في حالات زوجات سيد الكائنات
أشکر الله الواحد الأحد القدير المنان أن أنعم علي بهذه النعمة العظمي و جعل التوفيق رفيتي لأذکر- بحمد الله تعالي- في هذه الصحيفة المعظمة شمة من حالات خيرات الخيرات، و النساء السابغات، و الفتيات القرشيات، و الهاشميات و الأمهات المحترمات، و الجدات المکرمات لشفيعة العرصات، و غيرهن من النساء السعيدات بالقدر المقدور علي سبيل الإختصار من باب المقدمة، و أخرج الدفين المکنون في الخفاء، و أرفع عنه أستار الإجمال، فأشير في هذه الوجيزة العزيزة إلي أسماءهن و مسمياتهن و أنسابهن و أحسابهن.
و من الطبيعي أن يکون ذکر أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم مفيدا في هذا المقام، و هن أکثر من عشرين امرأة إذا عددنا المزوجات و المخطوبات و المطلقات و اللاتي لم يدخل بهن جميعا، ولکني سأزين هذه الخصيصة بذکر عشرة منهن فقط.
و قد مات النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن تسعة، جمعتهن الأبيات التالية:
توفي رسول الله عن تسع نسوة
إليهن تعزي المکرمات و تنسب
و عايشة ميمونة وصفية
و حفصة يتلوهن هند و زينب
جويرية مع رملة ثم سودة
ثلث وست ذکرهن مهذب
و المراد من هند أم سلمة، و من رملة أم حبيبة.
الاولي: خديجة الکبري أم المؤمنين بنت خويلد، ماتت عن ستة و ستين سنة و دفنت في حجون مکة، و إنها و فاطمة و مريم و آسية سيدات أهل الجنة. و قد مر ذکرها في خصيصة سابقة.
الثانية: سودة بنت زمعة، و هي أول امرأة تزوجها النبي صلي الله عليه و آله و سلم في المدينة، و کانت قبله عند السکران بن عمرو العامري، و هبت ليلتها لعائشة لتبقي عند النبي و تحشر يوم القيامة في زوجات سيد البشر، و لا تسلب هذا الفخر، توفيت في المدينة في خلافة عمر بن الخطاب، و صلي عليها مروان بن الحکم، و دفنت في البقيع.
الثالثة: ميمونة بنت الحارث بن جون بن رويبة بن عبدالله بن هلال، ينتهي نسبها إلي نزار، و أمها هند بنت عوف بن زهير بن حرب من حمير، کانت عند أبي رهم بن عبدالعزي العامري القرشي، و إسمها برة، و سماها النبي صلي الله عليه و آله و سلم ميمونة، تزوجها النبي صلي الله عليه و آله و سلم في السنة السابعة في موضع قريب من مکة يقال له سرف، و العجيب أنها توفيت سنة إحدي و خمسين في نفس الموضع، و صلي عليها ابن عباس، و هي عامرية هلالية، و کانت أسماء الخثعمية زوجة جعفر بن أبي طالب و سلمي زوجة حمزة بن عبدالمطلب و أم الفضل زوجة العباس بن عبدالمطلب أخواتها لأمها کما قاله في تاريخ الخميس [1] .
الرابعة: صفية بنت حي بنت حي بن أخطب ثعلبة بن عبيد من بني النضير
من بني إسرائيل، و أمها بنت السمؤال أو السمنون من أسباط هارون بن عمران کانت عند سلام بن مشکم، ثم عند الربيع بن أبي الحقيق، قتل في خيبر فصارت في في ء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فآعتقت و صار عتقها مهرها، تزوجها النبي صلي الله عليه و آله و سلم في طريق عودته من خيبر و هي بنت سبعة عشرة سنة، و کانت عائشة و قريناتها يسمونها اليهودية و يفتخرن عليها في النسب و الحسب، فقال لها النبئ صلي الله عليه و آله و سلم: قولي لهن «أبي هارون و عمي موسي و زوجي محمد صلي الله عليه و آله و سلم». [2] توفيت في شهر رمضان سنة خمسين للهجرة في أيام معاوية بن أبي سفيان، و کانت صفية حليمة صبورة و کان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يانس بها أنسا خاصا.
