بازگشت

جودها و ايثارها




و کانت علي هدي أبيها في جوده و سخائه، و قد سمعته يقول: «السخي قريب من اللَّه، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد عن النار، و أنّ اللَّه سبحانه جواب يحبّ الجواد» و کان الإيثار من شعار المصطفي (صلي اللَّه عليه و آله) حتي قالت بعض زوجاته: ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتي فارق الدنيا، و کان يقول (صلي اللَّه عليه و آله): «و لو شئنا لشبعنا ولکنا نؤثر علي أنفسنا». [1] ، و کانت الزهراء خير من يؤثر علي نفسه اقتداءً بأبيها حتي عُرف عنها ايثارها بقميص عرسها ليلة زفافها سلام اللَّه عليها، و کفي بما أوردناه في سورة الدهر شاهداً علي عظيم ايثارها و جميل سخائها.

و روي عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري أنّه قال: صلّي بنا رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) صلاة العصر، فلمّا انفتل جلس في قبلته و الناس حوله، فبينا هم کذلک إذ أقبل شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل [2] قد تهلل و أخلق، و لا يکاد يتمالک کبراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) يستحثه الخبر، فقال الشيخ: يا نبي اللَّه، أنا جائع الکبد فأطعمني، و عاري الجسد فاکسني، و فقير فأرشني، فقال (صلي اللَّه عليه و آله): «ما أجد لک شيئاً، ولکنّ الدال علي الخير کفاعله، إنطلق إلي منزل من يحب اللَّه و رسوله، و يحبه اللَّه و رسوله، يؤثر اللَّه علي نفسه، انطلق إلي حجرة فاطمة». (و کان بيتها ملاصقاً لبيت رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) الذي ينفرد به لنفسه من


أزواجه) و قال: «يا بلال قم فقف به علي منزل فاطمة».

فانطلق الأعرابي مع بلال، فلما وقف علي باب فاطمة؛ نادي بأعلي صوته: السلام عليکم يا أهل بيت النبوة، و مختلف الملائکة، و مهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين، فقالت فاطمة: «عليک السلام، فمن أنت يا هذا؟» قال: شيخ من العرب أقبلت علي أبيک السيد البشير من شقّة، و أنا يا بنت محمد (صلي اللَّه عليه و آله) عاري الجسد جائع الکبد فواسيني يرحمکِ اللَّه.

و کان لفاطمة و علي و رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) ثلاثاً ماطعموا فيها طعاماً، و قد علم رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) ذلک من شأنهما، فعمدت فاطمة إلي جلد کبش مدبوغ بالقرظ کان ينام عليه الحسن و الحسين، فقالت: «خذ أيّها الطارق، فعسي اللَّه أن يختار لک ما هو خير فيه»، قالا الأعرابي: يا بنت محمد، شکوت اليک الجوع فناولتني جلد کبش ما أصنع به مع ما أجد من السغب؟

قال: فعمدت لما سمعت هذا من قوله إلي عقد کان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزه بن عبدالمطلب، فقطعته من عنقها و نبذته إلي الأعرابي و قالت: «خذ وبعه، فعسي اللَّه أن يعوضک به ما هو خير منه».

فأخذ الأعرابي العقد و النطلق إلي مسجد رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) و النبي جالس في أصحابه فقال: يا رسول اللَّه، أعطتني فاطمة هذا العقد، فقالت: «بعه».

قال فبکي رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) و قال: «کيف لا يعوضک به ما هو خير منه؟! و قد أعطتک فاطمة (عليهاالسلام) بنت محمد سيّدة بنات آدم».

فقال عمار بن ياسر (رضي اللَّه عنه) فقال: يا رسول اللَّه، أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال: «اشتره يا عمار، فلو اشترک فيه الثقلان ما عذّبهم اللَّه بالنار»، فقال عمار: بکم العقد يا أعرابي؟ قال: بشبعة من الخبز و اللحم و بردة يمانية أستر بها عورتي و اُصلي بها لربي و دينار يبلغني أهلي...


و کان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) من خيبر و لم يبق معه شيئاً، فقال: لک عشرون ديناراً و مئتا درهم هجرية و بردة يمانية و راحلتي تبلغلک أهلک، و شبعک من خبز البر و اللحلم.

فقال الأعرابي: ما أسخاک بالمال يا رجل! و انطلق به عمار فوفاة فأضمن له، و عاد الأعرابي إلي رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) فقال له رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله): «أشبعت و اکتسيت؟» قال الأعرابي: نعم، و استغنيت بأبي أنت و امي قال: «فأجز فاطمة بصنيعها» فقال الأعرابي: اللهم إنک إله ما استحدثناک و لا إله لنا نعبده سواک، و أنت رازقنا علي کلّ الجهات، اللهم أعط فاطمة ما لا عين رأت و لا اُذن سمعت.

فأمن النبي علي دعائه و أقبل علي أصحابه، فقال: «إن اللَّه قد أعطي فاطمة في الدنيا ذلک، أنا أبوها و لا اأد من العالمين مثلي، و علي بعلها و لو لا علي؛ لما کان لفاطمة کفؤ أبداً، و أعطاها الحسن و الحسين و ما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء و سيدا شباب أهل الجنة».

و کان بإزائه مقداد و عمار و سلمان. فقال: «و أزيدکم؟»، قالوا: نعم يا رسول اللَّه، قال (صلي اللَّه عليه و آله): «أتاني الروح- يعني جبرئيل- أنها ذاذ هي قبضت و دفنت يسألها الملکان في قبرها: من ربک؟ فتقول: اللَّه ربي، فيقولان فمن نبيک؟ فتقول: أبي، فمن وليک؟ فتقول: هذا القائم علي شفير قبري ألا و أزيدکم من فضلها؟ إن اللَّه قد و کل بها رعيلاً من الملائکة يحفظونها من بين يديها و من خلفها و عن يمينها و عن شمالها، و هم معها في حياتها و عند قبرها و عند موتها، و يکثرون الصلاة عليها و علي أبيها و علي بعلها و بنيها، فمن زارني بعد وفاتي فکأنّما زارني في حياتي، و من زار فاطمة فکأنما زارني، و من زار علي بن أبي طالب فکأنّما زار فاطمة، و من زار الحسن و الحسين فکأنما زار علياً، و من زار ذريتهما فکأنما زارهما».


فعمد عمار إلي العقد فطيبه بالمسسک، و لفه في بردة يمانية، و کان له عبد اسمه (سهم) ابتاعه من ذلک السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلي المملوک و قال له: خذ هذا العقد وادفعه لرسول اللَّه و أنت له، فأخذ المملوک العقد فأتي به رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) فأخبره بقول عمار، فقال النبي (صلي اللَّه عليه و آله): «انطلق إلي فاطمة فادفع اليها العقد و أنت لها»، فجاء المملوک بالعقد و أخبرها بقول رسول اللَّه (صلي اللَّه عليه و آله) فأخذت فاطمة (عليهاالسلام) العقد و أعتقت الممولک فضحک الغلام، فقالت: «ما يضحکک يا غلام؟»، قال: أضحکني عظم برکة هذه العقد، أشبع جائعاً و کسي عرياناً و أغني فقيراً و أعتق عبداً و رجع إلي ربه. [3] .


پاورقي

[1] أهل البيت: 138.

[2] السمل: الثوب الخلق، و تهلُّل الثوب: انخراقه.

[3] بحارالأنوار: 43/ 56- 58.