بازگشت

اما جبهته الشريفة




فکان واسع الجبينين. و الجبين هو ما علا الحاجب مما قارب الصدغ إلي، منابت الشعر من الجهتين.

قال الخليل: «الجبهة هي مستوي ما بين الحاجبين إلي الناصية».

و قال الأصمعي: «هي موضع السجود» [1] .

و تشبه الجبهة باعتبار بياضها و تلألؤها بالزهرة و المشتري و سهيل و کف الخضيب و ما شاکل، قال الشاعر:


بر فلک حسن اگر چه زهره جبيني

زهره برقص آيد ار جبين بگشائي [2] .


و الزهرة مظهر الإسم الشريف «المصور»، و قيل: «إن من تصور بصورة من بني آدم عليه السلام إنما کان بتأثير من هذا الکوکب، و هو رب النوع للإسم الشريف «المصور»، و أميرالمؤمنين عليه السلام مظهر الأنوار، و سبب في إظهار أشعة الکواکب، فکيف لا يکون جبينه المبارک واسعا منورا مع أن نور الزهرة قبس من نور جبينه؟!

و قال أهل القيافة: الجبين الواسع دليل سعة الرزق، و المحقق أن الرزق- أي رزق کان- يصل من الرزاق ذي القوة المتين إلي کل فرد من أفراد الموجودات من حيوانات و نباتات و جمادات حسب مقدار القابلية و مقتضي العالم الذي ينزل إليه بتوسط الوجود المبارک لأميرالمؤمنين و سلطان الولاية، کما جاء في الزيارة


الجامعة [3] ، «بيمنه رزق الوري و ببقائه بقيت الدنيا»، و لا تفهم من الوساطة أن أميرالمؤمنين رزاق بالإصالة فذلک غلط و شرک، لأن هذا الوصف خاص بالحضرة الأحدية کما قال الصدوق عليه الرحمة في اعتقاداته و منعه صراحة.

ثم إن الأصلع و الأنزع تکون جبهته أوسع و أکثر نورانية، و کان أميرالمؤمنين کذلک.

و الأنزع هو من لا يکون له شعر في طرفي الجبهة إلي حد الناصية، و النزعتان- بالتحريک- البياض في طرفي الناصية لا ينبت فيها الشعر، و إن کان الأنزع بمعني بعده عليه السلام عن الشرک من الولادة إلي الممات، و النزع بمعني «البعد»، و الأصلع من لا شعر له، و هذه الصفات من المحسنات الصورية و المعنويه، و في الحديث: کان النورالمحمدي و النور العلوي يسطع من جبهة آدم عليه السلام کالشمس في وسط السماء، ثم انتقل ساطعا لامعا في جباه أجداده الکرام و آبائه الفخام واحدا بعد واحد، وجهة ظهور ذلک النور في المحل المنظور أن ذلک المحل أشرف مواضع السجود، و حامليه أشرف البشر في عالم البشرية، فکان الأولي بذلک النور- و هو نور الأنوار و مخزن العلوم و معدن الأسرار لحضرة الرب الغفار-أن يظهر في أشرف المواضع. کما روي في المناقب:

سأل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم جبرئيل عن عمره، فقال: لا أدري، إلا أن نجما يخرج في زاوية العرش کل ثلاثين عام مرة، و إني رأيته ثلاثين ألف مرة-و في رواية ستة آلاف مرة- فقال له النبي صلي الله عليه و اله و سلم: تريد أن تري النجم؟ قال: نعم، فأمر عليا أن


يکشف عمامته، فلما کشفها رأي النجم ساطعأ في جبين أميرالمؤمنين عليه السلام، «تظن نجما منيرا فوق غرته».

و هذه من أعظم معجزاته عليه السلام، و لا يقول قائل: لماذا لا يري الجميع ذلک النور و تلک النجمة دائما؟ فالفأر الأعمي لا يري الشمس، و السيارات العظيمة أکبر من الأرض مرارا، إلا أنک تراها صغيرة أصغر من دائرة القدح، نعم ينبغي لجبرئيل أن يري لأنه ذاعين جبرائيلية. و نعم ما قيل:


و لا تظن خفاء النجم من صغر

فالذنب في ذاک محمول علي البصر


و في المناقب حديث جليل يدخل السرور علي قلوب الشيعة الصافية؛ قال: لما أرسل النبي صلي الله عليه و اله و سلم عليآ إلي مدينة عمان في قتال الجلندي بن کرکرة و جرت بينهما حرب عظيمة و ضرب و جيع، دعا الجلندي بغلام يقال له «الکندي» و قال له: إن أنت خرجت إلي صاحب العمامة السوداء و البغلة الشهباء فتأخذه أسيرا أو تطرحه مجدلا عفيرا أزوجک ابنتي التي لم أنعم لأولاد الملوک بزواجها، فرکب الکندي الفيل الأبيض، و کان مع الجلندي ثلاثون فيلا، و حمل بالأفيلة و العسکر علي أميرالمؤمنين عليه السلام، فلما نظر الإمام عليه السلام إليه نزل عن بغلته ثم کشف عن رأسه فأشرقت الفلاة طولا و عرضا، ثم رکب و دنا من الأفيلة و جعل يکلمها بکلام لا يفهمه الآدميون، و إذا بتسعة و عشرين فيلا قد دارت رؤوسها و حملت علي عسکر المشرکين و جعلت تضرب فيهم يمينا و شمالا حتي أوصلتهم إلي باب عمان، ثم رجعت و هي تتکلم بکلام يسمعه الناس: يا علي! کلنا نعرف محمدا و نؤمن برب محمد إلا هذا الفيل الأبيض، فإنه لا يعرف محمدا و لا آل محمد، فزعق الإمام زعقته المعروفة عند الغضب المشهورة فارتعد الفيل و وقف، فضربه الإمام


بذي الفقار ضربة رمي رأسه عن بدنه، فوقع الفيل إلي الأرض کالجبل العظيم، و أخذ الکندي عن ظهره فأخبر جبرئيل النبي صلي الله عليه و اله و سلم فارتقي علي السور فنادي: «أباالحسن هبه لي فهو أسيرک»، فأطلق علي سبيل الکندي، فقال: يا أباالحسن! ما حملک علي إطلاقي؟! قال: ويلک مد نظرک، فمد عينيه فکشف الله عن بصره فنظر النبي علي سور المدينة و صحابته، فقال: من هذا يا أباالحسن؟ فقال: سيدنا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، فقال: کم بيننا و بينه؟ قال: مسيرة أربعين يوما، فقال: يا أباالحسن إن ربکم رب عظيم و نبيکم نبي کريم، مد يدک فأنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، و قتل علي الجلندي، و غرق في البحر منهم خلقا کثيرا و قتل منهم کذلک، و أسلم الباقون و سلم الحصن إلي الکندي و زوجه بابنة الجلندي، و أقعد عندهم قوما من المسلمين يعلمونهم الفرائض [4] .

قال ابن أبي الحديد في فتح مکة و غزوة عمان:


فألقي إليک السلم من بعد ماعصي

جلند و أعيي تبع ثم قيصر


يفهم من هذا الحديث أنه عليه السلام کان مکمن الأنوار الإلهية، و لکنه کان يظهرها حسب مقتضي المصلحة و الحکمة ليعلم الناس أنه يحتوي علي هذه الصفات الحقة، و إنما لا يظهرها دائما لأن المصالح تقتفي ذلک، و من تلک المصالح أنه لو کان يظهر هذه الأمور علي الدوام لاعتقد الناس جميعا أو أغلبهم بألوهيته «و العياذ بالله»، و هذا المعني ينافي اقتضاء حاله عليه السلام، و قد جعلهم الله سببأ لهداية الخلق و سفنا للنجاة و ليس سببا للضلالة؛ و لنعم ما قال الشاعر:




گر شکار افکن من دام به صحرا افکند

ماهيان را نتوان داشت به زنجير در آب [5] .



پاورقي

[1] انظر لسان العرب 2/ 172 ماده (جبه).

[2] يقول: إنک في ميدان الحسن ذو جبين کالزهرة؛ مع أنک لو تبسمت لرقصت الزهرة.

[3] إشارة إلي قوله «و بکم ينزل الغيث، و بکم يمسک السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه، و بکم ينفس الهم و يکشف الضر».

[4] المناقب 2/ 347 في انقياد الحيوانات له عليه السلام.

[5] لو ألقي صيادي بشبکته في الصحراء، لما أمکن للأسماک أن تحفظ في الماء حتي لو قيدت بالسلاسل.