الخامسة: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب من بني المصطلق، إسمها زينب و سماها النبي صلي الله عليه و آله و سلم جويرية، قيل فيها: «هي أعظم امرأة برکة علي قومها». [3] جاءت في سبي غزوة المريسع، فخطبها النبي صلي الله عليه و آله و سلم و تزوجها في السنة الخامسة للهجرة، و توفيت في ربيع الأول سنة ستة و خمسين فصلي عليها مروان بن الحکم بأمر معاوية، و دفنت في البقيع.
السادسة: زينب بنت جحش بن الرباب بن يعمر بن صبرة بن کثير بن غنم بن داود بن أسد بن خزيمة، و هي بنت عمة النبي صلي الله عليه و آله و سلم من أميمة، توفيت في خلافة عمر بن الخطاب، فکانت أول من توفيت من نساء النبي، صلي الله عليه و آله و سلم اسمها برة و سماها النبي زينب، و في الحديث: «ما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب و أتقي لله و أوصل للرحم و أعظم صدقة و أبذل لنفسها في کل شي ء يتقرب به إلي الله، و کانت
متخشعة متفرعة أواهة». [4] .
کانت عند زيد بن حارثة فطلقها، ثم تزوجها النبي في ذي القعدة في السنة الخامسة للهجرة، و کانت آية في الجمال هيفاء فارعة معروفة بالعبادة و الصوم و الصلاة و أفعال الخير، زوجها الله في السماء و أنزل فيها قرآنا يتلي في عدة آيات، و کانت تفتخر بذلک علي النساء. أطعم في و ليمتها ثلاثمائة نسمة تمرا و سمنا، نزلت آية الحجاب في حجرتها. توفيت سنة عشرين للهجرة في المدينة، فقالت عائشة: لقد ذهبت حميدة مفيدة مفزع اليتامي و الأرامل [5] ...
دفعت کفنها حمنة أختها، و صلي عليها عمر، و ماتت و عمرها ثلاث و خمسون سنة، و ستأتي الإشارة إليها في زواج الصديقة الطاهرة.
السابعة: عائشة مکناة بأم عبدالله بنت أبي بکر بن أبي قحافة بن عمرو بن کعب بن سعد بن تيم، قيل: إنها أول امرأة باکر لزوجها النبي صلي الله عليه و آله و سلم في المدينة، مات عنها النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هي بنت ثمانية عشر سنة، و عاشت سبعين سنة، و ماتت أيام معاوية، و صلي عليها أبوهريرة، و دفنت في البقيع ليلا.
الثامنة: حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزي و أمها بنت قحطان،کانت عند خنيس بن عبدالله بن حذافة السهمي، بعثه النبي رسولا إلي کسري العجم، ثم تزوجها النبي صلي الله عليه و آله و سلم في السنة الثالثة للهجرة،عاشت خمسا و أربعين سنة و توفيت في المدينة و دفنت في البقيع، و صلي عليها مروان بن الحکم، و هي- کما قال الإمام المعصوم- المثل في هذه الأمة لواعلة و واهلة زوجتي نوح
و لوط عليهماالسلام اللتين قال عنهما الله تعالي: (ضرب الله مثلا للذين کفروا امرأة نوح و امرأة لوط کانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين). [6] .
و المراد بالمثل أن لحمة النسب و المصاهرة لا تنفع أحدا فاسدا.
ثم ذکر بإزاء هما امرأتين صالحتين هما آسية و مريم، فقال: (و ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندک بيتا في الجنة و نجني من فرعون و عمله و نجني من القوم الظالمين). [7] .
ثم قال تعالي: (و مريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و صدقت بکلمات ربها و کتبه و کاف من القانتين) [8] و قد مر بيان حالهما عليهماالسلام.
و المراد إجمالا أن مصاهرة الکفار لا تنقص الإيمان، کما أن إيمان المؤمن لا ينفع المرأة إذا کانت کافرة.
و المراد من قوله تعالي الطيبات للطيبين (و الخبيثات و الخبيثين) [9] الأعمال الصالحة.
قال مقاتل: الخطاب في الآية لعائشة و حفصة، مثلهما مثل المرأتين. [10] .
