بازگشت

موجز عن حياة المؤلف




إعلم أن هذا الفقير المحروم قد عاش الفقر والحرمان والفاقة و قلة ذات اليد منذ إبان بلوغي و أوان تکليفي، و قضيت في ذلک عمرا سيما في عنفوان الشباب، حيث قضيتها في البلاد النائية والأعتاب العالية فلا عرفت أيامي هناک خبزا، و لا غطي جسمي ملابس جيده سنوات عديدة؛ فشوقي الفطري و ميلي القلبي


للتحصيل ساقني بعيدا عن وطني و دفعني إلي الهجرة في سبيل خدمة العلماء والفضلاء المجدين المجاهدين، و أبي المرحوم- رفع الله قدره- ما رفع قدميه من السجادة ليطأ و سادة المنبر قط، مع أنه کان ماهرا في العلوم الحقة و متبحرا و من أهل الدرس والتحصيل و أئمة الجماعة؛ بل کان يري ارتقاء المنبر منکرا لشدة احتياطه.

و کنت في بداية أيام الإشتغال و أوائل الأمر غافلا عن قضية المنبر و حائدا عن السير في هذا الصراط، و بعد عودتي من المشاهد المشرفة مکثت قليلا في إصفهان و کاشان ثم تشرفت بزيارة العتبات المقدسة عن طريق يزد و کرمان،و أکملت مقصودي في هذه المدة- ما استطعت إلي ذلک سبيلا «فتعلمت المقدمات اللازمة للعلم من أهل العلم.

و بعد عودتي إلي طهران کنت ألتي في الليل- في مسجد والدي- بعد صلاة الجماعة بعض المسائل والأحکام علي مسامع المأمومين والعوام، و في ليالي الجمعة کنت أذکر شيئا من المصيبة في الجملة، و کنت أراجع کتب الأخبار والحديث؛ فشجعني بعض الفضلاء والمؤمنين علي سلوک هذا النهج، حتي صار عندي بصيرة و اطلاع في معرفة الحديث.

فلما لبي المرحوم أبي دعوة الحق، خلف لهذا الحقير کتبا موقوفة و أثاثا مختصرا لا يستحق الذکر، و کان معي ورثة آخرون يشارکوني فيها، و ما کان يخصني من ترکته کان عبارة عن مبلغ من الديون و بهاعة من العيال و قلة المؤنة دون معونة من أحد و بيت خربة رهن الدائنين، آيسا من کل أحد و محروما من کل عمل، فانقطعت بي السبل و جفت الموارد، فاضطررت للتشرف لزيارة بيت الله


الحرام- زاده الله شرفا و فخرا- نيابة، فترکمت مبلغا لمعاش العيال، وانصرفت إلي النظر في کتب الأخبار والحديث في طريق الحج حيث الفراغ و هدوء البال و الراحة من هم العيال. و کنت أرتتي المنبر إحيانا کلما توقفنا في المنازل إجابة لإصرار بعض الحجاج ثم أختم بالمصيبة، فرأيت النفوس والقلوب مشتاقة متطلعة لسماع حديثي و استماعه.

و بعد العودة استحسن بحض رفقاء السفر أن أرتقي المنبر في المسجد الأعظم السلطاني، و أحدث بما اختزنته في طريق سفري، فامتثلت لهم واشتغلت في الأمر مدة من الزمن بهمة و اهتمام تامين و وطنت نفسي علي هذا العمل فوصلني- ولله الشکر- مدد غيبي. و نبعت عين الإقبال فتبدلت الوحدة رويدا رويدا بالکثرة، و تبدل العسر باليسر وراج هذا العمل من حيث لا أحتسب، و رأيت فرجا بعد الشدة و مضت علل الأيام السالفة والأعوام السابقة، وانسلخت الذکريات المشوشة لتدخل حيز النسيان.

والآن؛ أقولها لاظهار الحمد والتحديث بالنعمة و شکر أولياء النعم صرت- و أنا القليل العاجز- في مدة و جيزة من الزمان موردا للألطاف السامية والأفضال الظاهرة النامية لعلماء الأمة و عظماء الدولة، و صار لقولي و فعلي وقعا و وقرا في القلوب الصافية للعامة، و صارت المساجد والمحافل مزدحمة و عامرة بالخواص والعوام لاستماع مواعظي.

فلما انقضت أيام شباب و ذرف عمري علي الأربعين، و کللتني عمامة الشيخوخة، تنصرفت خلال عدة سنوات في فترات متقاربة بزيارة الأئمة البررة عليهم السلام فتذکرت- و أنا في غاية الغني والتمکن- الذکريات القديمة والمنازل


المعهودة، فشکرت الله و توسلت بالنفوس القدسية لأولئک العظماء، واستغثت بهم استغاثة کاملة، واسترشدت بهم استرشادا کاملا، بوسيلة المنبر الذي توجه إليه الأعلام من العلماء و نال اهتمام عامة العوام في النجف و کربلاء والکاظمين و سامراء، فکنت في کل يوم و ليلة استطرف واستنطق- حسب العهد المؤکد والميثاق المشيد- کتب المحمدين الأوائل والأواخر- قدس الله أرواحهم- سيما کتاب «بحارالأنوار الجامع لأخبار آل العصمة الأطهار» للمرحوم المجلسي رحمه الله حيث استفدت منه في الغالب.

و بعد حسن التحصيل والطلب عدت إلي طهران و داومت علي الإشتغال بالتأليف والتصنيف، و کل ما سطره هذا البنان المکسور و بقي باس الباقي کان حول آل العصمة و قد أخذته بکله من الکتاب والسنة.

لذا رأيت أن أذکر ذلک في هذه الخصيصة، فقد يکون بعد حلول الأجل و نزول الموت ورقة أو حديثا يحتاجها محتاج، فتجعل المجهول معلوما و تدخل السرور عليه لوجدان ضالة مؤمن أو محدث، فتسبب المغفرة والرحمة لهذا الغريق في بحار الآثام.