القافلة: و عيون محمد
..سارت القافلة من جديد، و هي تستعين بالصبر و الصلاة وسط هذه البيداء، اذ هي تستعيد احداث يومها المنصرم.. فتدغدغ اجفان الزهراء فرحة لا تعرف کيف تضمرها و قد حازت علي کل کيانها، و هي تشعر انها ملتهبة بشوقها لإبيها.. اذ لم يبق من الطريق سوي القليل، فتسمع المنادي ينادي بانتهاء الرحلة والوصول الي المأرب.
.. واخذ شبح ابيها الرسول يتمثل امامها کعمود نور، و قد فاضت شفتاه بفرحة و شوق عارم.. لتصافح يده يديها، و لتقبل منه الوجنات و تشم من أردانه عطر الحنان.
فأغمضت عينيها کيلا تصحو إلّا علي صوته.
و فعلاً وصل الرکب الي حيث مقصده وانتصب النبي و هو ينتظر قدوم ناصره الوفي، ليحتضنه و فاطمة الي صدره فيشبع شوقه.
لکن اللحظات ظلت تمر دون اي خيال او شبح لعلي.. فها هي فاطمة تحتضن ابيها و دموعها تبلل کريمته.. لکن النبي ظل متحيراً حتي أن قال و قد بدت عليه مسحة ألم:
- (اَو لم يقولوا ان علياً قدم.. هذه قافلته سالمة فأين هو؟!!)
و ما اوشک النبي يکمل کلامه، حتي ان وصل من يخبر، عن فتي النبي خبره.
- (يا رسول اللَّه ان علياً وصل لکنه لا يقدر ان يمشي).
فتلألأت الدموع وسط مآقي الرسول.. فتلک الايام والليالي التي هاجر بها علي من مکة الي المدينة، و تلک البيد التي قطعها وسط الرمال، أثرت في قدميه، لدليل علي مدي ايثاره في عقيدته و مدي امتثاله لاوامر نبيه، اذ انه لم يکن له مرکب يرکبه في حين کان يحرص اشد الحرص في أن يرعي الفاطميات المؤمنات، و لا
يهمه ان تلسع حرارة الصحراء وجهه و قدميه.
فهرع النبي اليه.. رامياً بنفسه وسط حجر علي، مختضناً اياه، و هو يري تورم قدميه والدم يقطر منهما، و قد ارتسمت علي ملامح علي سعادة کبري اذ يري امامه محمداً سالماً معافي ناسياً ما وقع علي کاهله من مصائب و احزان و آلام.. فقال صلي اللَّه عليه و آله و سلم و هو يبکي شفقة لما يري:
- (يا علي أنت أول هذه الأمة إيماناً باللَّه و رسوله، و أولهم هجرة إلي اللَّه و رسوله، و آخرهم عهداً برسوله، لا يحبک والذي نفس بيده إلّا مؤمن و قد أمتحن اللَّه قلبه للإيمان، و لا يبغضک إلّا منافق أو کافر) [1] .
پاورقي
[1] بحارالانوار ج 38 ص 288- 294.