و قال الزمخشري صاحب الکشاف: تعريض بأمي المؤمنين المذکورتين في
أول السورة و ما فرط منهما علي التظاهر علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقال لهما: کونا کآسية و مريم، و إن کان تعليقا علي ما لا يقع، و المقصود بالتمثيل في المقام بعض الصفات و الکمالات في آسية و مريم لاکلها، و معصية الرسول و إفشاء سره مع أمره بالکتمان خيانة عظمي کما يظهر من أول سورة التحريم. [11] .
و أين المنصف الذي يذعن لهذا الأمر و يفهم المراد من سياق الآية و يصدق بذلک، فهما قد آذيا الرسول و أفشيا سره فوجد في قلبه عليهما و أمرهما الله تعالي بالتوبة.
و يشهد لدعوي الإمامية قوله تعالي: (عسي ربه إن طلقکن أن يبدله أزواجا خيرا منکن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات و أبکارا) [12] و قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسکم و أهليکم نارا و قودها الناس و الحجارة). [13] .
و الحاصل؛ إن حفصة و عائشة شريکتان في العمل، و کلاهما سعئ في جر بعض النساء إليهن، و حاولتا التقرب من الساحة النبوته المقدسة بما فعلتا، و التفوق علي باقي النساء، و البروز کمقربات لديه... و الأفضل ضبط القلم و الإمساک عن الکلام و العودة إلي المقصود.
التاسعة: أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية و اسمها رملة، و أمها بنت أبي العاص بن أمية بن شمس، عمة عثمان، کانت عند عبيدالله بن جحش
و ولدت له بنتا اسمها حبيبة، فتنصر عبيدالله و لا يرجع رغم إلحاح زوجته، فمات في الحبشة نصرانيا و بقيت أم حبيبة مسلمة بأرض الحبشة، حتي سمعت هاتفا في النوم يقول لما: ستکونين «أم المؤمنين».
فأرسل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم صلي الله عليه و آله و سلم يخطبها إلي النجاشي- قالت أم حبيبة: ما شعرت إلا برسول النجاشي جارية يقال لها «أبرهة» فقالت: إن الملک يقول للث: إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم کتب إلي أن أزوجکه، فقلت: بشرک الله بخير. قالت: و يقول لک الملک: و کلي من يزوجک، فأرسلت إلي خالد بن سعيد بن العاص بن أمية فوکلته، و أعطيت أبرهة سوارين من فضة کانت علي و خواتيم فضة کانت في إصبعي، سرورا بما بشرتني به، فلما کان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب و من هناک من المسلمين يحضرون، و أصدقها أربعمائة دينار، و دفع النجاشي الدنانير إلي خالد فقبفها و صار خمسين دينار منها من نصيب أبرهة، و في العلل في العلة التي من أجلها صار مهر النساء عند الخالفين أربعة آلاف درهم، عن أبي جعفر: «... إن أم حبيبة بنت أبي سفيان کانت بالحبشة فخطبها النبي صلي الله عليه و آله و سلم فساق عنه النجاشي أربعة آلاف درهم، فمن ثم هؤلاء يأخذون به، فأما المهر فإثني عشر أوقية.ونش». [14] .
ثم نصب لهم مائدة عظيمة و أطعمهم جميعا ثم آمن، و أمر النجاشي أبرهة أن ترد کل ما أخذته من أم حبيبة من هدايا، و حملها سلامه و سلام أبرهة إلي سيد الأنام، و بعث معها بهدية نفيسة إلي الرسول، صلي الله عليه و آله و سلم، فرد النبي سلام أبرهة و قال: «السلام عليک و عليهاالسلام و رحمةالله و برکاته».
ماتت أم حبيبة سنة أربعة و أربعين و صلي عليها مروان بن الحکم.
العاشرة: أم سلمة: هند بنت حذيفة أبي أمية، ينتهي نسبها إلي لوي بن غالب من بني نحزوم، و هي بنت عمة النبي صلي الله عليه و آله و سلم عاتکة بنت عبدالمطلب، و أبوسلمة بن عبدالأسد بن هلال الخزومي أمه برة بنت عبدالمطلب، فهو ابنة عمة النبي صلي الله عليه و آله و سلم.
