بازگشت

اللقاء




.. کان قلب نبي الاسلام يهفو وجداً و حباً عند سماعه اسم خديجة؛ لانها تحمل روحاً رقيقة و نفساً ابية، ملؤها حب اللَّه والجهاد في سبيله.

.. اسرع النبي الي بيت أُم المؤمنين ممتثلاً لأمر ربه... فقد اشتاق فؤاده اليها بعد أربعين يوماً من الاعتزال الذي امره به اللَّه [1] لبناء اعظم نطفة لرسول الوري.

تلک النطفة التي جعلته يسکن محرابه يعبد اللَّه.

.. في حين تغدق عليه الملائکة من ثمار الجنة، کي يتهيأ لصنع النور الذي سيکون رحمة علي أهل الأرض و السماء.

أما الآن فقد جاءت لحظة لقاء الحبيبين و اجتماعهما، اللحظة التي کانت تنتظرها خديجة بفارغ من الصبر والتحمل، و تتوق اليها بفيض من الحب والحنان.

... و کما تعودت خديجة أن تقوم بتلک الساعات فتغلق بابها، و تسدل ستارها، و تسجف سترها، و تصلي وردها.

لکنها لايوم ما کادت لتفعل حتي حدثها قلبها بشعور غريب مرهف.

اجل: فقد سبقت المصطفي غمامته، لتزف خبر لقاءها مع رسول اللَّه.

.. کتمت خديجة انفاسها مرتاعة بفرحتها، التي علت کل کيانها، ثم ما اوشکت ان تلتفت، حتي سمعت طرقات الباب:

فهبت لتهتف قائلة:

- «ما لهذا الطارق الذي طرق حلقة ما يطرقها إلّا رسول اللَّه».

عند ذلک اجابها النبي بعذوبة و حلاوة لسانه:

- «افتحي الباب اني أنا النبي».


... ففاضت عيونها ببريق مضي ء، و هي ما تزال ساکنة محتارة بفرحتها، فانساقت بکل کيانها نحو الباب، تتعثر في سيرها ففتحته، و بسمتها تعلو محياها الجميل لکن بعين الوقت تعکس شيئاً من الحزن ممزوجاً بفرحة و حب دافق تکنه لهذا الرجل الذي يمثل امامها بعينيه المشرقتين بايمان اللَّه، لکن روحها لم تنس ذلک الصفاء و ذلک النور، الذي کان دوماً يطويها بهالة بهية نقية.

.. استقبلته بفرحتها، و لم يفتر لسانها حينما حفت الرسول بالسؤال عن نفسه، و کيف قضي تلک الايام، التي لم تنعم هي برؤياه.

فهاجت في نفسها اشجانها، حينما کانت تجلس في محرابها تدعو له بالحفظ والسلامة من اعدائه.

و کان الزوج المخلص يدرک تلک المشاعر و الاحاسيس التي کانت تعانيها زوجته، و هي تشکو امرين: مرارة فراق النبي لها، و ترک نساء قريش زيارتها والتحدث معها.

فظل بقربها يطمئنها، و يؤنس روحها المضطربة، و يسکن اشجانها، حتي ان نهضت من عنده و قد علتها ابتسامة، جلت کل ما کان من تعب و خوف في قلبها.

فاتجهت نحو إناء التطهير لتقدمه للرسول... فقد عهدته ان يصلي نافلته.

فغض النبي نظهر عما اتت به.

أجل، سيدتي الکريمة، ما کان ليّ ان اُلمح أکثر من هذا فسامحي شعوري، إلّا أنني أقول ان نطفة نورک قد ازهرت بين احشاء خديجة عندما تشاطر الأبوان الطاهران شمس جمالک المتوهجة، ليشترکا معاً في اخراج اعظم شخصية نسوية عرفتها الانسانية، بل هي حية في النفوس و الي قيام يوم الدين؛ «ناقوس حق و حرية».

نعم: تکور جنين خديجة الطهر، و محمد خير الوري.

.. الجنين المبارک الذي تحدثت عنه السماء، وصغت الأرض لأنين ثغره،


عندما کن يناغي الام خديجة و يسبح و يرتل الفرقان و هو في احشائها الطاهرة.

حقاً ان يا زهراء قرة لعين ابويک و شيعتک و محبيک.

فلقد التمعت عيون الام بالشوق و هي تستشعر حملها المرتقب و تستمع لدقات قلبه، ثم تغبطها سعادة عظيمة و طمأنينة، فتحلق روحها اجواز آفاق الفضاء.

- «إن جنيني يناغيني، و اُناغيه، و يشاطرني همي و يؤنسني في وحدتي و وحشتي».

هذا ما طرأ اسماع الاب الکريم. [2] .

و انها لمعجزة والله... فما کلّم عيسي اُمه «مريم» إلّا و هو في المهد صبيا.

أما (الزهراء) فقد کلمت اُمها و هي ما تزال جنيناً.

فهنيئاً سيدتي لابويک... و لتکتب اقلام القصاصين معجزة الزمن التي حار بها الکتاب و المؤلفون، فصارت کالاسطورة، و هي آية من آيات رب العالمين.



پاورقي

[1] بيت الاحزان للقمي.

[2] و من الذين اخرجوا هذا الخبر: محب الدين الطبري في خائره ص 44... عن الملأ في سيرته ان خديجة قالت: اني حملت حملاً خفيفاً فادا خرجت أي النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم حدثني الذي في بطني. کذا ذکر نزهة المجالس ج 2 ص 227 و کذا ذکر جمع من علماء الشيعة.