بازگشت

حياة الزهراء في مكة المكرمة




ولدت الزهراء و نشأت في بيت ربه محمد، و ربته خديجة، و أي أب في تاريخ الإنسانية کلها، أعظم و أنبل، و أکرم و أشرف من محمد صلي اللَّه عليه و آله، و أي أم أرفق و أحن.

و أشفق من خديجة رضي اللَّه عنه، ثم سرعان ما أصبح هذا البيت، بيت النبوة و الرسالة، و مهبط الوحي و التنزيل، و هکذا تأدبت الزهراء بأدب أبيها النبي، الذي أدبه ربه فأحسن تأدبيه، و من ثم فقد کانت سيدتنا فاطمه الزهراء، المثل الأعلي في الخلق الکريم و الطبع السليم، وقد عني بها رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله عناية تامة، فکان يثقفها ثقافة إسلامية، و يروضها علي الهدي النبوي، و الصراط المستقيم، و من ثم فقد نشأت الزهراء نشأة کانت المثل الأعلي في الکمال و الجلال، فهي إنما تمثل أشرف ما في المرأة من إنسانية و کرامة و عفة و قداسة و رعاية إلي ما کانت عليه من ذکاء و قاد، و فطنة حادة، و علم واسع، و کفاها فخراً أنها تربت في مدرسة النبوة، و تخرجت في معهد الرسالة، و تلقت عن أبيها الرسول الأمين صلي اللَّه عليه و آله ما تلقاه عن رب العالمين، و بدهي أن الزهراء تعلمت في دار أبويها، ما لم تتعلمه طفلة غيرها في مکة، بل و في الدنيا کلها، و صدقت أم المؤمنين أم سلمة حيث تقول «تزوجني رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و فوض أمر ابنته إليّ، فکنت اؤدبها و أدلها، و کانت واللَّه آدب مني، و أعرف بالأشياء کلها»، أو ليست هي يا أم المؤمنين بضعة رسول اللَّه


أوليست هي «أم ابيها» کما کان يسميها سيد المرسلين، أوليست هي التي اصطفاها اللَّه لتکون التيار الذي يحمل نور النبي صلي اللَّه عليه و آله عبر أسلاک الزمن، و التضاء البشرية بعد ذلک من هذا النور الفياض، و صدق الأستاذ العقاد، حيث يقول «في کل دين صورة للأنوثة الکاملة المقدسة، يتخشع بتقديسها المؤمنون، کأنما هي آية اللَّه فيما خلق من ذکر و انثي، فاذا تقدست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام، لا جرم، تتقدس صورة فاطمة البتول».

کانت الزهراء عليهاالسلام، أصغر بنات النبي صلي اللَّه عليه و آله، و من ثم فما أن انتقلت السيدة خديجة، رضي اللَّه عنها الي جوار ربها الکريم، راضية مرضية، حتي أصبحت الطفلة الصغيرة، فاطمة الزهراء، مسؤولة عن رعاية أبيها و السهر عليه، ولکنه لم يکن أباً عادياً، و إنما هو رسول اللَّه الذي أرسله للناس کافة، و من ثم فقد کان علي الزهراء، و هي ما تزال صغيرة لا تکاد تتحمل مسؤولية بيت و رعاية أسرة، فضلا عن أن يکون هذا البيت و تلک الأسرة، بيت محمد صلي اللَّه عليه و آله، تأخذ نصيبها من أعباء الدعوة، و أثقال الرسالة، وسوف يکون لها و لزوجها، و لا بنائها و بناتها من بعدها، النصيب الأوفر، فلقد أخذت حتي الآن نصيبها من الحصار الرهيب في شعب أبي طالب، حيث حصر أهلها من بني هاشم، و لمدة سنوات ثلاث، إلا أن يسلموا أباها فتقتله قريش، و سوف تأخذ نصيبها من أحداث الهجرة، و تنال حظها من خطوب «أحد» و الأحزاب، و سوف تشارک أباها کل ما يلاقيه من أذي قريش، و تقاسمه کل همومه، بقدر ما نالته من الحظوة عنده، و المکانة لديه.