و تزوج أبوسلمة أم سلمة فولدت له زينب ؤبرة و سلمة و عمر. و عمر بن أبي سلمة الخزومي هذا ربيب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي ولاه أميرالمؤمنين عليه السلام علي البحرين، ثم عزله و ولي مکانه النعمان بن عجلان الزرقي و کتب إليه کما في نهج البلاغة: «أما بعد؛ فإني قد وليت النعمان بن الزرقي علي البحرين و نزعت يدک بلا ذم لک...الخ». [15] .
و قد هاجرت أم سلمة مع زوجها إلي الحبشة و بعد عودة زوجها إلي المدينة جرح في معرکة أحد و مات بجراحه، فاسترجعت أم سلمة لما بلغها من حديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت: «اللهم عندک أحتسب مصيبتي هذه؛ اللهم أخلفني فيها خيرا». [16] و کان أبوسلمة يدعو لها دائما أن يبدلها الله بزوج خير منه، فلما مات زوجها علمها النبي صلي الله عليه و آله و سلم کلمات تقولهن في فراق زوجها: «اللهم اغفرلي و له، و أعقبني عقبا حسنا»، [17] فلما انقضت عدتها بعث إليها أبوبکر و عمر يخطبونها
فردتهما و لم ترغب فيهما، فلما خطبها النبي اعتذرت إليه فقالت: إني امرأة غيري، و إني امرأة مصبية (أي ذات صبيان) و ليس أحد من أوليائي شاهد، فقبل النبي صلي الله عليه و آله و سلم بذلک و أجاب إعذارها واحدة واحدة، فقبلت.
يک روز کسي که با تو دمساز آيد
يا با تو شبي همدم و همراز آيد
از کوي تو گر سوي بهشتش خوانند
هرگز نرود و گر رود باز آيد [18] .
فتزوجها في السنة الرابعة للهجرة علي عشرة دراهم صارت ثمنا للمطهرة و کوزين و وسادة حشوها ليف، فصنعت عصيدة من الشعير و قدمتها للنبي صلي الله عليه و آله و سلم و أکل معه الناس، و عاشست أربع و ثمانين سنة، و توفيت سنة ستين، و دفنت في البقيع، و صلي عليها أبوهريرة.
روت عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم کثيرا، و لها عند جمهور السنة مقام و احترام، و لا يعتبرونها خاصة بالشيعة و الفرقة الإمامية.
و لها نصائح نافعة نصحت بها عائشة في وقعة الجمل و غيرها، و کانت فصيحة عابدة کريمة موثقة و يمکن معرفة عرفافها و إيمانها الکامل من مقالاتها و بياناتها.
و إني لأري لهذه المرأة المکرمة سلام الله عليها مزية خاصة علي زوجات النبي صلي الله عليه و آله و سلم الأخريات في مدي إظهار الذلة و العبودية.
پاورقي
[1] قال في تاريخ الخميس 2/ 64: «... فخطب عليه ميمونة بنت الحارث الهلالية و کانت أختها لأمها أسماء بنت عميس تحت جعفر، و سلمي بنت عميس تحت حمزة، و ام الفضل بنت الحارث تحت العباس...».
[2] البحار 22/ 197 ح 12 باب 2.
[3] البحار 20/ 292 ح 3 باب 18.
[4] اسدالغابه 7/ 140 ترجمه رقم 6948.
[5] تاريخ الخميس 1/ 502.
[6] التحريم:10.
[7] التحريم: 11.
[8] التحريم: 13.
[9] النور: 26.
[10] انظر مجمع البيان 10/ 59.
[11] انظر الکشاف 6/ 164.
[12] التحريم: 5.
[13] التحريم: 6.
[14] علل الشرايع 2/ 214 باب 259.
[15] نهج البلاغة 414 کتاب 42.
[16] البحار 20/ 185 ح 2 باب 16.
[17] انظر البحار 22/ 227 ح 10. دعوات الراوندي: عن أم سلمة، قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: من أصيب بمصيبة فقال کما أمره الله: إنا لله و إنا إليه راجعون، اللهم آجرني من مصيبتي و أعقبني خيرا منه، فعل الله ذلک به. قالت: فلما توفي أبوسلمة قلته ثم قلت: و من مثل أبي سلمة، فأعقبني الله برسوله صلي الله عليه و آله و سلم فتزوجني.
[18] يقول: لو سمر معک أحد و تحدث ليلة من الليالي، ثم سيق إلي الجنة لرفض الذهاب، و لو ذهب لعاد من جديد.