هدية السماء لخديجة الكبري
.. کانت انفاس فاطمة تکاد ان تختنق لشدة بکائها علي فراق اُمها و هي ما تزال قائمة بجنب القبر، تهمس فيه، و کان فؤادها کأنه نار ملتهبة و عبرات تستفيق کلما وجلت قليلاً عن البکاء.
و ما کان لابيها ان يمنعها لانه عارف بقلب ابنته، و مدي الحزن الذي داهمها فما ابتدر منه، إلّا ان يرفعها اليه و يضمها الي صدره المحزون، المتدفق بالشجون عله يسدل عليها جزءاً من الراحة.
لکن صراخ فاطمة و انينها ليس بالهين عليه، و هو ينظر الي حبيبة فيري انفاسها تکاد ان تتقطع و حسراتها تزداد کل حين، فأشفق عليها و رفع رأسه الي السماء يطلب من اللَّه ان يصبرها بفيض رحمته..
.. فما ان دعي النبي حتي ان رأي ابنته ترمقه رمقة من بين عينيها المغرورقتين بالدموع و قد سکنت قليلاً، و کأنها تحس بشي ء غار في اعماقها فجلي جزءاً من حزنها.
فنظر نحوها الأب فراي النور ينبعث من اعماقها.. و سمع خفيف اجنحة جبرائيل تقترب منه، حتي صارت ترفرف فوق رأسه الشريف.. ثم قال بصوت حزن تمزجه غبطة:
«يا رسول اللَّه ان ربک يأمرک ان تقرأ علي فاطمة السلام، و تقول لها: اُمک في بيت من قصب، کعابه من ذهب، و اعمدته من ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون، و مريم بنت عمران».
..رفعت الزهراء برأسها الجميل، و قد بانت عليها مسحة قبول و رضا، ثم اخذت اصابعها تجفف ما قد علق بها من الدموع والتراب.. وانفتحت اساريرها بالاستبشار، ثم مانئت تقول و قد علاها نوراً أبهراً:
«اللَّه هو السلام و منه السلام و إليه يعود السلام».
(اللَّه) يا مولاتي ما اروع و أکمل هذه الکلمات التي تلفّظها لسانک العذب.
.. هدأت بنت الرسالة، سکن دمعها المعلق بمحجر العين، و تحول الي بشري لِما رأت من جلال و رفعة لاُمها عند ذاالعرش العظيم لکن؟!
هل يا تري فاطمة نسيت المها و حنينها الي اُم ترعاها؛ أم انها نسيت ما يعاني ابيها، و الاسلام مهدد مطارد و قد فقد ناصريه و هو بعد ما يزال في بدايات الطريق فخلف جزءاً عظيماً و مهماً فيه.
هو عام سوف لن ينساه المسلمون ابداً، العام الذي رحل فيه أبوطالب و خديجة، فکان المصاب الجلل الذي حل بالاسلام.
فلا تنسي کل هذا، لکنها سوف تحل محل هؤلاء کي يستمر انتشار دين الحق في ارجاء العالم.. و تلک مهمة صعبة، لکن الزهراء بقوة ايمانها و شخصيتها سوف تقوم بهذا الدور الرسالي علي اکمل وجه في انجاز ما قد صمّمت عليه.