم فقد بکته، حين انتقل إلي الرفيق الأعلي، بقدر حبه لها، و حزنت عليه بقدر تعلقها به، و زرفت عليه من الدموع الحارة علي قدر ما کان يهديها من حب أبوي صادق و حنان ملائکي رحيم، حتي أن الزهراء،عليهاالسلام، لم تضحک قط بعد وفاه أبيها النبي صلي اللَّه عليه و آله، و روي عن الباقر أنه قال: «ما رؤيت فاطمة ضاحکة قط، منذ قبض رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله حتي قبضت»، و في الواقع لولا أن الأب النبي صلي اللَّه عليه و آله أخبرها بموته، و هو حي، لقضت نحبها حزناً عليه، و لصدمتها الفاجعة المروعة، الکارثة الموجعة، و الخطب الأليم، فقد کانت الزهراء تظن، و کأن أباها لا يموت، و لا يموت و هي علي قيد الحياة، و کان الرسول صلي اللَّه عليه و آله يدرک مکانته عندها، و يعلم منزلته في قلبها، و يحس مبلغ ما سوف تقاسيه عند فقده، و من ثم فقد أخبرها بموته و هو حي، و عزاها عن فراقه و هو موجود، و بشرها بلقائه القريب في رحاب اللَّه، و روي البخاري عن عائشة قالت: دعا النبي صلي اللَّه عليه و آله فاطمة ابنته في شکواه الذي قبض فيه، فسارها بشي ء فبکت، ثم دعاها فسارها فضحکت، قالت فسالتها عن ذلک، فقالت: «سارني النبي صلي اللَّه عليه و آله فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبکيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحکت» (أخرج مثله مسلم و أحمد و ابن


سعد و ابن ماجة و ابن راهوية).

و أخذت الزهراء تهدي ء من روعها، و تمسح دموعها، حتي لايراها و الدها النبي صلي اللَّه عليه و آله فيحزنه جزعها، ولکن أنّي لها ذلک، و هي أمام هول عظيم، فهذا أبوها و حبيبها رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله قد ثقل عليه مرضه، و فتحت له أبواب السماء، و أقبلت عليه ملائکة اللَّه عزوجل بروح من اللَّه و رضوانه، تبشره بلقاء ربه عزوجل، و ما اعدله من الوسيلة و الدرجة العظيمة و المقام المحمود، و ما يلقاه في الخلد من نعيم مقيم، فلم يلبث أن صعدت روحه الکريمة الطاهرة المطهرة الراضية المرضية إلي ملئها الأعلي، و إلي جوار رب العالمين، فبکت الزهراء، عليهاالسلام، و تغشاها الأسي و الاکتئاب، و لذعها الجوي، و تولتها غصة و فجيعة، أخرج البخاري عن انس قال: لما ثقل النبي صلي اللَّه عليه و آله جعل يتغشاه، فقالت فاطمة، عليهاالسلام، و اکرب أباه، فقال لها: ليس علي أبيک کرب بعد اليوم فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب رب دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأوره، يا أبتاه، إلي جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة، عليهاالسلام، يا أنس أطابت أنفسکم أن تحثو علي رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله التراب، و أخرج الإمام أحمد عن أنس قال: لما قالت فاطمة ذلک، يعني، لما وجد رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله في کرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: و اکرباه، قال رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله: «يا بنيه أنه قد حضر بأبيک و ليس اللَّه تبارک منه أحد الموافاة يوم القيامة»، و روي أن الزهراء أخذت قبضة من تراب القبر الشريف فجعلتها علي عينها و وجهها ثم أنشات تقول:


ماذا علي من شم ته احمد

ألا يشم مدي الزمان غواليا


صبت علي مصالب لو أنها

صبت علي الأيام عدن لياليا


و قالت علي قبره الشريف


إنا فقدناک فقد الأرض و أبلها

و غاب مذ غبت عنا الوحي و الکتب


فليت قبلک کان الموت صادقنا

لما نعيت و حالت دونک الکتب


و روي ابن حجر في فتح الباري عن الطبراني أنه روي عن عائشة أن رسول


اللَّه صلي اللَّه عليه و آله قال لفاطمة: أن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم رزية منک، فلا تکوني أدني امرأة منهن صبراً.

و روي أنه لما قبض رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله امتنع بلال عن الأذان و قال: لا أؤذن لأحد بعد رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و أن فاطمة، رضي اللَّه عنها، قالت ذات يوم: أشتهي أن اسمع صوت مؤذن أبي بالأذان، فبلغ ذلک بلالاً رضي اللَّه عنه فأخذ يؤذن، فلما قال: اللَّه اکبر اللَّه اکبر، ذکرت أباها و أيامه، فلم تتمالک نفسها من البکاء، فلما بلغ قوله «و أشهد أن محمداً رسول اللَّه» شهقت فاطمة رضي اللَّه عنها، و سقطت لوجهها، و غشي عليها، فقيل لبلال: أمسک، قد فارقت ابنة رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله الحياة الدنيا، وظنوا أنها قد ماتت، فلم يتم الأذان فأفاقت، فسألته إتمامه، فلم يفعل و قال لها يا سيدة النساء: إني أخشي عليها، مما تنزليه بنفسک إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته من ذلک»، و عن الإمام علي قال: «غسلت النبي صلي اللَّه عليه و آله في قميصه فکانت فاطمة رضي اللَّه عنهم تقول: أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها، فلما رأيت ذلک منها غيبته».

هذا و قد اعتادت الزهراء، رضي اللَّه عنها، أن تزور الروضة الشريفة، کما اعتادت أن تزور قبر و الدتها لسيدة خديجة رضي اللَّه عنها، في مکة، و روي عن الباقر، رضي اللَّه عنه، أنه قال: إن فاطمة بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله کانت تزور قبر حمزة، رضي اللَّه عنه، ترمه و تصلحه، و قد علمته بحجر، و عن رزين قال الإمام أبوجعفر محمد الباقر، مضي اللَّه عنه، إن فاطمة رضي اللَّه عنها کانت تزور قبول الشهداء بين اليومين، الثلاثة، فتصلي هناک و تدعو و تبکي، و روي الحاکم في المستدرک عن علي رضي اللَّه عنه قال: إن فاطمة کانت تزور قبر عمها حمزة کل جمعة، فتصلي و تبکي عنده».